ترك اللباد كلية طب الأسنان قبل نهاية العام الجامعي الأوّل. وسار خلف بيكار، أشهر رسامي الصحافة في الأربعينيات والخمسينيات، وحتي رحيله أوائل القرن الحالي. حسن فؤاد الرسام والمصمم والسياسي «كان الخطفة الثانية». قاده إلي عالم مدهش من الرسم المعبر من دون كلام، والتصميم الذي يكاد يغني عن الحكاية. مشاغله كانت تذهب أبعد من الرسم، إلي الخطاب البصري، والرسالة التي ينطوي عليها ما تنتجه وسائل الدعاية والتواصل الجماهيريّة. منذ الطفولة كان مولعاً بطوابع البريد والتمغة المصرية. تذكرة الأتوبيس، إعلان سجائر أو مسرحية. علبة كبريت، العملة الورقيّة، ورقة اليانصيب، لافتات الدكاكين، الإعلانات علي الجدران... »هذه العلامات تكوّن صورة للزمن«حتي يومه الأخير كان مكتبه ورشة منظمة، وهو «أسطي» وشغّيل لا يستسلم للرفاهية التي تفترضها شهرته في عالم صناعة الكتب. يتعامل مع حرفته بمنطق «العاشق»، أكثر منه «معلماً محترفاً». ورشته صومعة وقاعدة خلفيّة، فاللباد هارب فعلاً. يسكن ويعمل في «دولة» مصر الجديدة، البعيدة عن قلب العاصمة. يقيم في جزيرة خاصة، رغم أنّه ابن القاهرة القديمة بشوارعها الصاخبة ومزاجها الحاد. المترو ومطابع الزنكوغراف في شارع محمد علي. اللباد غريب يعمل في مهنة مرتبطة حسيّاً بالجمهور.عمل محيي الدين اللبّاد في مشاريع تجمع بين الرسم والكتابة: من حلمه الساحر »سندباد« إلي مشروع «كروان» الذي لم يكتمل لمواجهة «سوبرمان» و«الوطواط». النقلة في مسيرته جاءت مع «روز اليوسف»، مدرسة الرسم الكبيرة، بعد رحيل صلاح جاهين... «لا أعرف لماذا كان جاهين يستخف بالكاريكاتور، مع أنه وجورج البهجوري غيّرا ملامح هذا الفنّ». ويضيف: «لا أحد يعرف هذا الرجل ( يقصد صلاح جاهين). كان يستخدم الذكاء الاجتماعي ليداري اكتئاباًَ كبيراً». أما حجازي، رسام الكاريكاتور الشهير في جيله هو الآخر، فميزته أنّه «ليس عنده ادّعاء. يرسم ما يحب ويعرف. ومرات يجلس معك يتكلم في الفن والسياسة، ثم يلعب الورق مع الصعاليك». بهجت عثمان؟ «أكثر انفتاحاً من حجازي... لكنه ميّال إلي إعلان مواقف عمومية» في الكاريكاتور لا يحبّذ اللباد اللعب علي المضمون. علي الكاريكاتور أن يصدم طريقة التفكير الجاهزة... أن يخرّب النظرة النمطية. لا أحب القارئ الذي ينتظر نصيحة، أو تأكيداً علي أنّ الأشياء التي يكرهها تستحق الكراهية. هذا الفنّان يبحر في الاتجاه المعاكس للمدرسة التي تداعب الجماهير، عبر تقديم نكتة سهلة الهضم، وتوصل الرسائل كاملة للقارئ الكسول. قارئه النموذجي يتحلّي بحسّ نقدي ومقدرة علي التفكير، ولا يكتفي بتقسيم العالم إلي خير وشرّ» لستُ من جيل الرسائل الكاملة «يردّد اللبّاد، كمن يدفع عنه تهمة مزعجة وخطيرة... «لست الذي يتصوّر أنّه يعرف كل شيء، وأنّ مهمته توصيل تلك المعرفة. التبشير ليس مهنتي. والرسالة الكاملة إعلان عن دور منتهٍ»، يفهم عمله اكتشافاً دائماًَ، وسفراً إلي مناطق مجهولة: «لا أتحرك تبعاً لخطّ مستمر. أعمل حاجات وأرجع أبوّظها». ويضيف بعد صمت: «أنا هاوٍ» ما الذي يشغلك أنت الآن؟ سألته يومها. و أجاب بسهولة: «العمر». استفسرت . فأضاف بالسهولة نفسها: «كبرت. أصبحتُ في عمر والديّ، ولم يعد أمامي أشياء مؤجلة».