الشرطة المصرية الآن تفخر بحملات القبض علي المتحرشين، بعدما ظلت تنكر وجودهم طويلاً. إنكار يعبر عن نرجسية الشرطة. كما أن إعلانها الآن عن موسم القبض علي صبيان التحرش هو نرجسية من نوع جديد توجه فيه التهم إلي مجتمع منفلت. افتقد نخوة الدفاع عن شرف البنات. واصطيادها من «ثوار الجنس العشوائي» هو دليل علي «أخلاقية» جهاز الأمن وترصّده للانفلات واستنفاره للدفاع عن الشرف. الصحف في أيام العيد صوّرت مطاردات جماعية في الشوارع، والشرطة ألقت القبض علي عصابات المتحرشين. أصبح العيد موسم انفجار جنسي وموعداً مع «ثورة» مؤقتة يتحرر فيها الشباب من الكبت بالفرجة والإشارة وربما اللمس. أبطال الثورة الموسمية غالباً من سكان العشوائيات. هؤلاء يعيشون من دون الحد الأدني من الحياة: المسكن والمأكل والمشرب والأمان. كل هذا غير موجود. وغيابه يعني، كما يقول أساتذة علم النفس، أن الفرد لا ينتمي إلي وطن أو دين أو أي جماعة بشرية، ويركز كل مشاعره وحركة وعيه علي إشباع ملذاته الغائبة. الانفجار الجنسي علامة فوارة علي المطالبة بالحق السياسي الضائع. الحق في حياة آمنة تضمن أبسط الحقوق الإنسانية، وهذه أحلام بعيدة في مجتمع تحكمه الأنانية المفرطة ويعيش في غيبوبة تشبه حلقات الذِّكْر. في حفلات الذِّكْر يذوب المتصوف في ذات أعلي، وفي حفلات التحرش يعلن الهائج عن ذات غير موجودة، مسحوقة لا تعرف من الجنس إلا الجوع، والجوع هنا يقابله إفراط في مستعمرات الرفاهية المغلقة علي أصحابها، حيث تقام حفلات جنس جماعي أسطورية لكن بقوانين أخري وطقوس ترتدي فيها الهمجية قفازات من حرير. علي مقهي شعبي كان المشهد غريباً، إذ استحوذ وجود فتاة علي انتباه المارّة. لم يمر أحد إلا وأدار وجهه وجسده كاملاً. كانت مثل قنبلة مشتعلة يخاف الجميع من انفجارها في لحظة. ورغم أنها كانت ترتدي قميصاً عاديّاً من دون أكمام، فإن كل رجال المقهي انتابتهم حمي، كما لو كانت الفتاة تجلس عارية تماماً. مزاج المقهي ليبرالي إلي حد ما. من الطبيعي بالنسبة للزبائن التقليديين حضور النساء حتي ساعات متأخرة من الليل. ما سرّ التوتر؟ إنها الجرأة. وجودها يتحدي استقرارهم علي أن الأجساد الفاتنة تختفي تحت أطنان القماش. اتفاق غير معلن. هناك مناطق للملابس؛ منطقة لملابس تغطي الجسد، وأخري لملابس لا تغطي شيئاً، ومنطقة للملابس الحرة. المنطقة الأولي هي العمومية الآن، لكن تتحرر الفاتنات تحته، تبرز الأنوثة في موضة حديثة من الجينز أصبحت تتواءم مع الحجاب وربما النقاب. في المنطقة الثانية هناك قبول بالعري في المراقص وعلب الليل. وتبقي منطقة الملابس الحرة هي منطقة القلق، فهي جزر معزولة وفي أحياء راقية (مثل الزمالك أو مصر الجديدة أو مارينا). ترتدي فيها النساء ملابس خفيفة تمنح للمرأة حرية وشعوراً بالراحة. المدهش أن هذه التقسيمة مربكة، ومن يتابع الشارع المصري الآن فلن يتعرف إلي العصر ولا إلي الناس. هناك أقصي موجات الحجاب والنقاب: من الحجاب السعودي إلي الأفغاني والإيراني والتركي ونقاب الجزيرة العربية. في المقابل هناك أحدث صيحات الموضة مستوردة من باريس وروما ونيويورك. بين هذا وذاك لا مكان لملامح المرأة المصرية الآن. جسدها مخنوق في ملابس صممتها عقليات لم تفكر فيه. جسد محشور في ملابس لم يصنعها، استورد أذواقها وطريقة صنعها. وفي مقابل هذه العشوائية، هناك عشوائية «التحرش الجماعي» أو «ثورة المقهورين» اجتماعياً. ثورة العشوائيات المعمارية والأخلاقية علي المدينة التي تحتضر. وما حدث كان أقوي علامة علي تحلل الدولة أو تفككها أو عدم قدرتها علي السيطرة علي ثورة رعاع قادمة من المحرومين من أبسط حقوقهم، وتحاول إشباع الملذات البعيدة عن متناول اليد بالقنص أو الاستيلاء. وطبعاً أسهل فريسة هو جسد المرأة. أصبحت الحبة الزرقاء صديقة الرجل في الريف والمدينة. بها استمرت سلطة الرجل في البيت وأخرجته مؤقتاً من طابور ال40 في المئة من المصابين بالعجز في مصر. وربما تكون أنقذته من الدخول في دائرة الدراويش أو المتطرفين. كلاهما محاولة للخروج من الأزمة مع متعة الدنيا إلي انتظار متع ما بعد الموت وتعويض الهزيمة أمام نساء الدنيا بجائزة إلهية من حور العين، ملكات جمال وعذراوات دائمات. وحلم الجنة مرتبط أيضاً بانتصار الذكورة النهائي علي الأنوثة المتوحشة المختفية تحت تلال من الأقمشة.