يشكو البعض من استشعارهم لقسوة الحذاء الغليظ الذي تضعه الكنيسة فوق رقبة السلطة في مصر، في حين يضحك البعض الآخر في سخرية لأن الحذاء الضاغط تضعه الكنيسة والسلطة معاً فوق رقبة الوطن.. فما الحقيقة يا تري في هذا الفيلم؟. هل يبالغ الأقباط حين يقولون إن حقوقهم في هذا الوطن منقوصة بدليل عدم تمثيلهم في مجلس الشعب المزور وعدم تمثيلهم في مجلس الشوري المزور وغياب أي وجود لهم في المجالس المحلية المزورة وعدم حصولهم علي نصيب عادل من ثمرة التزوير الذي يتم أسوة بالمسلمين؟. يرد المسلمون بأن أعضاء هذه المجالس المزورة وصلوا إليها بحسبانهم قططاً سيامي لطيفة تبصم للسلطة علي كل ما تريد وأنهم لم يحوزوا هذه المقاعد لأنهم مسلمون.. ويزيدون بأن الأقرب للعقل هو أن هؤلاء لو كانوا مسلمين حقاً ما تم التزوير لصالحهم!. يقول الأقباط إنهم غائبون تماماً عن الأماكن الحساسة والمتعلقة بأمن الوطن مثل أجهزة المخابرات ومباحث أمن الدولة والمراكز القيادية بالجيش والشرطة فضلاً عن مناصب المحافظين وعمداء الكليات الجامعية. يأتي الرد بأن من يتظاهرون داخل الكاتدرائية مستنجدين بالمجرم شارون أن يأتي بقواته لاحتلال مصر وتخليصهم من المسلمين لا يستحقون الثقة بهم وائتمانهم علي المناصب المليئة بأسرار الوطن في الأجهزة الحساسة لأنهم سينقلون ما يعرفون لعمهم شارون!. في الحقيقة إن الرأي الأخير هذا قد استوقفني كثيراً لأن بعض المسلمين أصبحوا يعتنقونه وهم يرددون في قناعة تامة أن شركاءهم في الوطن لم يعودوا مؤتمنين علي هذا الوطن!. فهل هذا حقيقي؟. بالقطع إنه غير حقيقي، فالأقباط ليسوا خونة أبداً، وهم كأفراد لا يفترقون عن المسلمين الذين يريد كل منهم الستر وتربية العيال. وحكاية أن استبعادهم من المناصب الحساسة سببه استغاثتهم بشارون لا تقنعني بالمرة لأن نفس هذه السلطة تعمل بكل همة في خدمة شارون وسوف يكون لها نصيب طيب في تحقيق حلم إسرائيل الكبري من النيل إلي الفرات والذي أوشك أن يستتب. كذلك هي سلطة لم يعرف عنها العداء للخونة أو مساندة الأحرار. وفي ظني أن الأقباط لو كانوا خونة فعلاً لما كانت لهم مشكلة مع السلطة التي أطلقت سراح الجاسوس عزام كما أطلقت سراح الجاسوس مصراتي من قبل، في حين تصر علي سجن مجدي حسين!. إذن ما حكاية هذه السلطة التي يتهمها المسلمون بتدليل الأقباط وترك البابا يدهس القانون ويسخر من أحكام القضاء ويرفض تنفيذها، ويقوم باعتقال مواطنات مصريات خلف الأسوار.. ونفس هذه السلطة يتهمها الأقباط بتهميشهم وظلمهم ودفعهم للتقوقع والانزواء؟. أعتقد أن السلطة تكن للأقباط ممثلين في قيادات الكنيسة كراهية عميقة مرجعها أن البابا شنودة هو الرجل الوحيد في مصر الذي يلعب سياسة بشكل احترافي مبهر وأنه الشخص الوحيد الذي يتعامل مع السياسة باعتبارها فن الممكن، وفي إطار هذا الممكن فقد استفاد إلي الحد الأقصي من المتغيرات الدولية في مواجهته للسلطة التي تكرهه، ونجح في تجييش أقباط المهجر وتعبئتهم واستخدامهم كلما أراد، كما نجح في استغلال مناخ ما بعد الحادي عشر من سبتمبر في تحقيق مكاسب طائفية وافرة. هذا في تقديري هو السبب الحقيقي لكراهية السلطة للأقباط.. قوة البابا شنودة وقدرته علي إحراز الأهداف في حلق مرمي السلطة تزيد من كراهية السلطة له ولأتباعه. ولأن السلطة لا تستطيع أن تفعل شيئاً للبابا القوي الجبار فإنها تنتقم من الأقباط ما استطاعت إلي ذلك سبيلاً، وبسبب خشيتها من البابا فهي عاجزة عن الانتقام من الأقباط بالطرق التقليدية فلا تجرؤ مثلاً علي أن تلقي القبض علي قبطي دون تهمة وضربه وتكسير عظامه أو قتله في الشارع أمام المارة كما تفعل مع المواطن المسلم، ولهذا تعوض ذلك العجز بعدم منح القبطي حقه في المناصب المهمة والحساسة، وتنتقم منه أيضاً بتقديم تنازلات شائنة لا مبرر لها لرأس الكنيسة، الأمر الذي ينعكس سلباً علي نظرة المسلمين للقبطي فيرونه غير وطني وغير أمين.. هذا فضلاً عن حرمان القبطي عمداً من نصيبه العادل من المقاعد الملوثة المدنسة.. القذرة !.