في شهر مارس الماضي خرج علينا محافظ الجيزة المهندس سيد عبدالعزيز ليبشرنا بمشروع تطوير شارع جامعة الدول العربية. لم يكتف السيد المحافظ - الذي أثق في دوافعه النبيلة - بهذه البشري، بل سارع إلي وصف الشارع بأنه سيكون «شانزليزيه مصر» ليرفع من طموحاتنا وتطلعاتنا إلي السماء، وبحكم إقامتي في هذا الشارع كنت ومازلت من أكثر المهتمين بتطويره، فالخير عندما يعم عليه سيعم علي سكانه وقاطنيه جميعاً. ومنذ أن عشمنا السيد المحافظ «بالحلق» ونحن ننتظر ونترقب علي أحر من الجمر إلي أن حل شهر أغسطس لتتضح معالم التطوير المزعوم الذي اقتصر حتي الآن علي تقليم أشجار الجزيرة الوسطي ورفع نسبي لمستوي الأرضية عبر كثبان رملية زرعت عليها النجيلة الخضراء، مع فتح طرقات عرضية وممشي بالمنتصف جري تمهيده ببلاط متواضع. ولكي يتم ذلك أزيلت الأسوار الحديدية المحيطة بالحديقة الوسطي بين نهري الطريق وبالتالي أصبح الطريق ممهداً للبسطاء كي يستعملوا الحديقة الصغيرة كمتنفس وحيد لهم في عز حر الصيف، لتصبح الحديقة مكاناً متسعاً لتناول الطعام والشراب ولعب الكرة والنوم لمن لا يملك مأوي، بل وقضاء الحاجة نظراً لعدم وجود أماكن مخصصة لذلك. باختصار تحولت الحديقة الوسطي إلي ملهي ومرتع لكل من هب ودب بلا ضابط ولا رابط. ومازاد الطين بلة أن مشروع التطوير تضمن تطوير النافورات الخمس بميدان مسجد مصطفي محمود لتتحول في النهاية إلي مسبح عمومي ضخم شهد إقبالاً منقطع النظير من الشباب والأطفال البسطاء الذين حرموا من الاشتراك في النوادي الرياضية ومراكز الشباب ليجدوا في هذا المسبح سلواهم في العيد وغير العيد. لا ألقي باللوم علي البسطاء ومحدودي الدخل، فقد كان ينبغي علي الحكومة أن توفر لهم من الحدائق العامة والمراكز الشبابية ما يتسع لهم ويكفيهم، لكن سوء التخطيط وعجز الموارد المالية والفشل الإداري الذي تمتعت به الحكومات المتتالية هو الذي أدي بنا إلي هذا الحال. ومع ذلك فإن المظهر غير الحضاري لمئات الأطفال والشباب وهم يلقون بأنفسهم في مسبح نافورة «شانزليزيه مصر» بملابس لا تمت لملابس البحر بصلة قرابة، هو مشهد يستحق الرثاء. كان ينبغي علي محافظ الجيزة وجميع من خططوا لتطوير شارع بحيوية وأهمية شارع جامعة الدول العربية أن ينتبهوا لكثرة الأحياء الفقيرة المتاخمة لأحياء المهندسين والدقي والعجوزة.. كان عليهم أن يتوقعوا سوء المظهر غير الحضاري في شارع يعج بالسفارات العربية والأجنبية ومراكز المال والاستثمار والمحال الراقية. من المحزن أن يتم منع البسطاء من الاستجمام والاستمتاع بالأشجار الوارفة الظلال وبالمياه الباردة في حر الصيف، لكن من المحزن بدرجة أعمق وأكثر إيلاماً أن يصبح هؤلاء البسطاء مشهداً للتندر، وهدفاً لكاميرات المصورين الذين ينقلون مثل هذه المشاهد علي أنها تعكس حال وواقع كل المصريين، ولم لا والصورة تشهد بلا كذب أن هذا هو «شانزليزيه مصر» الذي وعدنا به محافظ الجيزة. الأجدر بالسيد المحافظ بدلاً من التصريحات المفرطة في التفاؤل أن يسارع إلي تحسين حال شارع جامعة الدول العربية والشوارع المتفرعة منه التي تمتلئ بالمطبات وسوء حالة الأسفلت بها ناهيك عن أكوام القمامة التي يلقيها السكان والمحال علي جانبي الطريق في منتصف النهار. علي المهندس سيد عبدالعزيز أن يجد حلاً مع رجال المرور لتكدس السيارات بالشوارع الرئيسية والفرعية علي حد سواء، التي جعلت المهندسين والدقي أسوأ بمراحل من وسط البلد لدرجة أن المرء يضطر للانتظار فترات طويلة بسبب اصطفاف السيارات في صفوف ثانية وثالثة دون أن تحظي بمخالفة واحدة ودون أن يمر عليها أحد أوناش المرور ليردع هؤلاء عن هذه التصرفات. علي السيد المحافظ أن يسحب تصريحه السابق عن «شانزليزيه مصر»، فلا توسيع للأرصفة حدث ولا تطويراً للإنارة شاهدنا، ولا جراج متعدد للطوابق أنشئ وبفرض أن ذلك مازال مدرجاً علي جدول الأعمال، فلا داعي للتصريحات الرنانة، لأن ذلك سيكون مدعاة للمحاسبة بدلاً من أن يكون سبباً للشكر والثناء.