تصر الصحف الحكومية علي المضي في الابتعاد عن دورها الحقيقي، مفضلة عليه أن تبقي في مصاف النشرات الإعلامية التي تروج لقضية أو حملة ما، والمتابع لتغطية هذه الصحف لزيارة الرئيس مبارك إلي الولاياتالمتحدة يري إلي أي حد كانت بعيدة عن الواقع، وتروج لمفاهيم ومصطلحات عفا عليها الزمن ولم تعد تتناسب مع العصر الذي نحيا فيه، فهي كانت تنشر أخبار المفاوضات المباشرة وكان الرئيس مبارك ذهب ليعيد حقوق الفلسطينيين المسلوبة منذ عشرات السنين، متناسية أن الرئيس كان في مجمل الأمر متحيزاً للمواقف الأمريكية المؤيدة بصورة عامة للكيان الصهيوني، إضافة إلي أن السياسة المصرية كانت وستظل مخزية للقضية الفلسطينية في عهد الرئيس مبارك. وبخلاف الجدل حول الدور المصري في هذه المفاوضات غير الشرعية والتي تتم بين كيان غاصب ومجموعة لا تمثل إلا نفسها، فإن الصحف تجاهلت مطالب الإدارة الأمريكية للنظام المصري بتحقيق الديمقراطية وإنهاء حالة الطوارئ وكأنها لم تحدث. والذي ينظر إلي الطريقة التي كتب بها رؤساء تحرير هذه الصحف عن زيارة الرئيس لواشنطن، يراها مثيرة للسخرية من جراء ما تضمنته من أمور وأحداث وتحليلات غريبة، فمقال ممتاز القط مثلا في «أخبار اليوم» والذي جاء بعنوان « موقف حرج للإسرائيليين بعد مقال الرئيس « ولا أحد يعلم منذ متي والصهاينة يكونون في مواقف حرجة أو متي أحرج الرئيس مبارك دولة الكيان من قبل، وراح رئيس التحرير يتحدث عما اسماها « بادرة الرئيس والتي تمثل الحكمة والرؤية الثاقبة ومواقف مصر الواضحة والصريحة « وتلي هذه الكلمات تحليلا وتفنيد لما جاء في مقال الرئيس مبارك، باعتباره خطة سلام مصرية تضمن عدم الفشل في تحقيق السلام، متناسيا أن مصر وضعت عدة خطط من قبل وزايدت علي جميع الأطراف بتنفيذ بنود بعض الاتفاقيات بحذافيرها، رغم أنها كانت مجحفة في حق الشعب الفلسطيني، وأبرزها حصار أهل غزة وحرمانهم من حق العيش والحياة كبقية البشر بدعوي التزام مصر بالاتفاقيات الدولية، لكن كل هذه الأمور يتناساها تماماً رؤساء تحرير الصحف الحكومية ولا يستطيعون مجرد النقد أو الانتقاد للموقف المصري المخزي تجاه الفلسطينيين ويحملون - رغم تأكدهم - فشل المفاوضات لحماس وإيران والرافضين للمفاوضات. الصحف التي اعتبرت أن مبارك انتصر علي نتنياهو اهتمت أيضا بمرافقة نجله جمال في الزيارة وأبرزت - وعلي رأسهما الأهرام - تصريحات رئاسة الجمهورية حول كون جمال ابنا بارا بوالده ولا يقم بشيء إلا بإذنه، أما رئيس تحرير «روز اليوسف» فراح يتحدث عن جاذبية الرئيس واختياره لملابسه وكيف قضي وقته أثناء إلقاء كلمات الرؤساء وكيف كان لها وقع علي أذان الحاضرين إضافة إلي بعض التفصيلات التي قام بها الرئيس خلال الحدث ويراها رئيس تحرير «روز اليوسف» مهمة دون سواه فهو قبل غيره يعرف أنه مهما تضمنت كلمات الرئيس أو حركاته أي إشارة فلن تهتم بها أمريكا أو الكيان الصهيوني لأسباب عدة علي رأسها تراجع الدور المصري وفقدان الدولة لاحترامها بين دول العالم. ورغم اختلاف التغطيات في وسائل الإعلام العالمية والمحلية الخاصة لهذا الحدث لم تسع صحف الحكومة إلي تناول الحدث بأي زاوية صحفية قد يقرأها قارئ ويستسيغها، بل أكدت أن صلاح تحريرها هو أن يتم تخليصها أولا من قبضة النظام الحاكم وإعادتها لتكون ناطقة بلسان الشعب باعتباره المالك لها وليس فئة محدودة تستخدمها في مصالحها.