كما غضب مني البعض لما كتبته الأسبوع الماضي.. تلقيت تشجيعا من آخرين أبرزهم المهندس يحيي حسين. سؤالي يسير في اتجاه واحد عبر هذه الصفحة إلي من يهمهم الأمر.. .كم عدد أعضاء الأجهزة الرقابية الذين حصلوا علي أراض من الدولة وبأسعار زهيدة وبالتقسيط المريح.. ثم باعوها بعد ساعات بالملايين؟ وحتي يعرف القارئ كيف تعمل تلك الأجهزة.. يجب أن نقول إنه هناك مجموعات من العمل تراقب وتتابع عمل كل وزارة وهيئة حكومية.. ليس ضابطا أو عضوا واحدا.. لكنها مجموعات تغطي نشاط كل وزارة تراقب عمل الوزير وتحسب عليه أنفاسه في كل لحظة.. ولو كانت تلك الأجهزة تعمل بشرف لقدمت عددا كبيرا من الوزراء إلي محكمة الجنايات . قبل سنوات قليلة كان العمل في مراقبة أداء وزارة الإسكان فرصة لا تعوض لكثير من مراقبي هذه الأجهزة.. للقفز في قطار الثراء السريع.. الذي كان يطوف بكل الجهات الرقابية يقوده الوزير سليمان.. .ملك ملوك إفساد تلك الأجهزة فهو كان الأقوي بين كل الوزراء ليس بسبب ما كان يشيعه هو عن قربه من قصر الرئاسة، لكنها خزائنه التي لا تنفد. مسئول في إحدي الجهات الرقابية ظل أكثر من 13 عاما يراقب أداء الوزارة.. ورفع شعار «لن أري ولن أكتب.. ولن أتكلم».. وبالفعل.. ظل الرجل قريبا من الوزير ومدير مكتبه.. يقفز إلي مكتب الوزير كل صباح، وبيده طلبات تخصيص أراض لأسماء كبيرة في تلك الأجهزة.. وكل حسب قوته.. فمن كان نافذاً ومسيطراً.. يكون نصيبه قطعة أرض من تلك الخريطة الموجودة في درج مكتب الوزير الأيمن ،يبتسم الوزير للمسئول الرقابي.. ويقول :قطعة رقم... في أرض البنفسج يا باشا وطبعاً هذا القرار الوزاري لا يعني تخصيص أرض لبناء مسكن عائلي كما يقول الطلب الموقع من الباشا المسئول عن تطبيق القانون.. ولكنه قرار بانتقال المسئول إلي عالم الثراء الفاحش.. فتأشيرة الوزير المخصصة للأجهزة الرقابية كانت من ذلك النوع الذي يسبب الرعب في قلب مساعديه.. قاطعة حاسمة.. لا تقبل تفسيراً سوي قرار وزاري بنقل الباشا إلي مصاف الأغنياء . مئات من تجار الأراضي وشركات المقاولات الجديدة.. تفرغت لشراء أراضي الباشاوات.. المخصصة لهم بحكم موقعهم الوظيفي المنتهك.. وفي المساء تكون حقائب الأموال تتحرك في موكب بسيارات حكومية إلي منزل الباشا المسئول في تلك الجهة الرقابية.. ويصبح مع إشراقة شمس اليوم التالي من المليونيرات.. يستبدل سيارة زوجته بأخري فاخرة.. وكمان الباشاوات الصغار يصبحون أعضاء في أندية الأثرياء . مسئولون كبار في تلك الأجهزة حصلوا علي عدة قطع من الأراضي باعوها جميعا إلا واحدة شيدوا عليها القصور.. .كل حسب أهمية وصلاحيات منصبه.. وبالطبع كانت هناك قطعة إضافية أو أكثر علي الساحل الشمالي.. حتي يكتمل مشهد الثراء.. الولادة في الساحل جملة باتت متكررة في كثير من المكاتب المهمة في تلك الأجهزة.. وطبعا الباشا الذي جمع بضعة ملايين من خزائن الشعب التي يحرسها الوزير سليمان.. أصبح يمتلك قصراً أو فيلا -كل حسب درجته في الجهات الرقابية -وأخري علي شاطئ المتوسط.. وفي البنوك أو تحت البلاطة ملايين لتأمين مستقبل الأولاد . في أسبوع واحد كان المسئول يصبح مليونيراً.. لم يعد ينتظر أول الشهر مثلما كان يفعل.. أحدهم ترك راتبه الضخم لمساعديه وحراسه وسائقيه.. يوزعونه فيما بينهم.. وكان يرسل السيارة الحكومية المخصصة لحماية مال الشعب إلي الساحل بطلبات ووجبات الباشاوات الصغار وأصدقائهم في الساحل الشمالي . صحفياً صديق بهرته أضواء القاهرة فترك منزل أسرته في الصعيد.. اتهمني ذات يوم بأنني عبيط.. وكان عائداً لتوه من مكتب الوزير سليمان بقطعة أرض من خريطة الأثرياء الجدد التي يحتفظ بها الوزير في مكتبه.. فيمنح من يشاء الملايين.. ومشيئة الوزير كانت محصورة فقط للكبار من أصحاب القرار وحمله لواء الرقابة والمدافعين عن أموال الشعب . اختفي زميلنا العزيز من النقابة وكان من المقيمين بها.. فسألت عليه أصدقاء مشتركين فقالوا لي إنه أصابه مرض الثراء السليماني.. الزميل باع قطعة إرض في التجمع الخامس ببضعة ملايين منعته عن مطاعم الكشري التي اعتادها في وسط البلد.. .انتقل الرجل إلي عالم الملايين . حالة زميلي تكررت كثيراً في الوسط الصحفي الذي يحمل لواء الرقابة الشعبية . مثلما نقلت مسئولي الأجهزة الرقابية إلي عالم الثراء الفاحش.. نقلت أيضا صحفيين أدركوا قانون الفساد.. فأصبحوا بنعمة الوزير سليمان من الفاسدين.. وتسمعهم كثيراً يرددون جملة «الولادة في الساحل».. بفلوس الشعب الذي تحاصره الحكومة بضرائبها حتي غرف النوم.. وهل تجرؤ الحكومة علي فرض ضريبة الثراء الفاسد علي هؤلاء.. وبالمناسبة تلك الضريبة تكفي لسداد ديون مصر. وهل يمكن للنائب العام أن يكلف نيابة المال العام بالانتقال إلي جهاز مدينة القاهرةالجديدة لحصر آلاف الأسماء من الأجهزة الرقابية ومافيا الفساد التي قفزت إلي مصاف الأثرياء بين ليلة وضحاها.. لرد أموال الصامتين المنهوبة؟