امتنعت نتيجة السفر في أجازة عن قراءة الصحف فنجوت من أخطار ما تبثه وتبخه معظم الصحف من عوادم وقاذورات، وبهذا فقد انتظم عندي التنفس وهدأت المعدة ولم أعد أتقيأ كما كان يحدث قبل الأجازة. ولكن كعرض جانبي لهذه الحالة من الهدوء والسعادة فقد حرمت من أشياء لطيفة مثل تصريحات بعض المسئولين الفكهين الذين لا نحمل لهم كراهية..صحيح أننا لا نحبهم لكننا أيضاً لا نكرههم. من هؤلاء الدكتور مفيد شهاب الذي يمتلك وجهاً سمحاً وملامح تشي بالرضا عما يفعله علي الرغم من فداحة ما يفعله!. عوضني الأصدقاء بأن رووا لي أن الدكتور شهاب صرح بأنه لا بأس أن يقضي رئيس الجمهورية فترات رئاسية متتالية بلا عدد مهما طال الزمن ومهما امتد العمر ومهما وهن العظم وخط المشيب المفارق، وحدثوني بأن شهاب قال إن طول الجلوس علي المقاعد يعني خبرة أكبر وحنكة أكثر ودربة ودراية وهضماً للأحداث الدولية وقدرة علي إدارة الأزمات..الخلاصة علي عهدة الوزير شهاب: يا سعده يا هناه الشعب الذي يحظي بحاكم يجلس علي العرش لثلاثين عاماً، ويا حبذا لو امتدت الثلاثون فصارت أربعينا وخمسينا وستينا، وذلك حتي تعم الحكمة وتنتشر ثمرات المعرفة والخبرة في جنبات الأمة وردهات الوطن وفسحات المناطق. وطبعاً لم ينس أستاذ القانون الواعر الغويط أن يقول إن هذه الحقب والأزمنة والعهود الرئاسية يشترط أن تتحقق من خلال انتخابات حرة نزيهة، ومادام الشعب يريد حبيبه مدي الدهر فلا حاجة بنا إلي الاستماع إلي «نواح» الغربان الذين يسعون للتغيير وحرمان الشعب من حبيبه وابن حبيبه!. هذه هي خلاصة نظرية الفقيه القانوني الدكتور مفيد شهاب في أصول الحكم ومواصفات الحاكم المثالي. وفي الحقيقة إنني لا أستطيع أن أنكر مدي استملاحي واستعذابي وترحيبي بالنظرية بسبب طرافتها وجديتها وعدم توصل أحد إلي شيء يشبهها من قبل، فالرجل تعامل مع الحاكم وكأنه قرص جبنة رومي كلما قدم وطال به الوقت، كلما بطرخ وظهرت حلاوته وغلا ثمنه وأقبل عليه عشاق الجبنة الرومي القديمة، أو كأنه زجاجة نبيذ معتقة محفوظة في القبو المخصص للأنبذة الفاخرة وكلما تقادم العهد ومرت عليها الدهور أصبحت غالية ونفيسة، والغالي كما نعلم ثمنه فيه!. وفي الحقيقة، فإننا نظن أن الدكتور شهاب وهو يفكر في قرص الجبنة الرومي كان يستلهم خطي إخناتون الفرعون العظيم الذي نظر إلي قرص الشمس ثم توصل إلي فكرة التوحيد، ولا أعلم إذا كان إخناتون قد رأي قرص جبنة رومي فربط بينه وبين قرص الشمس أم لا، لكن من الأرجح أن شهاب زبون قديم عند مانولي البقال وقد تأثر بالأجبان الرومي والروكفور ذات العفن المعتق فقرر مزج السياسة بالجبن..أكيد هذه صورة نموذجية لخلط السياسة بالجبن!.