ترأس السيد الرئيس مؤخراً مجلس الوزراء وتحدث في اجتماع ضم الوزراء جميعاً وعرض المشكلات القائمة والقادمة واستهلها بطلب تنفيذ انتخابات برلمانية نزيهة تتيح للمواطنين التصويت الحر بشفافية.. وتلكم سيادة الرئيس صرخة أو دعوة مللنا سماعها والاستماع إليها من فرط كثرة ترديدها الكاثرة، لأن ما تعودناه واعتدناه أنه كان يتم تحت نار يجري علي أرض الواقع وكل ضروب التزييف لإرادة الشعب والتزوير الفاضح لعملية الانتخابات والخروقات التي تتسلل إليها وأنها ثمرة للعبث والخبث والانحراف.. وكيف تأتي انتخابات حرة شفافة وفاقد الشيء لا يعطيه لأن كل وسائل الإعلام موجهة إلي خط وخطة واحدة.. وكل وسائل الأمن لا ترسل أية إشارة بنزاهة الانتخابات وحرية التصويت والمحاصرة والتضييق علي الناخبين وافتقاد أية قيمة للورقة التي بأيديهم حتي ترقد المسكينة في الصندوق تشكو بل تبكي البطش والقهر والوعد والوعيد لمجموعات من أهل البلطجة والتهديد، إن فئة قليلة وضئيلة العلم والشأن والرؤي فقدت البصر والبصيرة عن الأخطاء التي تتربص بالشعب المصري.. هؤلاء الذين وضعوا مادة «العار» في الدستور المصري وهي المادة 76 ظناً منهم أنهم يحولون دون تداول السلطة وفتح الباب علي مصراعيه.. حالة أنه يكفي وضع بعض الضوابط .. ومصر يا فخامة الرئيس أمة ولود بالنوابغ والكفاءات التي تستثمرها جميع الدول ما عدا وطنهم الحبيب الذي أصبح بلداً طارداً للكفاءات الذين نفاخر بهم دول العالم. وكيف يتأتي ذلك والمثقفون المصريون جميعاً في حالة انزواء وإحباط وانطواء؟ إن أبسط ضمان لنزاهة الانتخابات وصحتها قد امتدت إليه الأيادي البغيضة التي تنحسر وتنحصر قمة آمالها في الزلفي والاقتراب والاسترضاء.. إن الضمانة الوحيدة التي كانت قائمة وسط هذا الإفك والبهتان كانت تتمثل في الرقابة القضائية علي الصناديق بأمانة ونزاهة وتجرد وشجاعة.. إلا أنها سقطت أو أسقطت لتصبح الساحة «سداح مداح» للذين ثبت في الآونة الأخيرة اتهامهم بارتكاب أبشع الخطايا والالتفاف حول المسئولين لسلب ونهب وعلاج الداء وتكاليف المستشفيات والدواء. لا ياسيادة الرئيس.. ما الذي تقصده سيادتكم بالمطالبة بنظام جديد للتصرف في أراضي الدولة يسد الثغرات ويمنع أي شبهات؟.. أي أراض تقصدها سيادتكم وقد بيعت الأرض والعرض معها وأصبحت الطبقة الجديدة التي تلتف حول السلطة تملك آلاف الأفدنة مما يعود بنا إلي العهد البائد الذي هو قادم بشراسة وفجور؟! لقد مضي الزمان وانطوي كل شيء في طي النسيان وأصبحت هذه الطبقات من النفوذ والسلطة والسلطان والصلات العميقة والوثيقة التي يظن بعض الناس وأنا أحدهم أنها روابط.. ترابط.. تكاتف.. تلاقي مصالح مما جعل الباحث والدارس يتساءل: هل هي عصابات.. تكتلات.. تجمعات.. ثمرة لتوافقات؟! نعم فات الأوان حتي إنه أصبح يستعصي بل تستحيل أية محاولة للتطهير أو حتي مجرد الإصلاح ومازلنا نردد أنه لا تستر علي الفساد. أحسب سيدي الرئيس أن من حقنا بل وواجبنا أن نصوب النار ونطالب بعملية تطهير للرجس والنجاسة التي توضأ منها البعض بإعادة فتح الملفات منذ شراء ديون مصر في أوائل السبعينيات.. ومروراً بسياسة الاقتصاد المفتوح الذي ضرب الاقتصاد المصري وجعله اقتصاداً مريضاً تابعاً ثم إعادة فتح جميع ملفات التصرف في أراضي الدولة من أقصي سيناء إلي قمة الشمال حتي الضبعة وثمن الفدان الذي بيعت به الأرض وثمن المتر الواحد الذي يباع به الآن.. وجميع الأراضي الصحراوية علي جانبي طريق مصر الإسكندرية الصحراوي أو الزراعي علي السواء. إن الأرض التي جري إقطاعها وإهداؤها إلي المئات إن لم يكن الآلاف قد تحول الكثير منها وفقدت صفتها الزراعية وأضحت أرضاً ليست لغذاء وأرزاق البشر بل جبال من الحجر يملكها سادتها وأسيادنا الجدد سواء ممن تزوجوا بالحكومة من رجال الأعمال أو من الذين فتحت لهم خزائن السلب والنهب فأضحوا يسكنون القصور العالية والعائمة أو ما يطلق عليه «كومبوند هاي سيتي» وهي تلطخ جبين الطريق الدائري إلي السويس والإسماعيلية، إنه في هذه السنوات الخمس الأخيرة زاد حجم الدين بنسبة 100% ففي عام 2004 كانت ديون مصر 435 مليار جنيه ارتفعت إلي 637 مليار جنيه في عام 2007، ثم وصلت إلي أكثر من 850 مليار جنيه في عام 2009، وهذا يعني أن حكومة رجال الأعمال كانت تقترض سنوياً ما يقرب من 100 مليار جنيه. من أخطر النتائج التي حدثت في هذه السنوات الخمس هو حجم الأراضي التي تم بيعها أو تخصيصها أو توزيعها علي أصحاب النفوذ والسلطان ومشروعات القطاع العام التي بيعت في برنامج الخصخصة خاصة مصانع الحديد والأسمنت والأسمدة وشركات الاتصالات والفنادق والشواطئ والمحالج ومصانع الغزل والنسيج والسيارات.. هذه المشروعات التي تم بيعها وهي تمثل أهم أصول وممتلكات الشعب المصري لا أحد يعرف أين ذهبت حصيلة بيعها وكم تبلغ هذه الحصيلة وهل لاقت مصير ال 280 مليار جنيه التي هي أموال التأمينات الاجتماعية التي لا أحد يعرف عنها شيئاً خاصة أن أرقام الديون تجاوزت كل حدود الأمان ولا شك أن ذلك كله فتح أبواباً كثيرة لاحتكارات وسيطرة مجموعة من رجال الأعمال علي ثروة مصر؟! ثم أستأذن سيادتكم في العودة إليكم إني علي يقين أن فخامتكم تعلمون ما حل بالتعليم من انهيار وانحدار، إن لم يكن من دمار سواء في دور المدارس الآيلة للسقوط أو في المدرسين الذين انحطت ظروفهم فشكلوا مراكز «centres» لإلقاء الدروس بمئات الجنيهات للطلبة تاركين مدارسهم تنعي من بناها. وهنا أليس من حق ساكني القبور والجحور في الدويقة واصطبل عنتر والعشوائيات وملايين الأطفال القاطنين تحت الكباري الذين ينتشر بينهمما لا يمكن تصوره من فواحش وجرائم وانهيار الأخلاق وأوضاع لا تمت للإنسانية بصلة، أن يحظوا ببعض الاهتمام؟ يا أيها السادة إن الملفات التي فتحها السيد الرئيس.. وأصر عليها لن تجد آذاناً صاغية.. ولكن جميعنا يتجاهل أن مصر تقف علي فوهة بركان وأن الاختناق بلغ الأعناق وأننا علي فوهة بركان يدق الأجراس وينذر بالانفجار.. ماذا تنتظرون قد اكتملت أسباب الاحتقان.. أسباب الحياة.. الماء.. الكهرباء.. لقمة العيش أو رغيف الخبز التي عادت إلي طورها الأول من الاقتتال في صفوف الجائعين.. لا يا سيادة الرئيس إن هذا لا يكفي.. الجوع كافر.. وإياكم من ثورة الجياع ومستنقع الضياع.