مستشار ترامب يدعو إلى فرض عقوبات على مسؤولي الجنائية الدولية    رصدنا جريمة، رئيس إنبي يهدد اتحاد الكرة بتصعيد أزمة دوري 2003 بعد حفظ الشكوى    جوميز يتحدى الأهلي: أتمنى مواجهته في السوبر الأفريقي    حلمي طولان: مستاء من سوء تنظيم نهائي الكونفدرالية.. وأحمد سليمان عليه تحمل الغرامات    أهالي سنتريس بالمنوفية ينتظرون جثامين الفتيات ضحايا معدية أبو غالب (فيديو وصور)    متحدث "مكافحة الإدمان": هذه نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة    برقم الجلوس.. موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 الترم الثاني (الرابط والخطوات)    بالصراخ والبكاء.. تشييع جثامين 5 فتيات من ضحايا غرق معدية أبو غالب    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق.. مقترح يثير الجدل في برنامج «كلمة أخيرة» (فيديو)    زيادة يومية والحسابة بتحسب، أسعار اللحوم البتلو تقفز 17 جنيهًا قبل 25 يومًا من العيد    ب1450 جنيهًا بعد الزيادة.. أسعار استخراج جواز السفر الجديدة من البيت (عادي ومستعجل)    جوميز: عبدالله السعيد مثل بيرلو.. وشيكابالا يحتاج وقتا طويلا لاسترجاع قوته    عاجل.. مسؤول يكشف: الكاف يتحمل المسؤولية الكاملة عن تنظيم الكونفدرالية    سيراميكا كليوباترا : ما نقدمه في الدوري لا يليق بالإمكانيات المتاحة لنا    نائب روماني يعض زميله في أنفه تحت قبة البرلمان، وهذه العقوبة الموقعة عليه (فيديو)    السفير محمد حجازي: «نتنياهو» أحرج بايدن وأمريكا تعرف هدفه من اقتحام رفح الفلسطينية    دبلوماسي سابق: ما يحدث في غزة مرتبط بالأمن القومي المصري    روسيا: إسقاط طائرة مسيرة أوكرانية فوق بيلجورود    بينهم طفل.. مصرع وإصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بأسوان    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    حظك اليوم برج العقرب الأربعاء 22-5-2024 مهنيا وعاطفيا    إبداعات| «سقانى الغرام».... قصة ل «نور الهدى فؤاد»    تعرض الفنانة تيسير فهمي لحادث سير    إيرلندا تعلن اعترافها بدولة فلسطين اليوم    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    طريقة عمل فطائر الطاسة بحشوة البطاطس.. «وصفة اقتصادية سهلة»    لعيش حياة صحية.. 10 طرق للتخلص من عادة تناول الوجبات السريعة    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    وزيرة التخطيط تستعرض مستهدفات قطاع النقل والمواصلات بمجلس الشيوخ    موعد مباراة أتالانتا وليفركوزن والقنوات الناقلة في نهائي الدوري الأوروبي.. معلق وتشكيل اليوم    دعاء في جوف الليل: اللهم ألبسنا ثوب الطهر والعافية والقناعة والسرور    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    بالصور.. البحث عن المفقودين في حادث معدية أبو غالب    أبرزهم «الفيشاوي ومحمد محمود».. أبطال «بنقدر ظروفك» يتوافدون على العرض الخاص للفيلم.. فيديو    هتنخفض 7 درجات مرة واحدة، الأرصاد الجوية تعلن موعد انكسار الموجة شديدة الحرارة    قناة السويس تتجمل ليلاً بمشاهد رائعة في بورسعيد.. فيديو    شارك صحافة من وإلى المواطن    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 22 مايو 2024    قبل اجتماع البنك المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 22 مايو 2024    محافظ كفر الشيخ يتفقد أعمال تطوير شارع صلاح سالم وحديقة الخالدين    إزاى تفرق بين البيض البلدى والمزارع.. وأفضل الأنواع فى الأسواق.. فيديو    مواصفات سيارة BMW X1.. تجمع بين التقنية الحديثة والفخامة    أول فوج وصل وهذه الفئات محظورة من فريضة الحج 1445    عمر مرموش يجرى جراحة ناجحة فى يده اليسرى    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    بعبوة صدمية.. «القسام» توقع قتلى من جنود الاحتلال في تل الزعتر    المتحدث باسم مكافحة وعلاج الإدمان: نسبة تعاطي المخدرات لموظفي الحكومة انخفضت إلى 1 %    محمد حجازي ل"الشاهد": إسرائيل كانت تترقب "7 أكتوبر" لتنفيذ رؤيتها المتطرفة    ضد الزوج ولا حماية للزوجة؟ جدل حول وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق ب"كلمة أخيرة"    خبير تغذية: الشاي به مادة تُوسع الشعب الهوائية ورغوته مضادة للأورام (فيديو)    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع صادرات مصر السلعية 10% لتسجل 12.9 مليار دولار    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود سالم يكتب : المغامرون الخمسة في لغز سرقة لوحة «زهرة الخشخاش»"1"
نشر في الدستور الأصلي يوم 29 - 08 - 2010

كتبت لغز سرقة المتحف منذ ثلاثين عاماً أو تزيد.. وبالطبع لم أكن أتوقع أن أستشرف أن ما كتبته خيال منذ ثلاثين عاماً سيتحقق والفارق في التفاصيل.. ولست أذكر ماذا كتبت بعد هذا الزمن الطويل.. ولم تكن عندي نسخة من اللغز عندما تفضل الصديقان إبراهيم عيسي وإبراهيم منصور بالاتصال بي طالبين بإحساس الصحفي الذكي إعادة نشر لغز سرقة لوحة «زهرة الخشخاش » بمناسبة السرقة التي وقعت في متحف محمد محمود خليل.. ولم تكن عندي نسخة، فأولادي يتولون إهداء كل ما يصلني من دور النشر إلي أصدقائهم.. فاتصلت بثلاث صديقات أعرف اهتمامهن بالألغاز.. الأستاذة سميرة أبوسيف راعية نشر الألغاز لسنوات طويلة في دار المعارف والأستاذة رسمية فرحان مديرة تكنو جروب والأستاذة فاطمة ناعوت الشاعرة والكاتبة المتميزة وتلميذتي النجيبة.
وكانت أسرعهن استجابة صديقتي الشاعرة فاطمة ناعوت التي تفضلت فأرسلت للدستور نسخة ب«الإيميل» وأود أن أشكرها اعترافاً بفضلها.
ثم يخطر لي أن أرصد كمؤلف للروايات البوليسية ملاحظة الرسام الهولندي ذائع الصيت فان جوخ.
هذه الملاحظات تبدأ بقاعدة في علم الإجرام معروفة.. أن اللص يستطيع سرقة أي شيء إذا أتيح له الزمن المناسب للسرقة، ولوحة زهرة الخشخاش تمت سرقتها في دقائق.. ولكن الواقع أن التخطيط للسرقة تم قبل ذلك بأسابيع وربما بشهور، فاللص قد درس العملية بناء علي معلومات تسربت أو قصد تسربها، منها كاميرات المراقبة المعطلة، وأجراس الإنذار الساكتة.. وإهمال الحراس طبعاً أو عمداً.
بناء علي هذه المعلومات وربما غيرها أيضاً أتم اللص سرقته في دقائق وطوي اللوحة وخرج بين أعين الحراس الغافلين أو المتغافلين وتاه في الزحام!
والخسارة فادحة، ولكن الأفدح منها هذا الإهمال الجسيم جداً في تأمين اللوحة الغادرة، ومن المؤكد أن جهات التحقيق ستضع ملاحظاتي المتواضعة موضوع الاعتبار، خاصة بعد رفع البصمات.. راجياً بل داعياً أن يتم العثور علي اللوحة العظيمة قبل أن تخرج من الحدود، فأنا كمصري أشعر بألم فظيع من جراء حدوث هذه السرقة أو الفضيحة.
رائحة لغز
كانت السيارة التاكسي التي تحمل الأصدقاء الخمسة: «لوزة» و«نوسة» و«عاطف» و«تختخ» و«محب» قد عبرت كوبري الجلاء وانحرفت خلف فندق الشيراتون ثم عرجت يساراً متجهة إلي شارع النيل، فقال «تختخ» موجهاً حديثه إلي السائق: هنا من فضلك.
وأخذت السيارة تقترب من العنوان المطلوب وقال «عاطف»: هذا ثالث متحف نزوره خلال الأسبوعين الماضيين.. إنها فكرة رائعة حقاً التي اقترحها «محب» أن نقوم بزيارة جميع متاحف بلدنا في العطلة بدلاً من إضاعتها في اللعب.
لوزة: وهل متحف «محمد محمود خليل» الذي سنزو الجنيهات..
عاطف: ملايين الجنيهات؟!
تختخ: نعم.. فهناك 133 لوحة كبيرة لمشاهير الرسامين العالميين عدا 58 لوحة صغيرة و42 تمثالاً.
لوزة: ومن أين عرفت هذه المعلومات؟
تختخ: من الدليل، فلكل متحف دليل، ومعي دليل المتحف الذي أعدته وزارة الثقافة وبه كل المعلومات اللازمة عن المتحف.
ووقف التاكسي ونزل الأصدقاء الخمسة، ونفذوا من باب الشرطة هنا؟ رد الرجل في ضيق: إنهم يقومون بجرد المتحف.
تختخ: لماذا؟
الرجل: لقد حاول أحد اللصوص سرقة المتحف أمس ليلا، وقد استطاع الحارس رؤيته في الظلام فأطلق عليه الرصاص، ولكن اللص استطاع أن يهرب.
تختخ: وهل عرفوا ما سرقه؟
الرجل: «لقد جاءت لجنة من وزارة الثقافة والإرشاد هذا الصباح لجرد المتحف بشكل عاجل.. ولا أحد يدري ماذا وجدوا.
قال «عاطف»: هيا بنا نخرج إلي كورنيش النيل، ونجلس في كازينو كليوباترا فهو قريب من هنا، بدلاً من العودة إلي المعادي.
لوزة: من الأفضل أن تنتظر نتيجة الجرد.. فقد تكون هناك سرقة فنشارك في البحث عن اللص.
نوسة: إننا لم نحضر للبحث عن لصوص، لقد جئنا لمشاهدة ما في المتحف من لوحات وتماثيل يا «لوزة»، فدعك من الألغاز والمطاردات.
لوزة: إن الماغامرين الخمسة لا ينسون عملهم، وما دام هناك لغز فلا بد من حله.
عاطف: ومن أين عرفت أن هناك لغزاً؟
لوزة: إنني أشم رائحة الألغاز والمغامرات، وأؤكد لكم أن في هذا القصر لغزاً في انتظارنا.
وفي تلك اللحظة خرج عدد من الرجال من باب القصر، وهم يبتسمون وسمع الأصدقاء أحدهم يقول: ليس هناك شيء ناقص علي الإطلاق.. إن التماثيل واللوحات كلها موجودة كاملة لم يمسها أحد.
قال الآخر: وليس هناك أثر في الأبواب أو النوافذ لمحاولة دخول القصر.. إن الحارس كان واهماً.. أو لعل أحد المتشردين حاول النوم في حديقة القصر فرآه الحارس وظنه لصاً.
نظر الأصدقاء جميعاً إلي «لوزة» التي نكست رأسها في خجل، فقد ثبت أنه ليس هناك لغز ولا مغامرة في القصر.. وقال «عاطف» ساخراً: يبدو أنك مصابة بزكام يا «لوزة»، فليس هناك رائحة لغز ولا حتي رائحة كولونيا.
اقترب «محب» من أحد الرجال سائلاً: هل يمكننا دخول المتحف الآن؟
الرجل: بعد ربع ساعة.
محب: ما رأيكم، هل نذهب إلي الكازينو ثم نعود؟
تختخ: لا داعي لإضاعة الوقت، الساعة الآن الحادية عشرة ونريد أن نعود في موعد الغداء إلي المعادي. تعالوا نتمشي في الحديقة حتي يأتي وقت الدخول.
وهكذا سار الأص
ثم التقطت منديلاً أبيض، ولكنها ألقته فجأة من يدها قائلة: إن به آثار دماء.
أثارت كلمة دماء انتباه الأصدقاء جيمعاً، وقال «تختخ» وهو ينحني ويأخذ المنديل: إن الألغاز والمغامرات قد أثرت في أعصابك وخيالك يا «لوزة» فكل لون أحمر تظنين أنه دم.
وفرد «تختخ» المنديل، وكان واضحاً فيه آثار دماء، فقال «محب»: إنها دماء فعلاً و«لوزة» لم تتخيل شيئاً.
وأحاط الأصدقاء بالمنديل وأخذوا يتأملونه لم يكن اللون الأحمر هو اللون الوحيد ولو أنه كان اللون الغالب، فقد كانت هناك ألوان أخري زرقاء وصفراء.. فقالت «نوسة»: إن علي المنديل كما هو واضح ألواناً أخري.. وليس من المعقول أن تكون آثار دماء بهذه الألوان.
قرب «تختخ» المنديل من أنفه وقال: إنها آثار ألوان زيتية.
نوسة: إن صاحب المنديل إذن نقاش ممن يدهنون الجدران.
عاطف: المعقول أن يكون رساماً مثلاً، وهنا قرب المتحف.
أخذ «تختخ» يتأمل المنديل طويلاً ثم قال: إن هناك آثار بصمات علي المنديل، ومن الواضح أن الرسام أو النقاش كان يمسح أصابعه فيه.
نوسة: ولكن من أين أتت آثار الدماء؟
لوزة: لعله وهو يرسم قد جرح إصبعه ومسحه في المنديل.. ولو أن كمية الدماء تدل علي أكثر من مجرد جرح بسيط..!
تختخ: هذا ممكن.
ثم أخرج «تختخ» ورقة لف فيها المنديل ووضعه في جيبه.
فقال «محب»: لماذا تحتفظ بهذا المنديل القذر؟
تختخ: لا أدري، لقد شممت مع رائحة الزيت رائحة مغامرة كما قالت «لوزة»، انظروا حولكم فقد تجدون شيئاً آخر.
وانتشر الأصدقاء حول السور يبحثون هنا وهناك، ومرة أخري قالت «لوزة»: تعالوا هنا.. إنني أجد آثار شخص كان نائماً.
أسرع الأصدقاء حيث تقف «لوزة» بجوار السور م الفرنسية.
قالت «لوزة»: هناك أيضاً آثار متعددة متجهة إلي السور.. إنها آثار خفيفة وعميقة متقاربة.
وأخذ الأصدقاء يتبعون الآثار حتي السور.. وكان هناك أثر لقدمين غائرتين في طين الحوض.. وكانت الآثار متكررة.. وعلي ارتفاع السور كانت النباتات، متكسرة ومشوهة.. وعلي الأرض كان هناك قلم رصاص من نوع «كوهينور» مما يستعمله الرسامون، وبعض دبابيس الرسم.
قال «تختخ»: لقد كان هنا بلا شك رسام قضي فترة طويلة، وحاول تسلق السور إلي الناحية الأخري.
نوسة: رسام.. ولماذا رسام؟
تختخ: هذا واضح من كل الآثار التي تركها.. منديل ملوث بالألوان، قلم رصاص من النوع الذي يشيع استخدامه بين الفنانين.. دبابيس رسم.. إنه بلا شك رسام.
عاطف: وماذا يعني هذا كله؟
تختخ: لا شيء حتي الآن.. وليس هناك قانون لمعاقبة رسام حاول أن يقضي بعض الوقت في الحديقة.. ولعله كان يريد رسم منظر طبيعي منها وجرح إصبعه لسبب أو لآخر.
محب: ولماذا حاول تسلق السور؟
تختخ: لا أدري.. وهيا بنا إلي المتحف، فقد قضينا وقتاً طويلاً هنا.
الألوف والملايين
دخل الأصدقاء إلي المتحف أ
عاطف: أعتقد أنها تساوي بضعة ألوف من الجنيهات.
وسمع الأصدقاء صوتاً يأتي من خلفهم قائلاً: أكثر من مائة ألف جنيه.
والتفت الأصدقاء إلي الصوت فوجدوا شاباً قدم لهم نفسه الحرير الناعم، وهو من الفنانين الفرنسيين القلائل الذين زاروا خمسين ألف جنيه.
قالت «لوزة»: هل هناك فنانون آخرون من المشاهير لهم لوحات في هذا المتحف؟
رد «مأمون»: نعم.. هنا لوحات لأشهر الفنانين الفرنسيين بالذات ومنهم «دومييه» و«ديجا» و«جوجان» و«فانيه» و«رينوار» و«تواوز».. وغيرهم. ومن المصريين «محمود سعيد».
محب: وكم تساوي هذه اللوحات؟
مأمون: رقم كبير جداً.. ومن الصعب تقدير قيمتها، ولكن بالتأكيد يزيد ثمنها علي بضعة ملايين من الجنيهات.
عاطف: ملايين؟!
مأمون: طبعاً.. إن بعض اللوحات العالمية بيعت في الشهور الماضية بمبالغ تصل إلي أكثر من مليون جنيه للوحة الواحدة.. وفي هذا المتحف 123 لوحة.. فتصور كم يكون الثمن!!
وأخذ الأصدقاء يتنقلون بين غرف المتحف.. و«مأمون» يصحبهم ويشرح لهم..وهو سعيد بأن هؤلاء الصغار يزورون المتاحف، ويتزودون بالمعلومات الفنية بدلاً من قضاء الوقت كله في اللعب والجري.
وافترق «مأمون» عنهم بعد أن أعطاهم عنوانه ورقم تليفونه.. وعرفوا أنه يسكن في فيللا في المقطم وقد دعاهم لقضاء يوم عنده في الفيللا ليتحدث إليهم حديثاً أطول عن فن التصوير الزيتي.
قضي الأصدقاء وقتاً طيباً في المتحف، ثم قرروا الانصراف لاقتراب موعد الغداء، وعندما وصلوا إلي الباب قالت «لوزة»: هل نعود إلي المعادي دون أن نحل اللغز؟
عاطف: أي لغز؟
لوزة: لغز الآثار التي وجدناها في الحديقة.
عاطف: إن هذا شيء مضحك حقاً، ففي العادة تقع الجريمة ثم نبحث عن أدلة لحل غموضها، أما أن نجد الأدلة ثم نبحث عن جريمة، فهذا شيء لم أسمع عنه!
لوزة: ألم يقل الحارس إنه شاهد شبحاً في الظلام وأطلق عليه الرصاص؟
عاطف: وماذا في هذا؟
لوزة: ماذا كان يفعل هذا الشبح في الحديقة؟
عاطف: يفعل ما يشاء! لقد ثبت أن شيئاً من المتحف لم يسرق، ومعني ذلك أنه ليس هناك جريمة علي الإطلاق. ووجود شخص في الحديقة لا يدل علي حدوث شيء.
كان بقية الأصدقاء يتابعون الحوار بين «لوزة» وشقيقها «عاطف» باهتمام، فقد كان «عاطف» يتضايق من إلحاح أخته «لوزة»، ومحاولتها البحث عن لغز في كل شيء.
وفجأة قال «محب»: إنني أري في الحديقة أعمدة كثيرة للإنارة، فكيف يقول الحارس إن الحديقة كانت مظلمة؟
تختخ: هذه ملاحظة معقولة.. تعالوا نسأل الحارس.
كان الحارس يجلس علي كرسي أمام باب القصر... فاتجه إليه الأصدقاء ، وبعد أن حيوه قال «تختخ» مفتتحاً الحديث في براعة: الحمد لله علي أن شيئاً لم يسرق من المتحف.
الحارس: فعلاً الحمد لله.. وإلا وقعُت في مشكلة خطيرة.
تختخ: وهل تحرس القصر وحدك؟
الحارس: هناك حارس آخر يجلس أمام باب ا استطعت أن أري شبحاً يجري في طرف الحديقة، فأطلقت عليه ال مفتاح لأن المفتاح مع أمين المتحف الذي يأتي في الصباح.. فطفنا الممكن إصلاحه ليلا. وعندما حضر وأخبرناه قرر الاتصال بالشرطة وتكوين لجنة للجرد.. والحمد لله فإنهم لم يجدوا شيئاً ناقصاً من المتحف.
تختخ: وهل عرفت لماذا انطفأ النور في القصر؟
هب الحارس واقفاً وهو يضرب رأسه بيده قائلاً: لقد نسيت هذه المسألة تماماً وانشغلت باللجنة، خاصة بعد أن جاء النهار ونسيت مسألة النور تماماً!
وأسرع الحارس إلي داخل المتحف، فأشار «تختخ» إلي ال اللوحة!
قال الحارس في دهشة شديدة: إن شخصاً قد رفع هذه الأكباس من مكانها.. لقد كان هناك شخص داخل القصر.. ولكن من هو؟!
قال تختخ: لعله شبح الحديقة.
الحارس: ولكن كيف خرج؟! لقد كانت الأبواب كلها مغلقة.
تختخ: ربما كان له شريك داخل القصر.
الحارس: لا أحد يوجد في المتحف بعد إغلاقه مطلقاً.
تختخ: وماذا ستفعل الآن.
الحارس: لا أدري.. علي كل حال ما دامت نتيجة الجرد أثبتت أن شيئاً لم يسرق من المتحف، فلا داعي لإثارة المشاكل.
ثم أخذ يضع الأكباس مكانها.. فقال «تختخ»: هل تسمح لي أن أري هذا الكبس؟
وناوله الحارس أحد الأكباس، ففحصه «تختخ» بدقة ، ورأي آثار ألوان خفيفة عليه، كان واضحاً أنها من آثار الأصابع الذي رفعها.
انصرف «تختخ» إلي الأصدقاء، وسرعان ما استقلوا تاكسياً حملهم إلي محطة باب اللوق حيث استقلوا القطار إلي المعادي.
كان «تختخ» صامتاً طول الوقت فسأله «محب»: لماذا أنت صامت يا «تختخ».. هل تفكر في شيء مهم؟
تختخ: لقد وجدت آثار ألوان علي الكبس من نفس الألوان التي وجدناها علي المنديل.
كان «تختخ» قد نسي المنديل تماماً، وتذكره في هذه اللحظة، فأخرجه بسرعة من جيبه وأخذ يتأملة ثم قال: نفس الألوان تقريباً.. الأحمر والأصفر.. لقد كان شبح الحديقة داخل المتحف.. ولكن كيف؟! وماذا فعل؟! ولماذا لم يسرق شيئاً؟! فكلها أسئلة لا أملك الإجابة عنها!
وصل القطار إلي المعادي وتفرق الأصدقاء علي أن يلتقوا في المساء في حديقة« عاطف » كالمعتاد.
وفي الم
لوزة: وهل وجدت لغزاً؟
تختخ: لقد وجدت نصف لغز.. وعلينا أن نجد النصف الآخر.
عاطف: هل تحكي لنا نصف اللغز؟
تختخ: نعم.. فقد نصل عن طريق التفكير معاً إلي النصف الآخر.
نصف اللغز
قال «تختخ»: من المؤكد أن هذا الإنسان المجهول، ولنسمه شب أبوابه.. وظل في مكانه حتي الساعة الثانية صباحاً.. ولست أدري لماذا انتظر كل هذه المدة أي من الخامسة وهو موعد إغلاق المتحف إلي الثانية صباحاً، أي نحو عشر ساعات.
وصمت «تختخ» قليلا ثم عاد إلي حديث
محب: بدليل آثار الدماء التي وجدناها قرب السور وعلي المنديل.
تختخ: صحيح.. ولكن قد يكون قد جرح أثناء القفز أو أثناء محاولته تسلق السور.. ولكن دليل الإصابة أنه بقي في مكانه في حوض الزهور فترة طويلة دخن فيها هذا العدد الكبير من السجائر.. لقد كان عاجزاً عن الحركة.. وانتظر فترة طويلة حتي استرد قواه ثم قفز السور».
عاطف: وهناك رأي آخر.. ربما خشي أن يسير ليلا وهو مصاب فيلفت الأنظار.
نوسة: أو أنه كان يحمل شيئاً يخشي أن يراه أحد معه.. فانتظر إلي قرب الصباح حيث تنشط حركة الشوارع وغادر المكان.
تختخ: كل هذه الأسباب معقولة.. وبقي شيء.. إن هذا الشبح رسام أو له مهنة متعلقة بالألوان.. بدليل آثار الألوان التي وجدناها علي المنديل والآثار التي وجدتها علي أكباس النور.
لوزة: ولكن السؤال المهم هو: لماذا فعل كل هذا ما دام لم يسرق شيئاً؟! لقد تأكدت لجنة الجرد من أن شيئاً من محتويات المتحف لم ينقص.. فماذا كان هذا المجهول يفعل هناك؟
قال «عاطف»: لعله كان يتمتع بمشاهدة المتحف وحده.
ضحك الأصدقاء.. للنكتة..ولكن السؤال بقي معلقاً.. وفجأة قال «محب»: إنني أظن أن هذا الشبح من المترددين علي المتحف.. فهو يعرف عادات الحارس وأن الحارس يذهب للجلوس مع زميله أمام باب الحديقة، وإلا لما غامر بفتح النافذة والحارس يجلس أمام باب المتحف نفسه.
تختخ: هذا ممكن..وفي هذه الحالة يكون أمامنا خيط نسير خلفه.
محب: بل عدة خيوط.. فعندنا أولاً أنه رسام، وهذا يضيق نطاق البحث، فبدلاً من البحث عن شخص بين ملايين الأشخاص في القاهرة، يمكن البحث عنه في نطاق الرسامين.. ثانياً هو يدخن سجائر من نوع خاص، ليست مصرية وليست من الماركات العالمية المعروفة عندنا، وقد نسيت اسمها.
تختخ: جولواز!
محب: إنه رسام يدخن سجائر «جولواز» وهو يتردد علي المتحف.
نوسة: وهو مصاب أيضاً.
تختخ: إنها استنتاجات ممتازة حقاً.
محب: بقي السؤال المهم هو: لماذا دخل المتحف، واختبأ فيه، وعرض نفسه للموت مادام لم يسرق شيئاً؟
عاطف: هذا هو النصف الآخر من اللغز.. النصف المهم.
تختخ: إن الفنانين عموماً ليسوا كالأشخاص العاديين، فلهم بعض النواحي الشاذة في تصرفاتهم لا يتصورها الشخص العادي.. وقد يكون لهذا الفنان هواية خاصة لا نعرفها.
محب: من المؤكد أنها ليست هواية المبيت في المتاحف.
تختخ: من يدري.
نوسة: ولكن لماذا يطفئ النور برغم أن انطفاء النور يمكن أن يلفت الأنظار؟
تختخ: لأنه كان يخشي أن يراه الحارسان وهما يجلسان أمام الحديقة، وقد اعتمد علي أن الحارسين سيظنان أن النور انطفأ من تلقاء نفسه لعطل ما.. وهو شيء يمكن حدوثه.
عاطف: هناك شيء آخر.. أو سؤال آخر.. هو لماذا بقي تسع ساعات حتي يخرج من المتحف؟
تختخ: لا أدري.. علي كل حال.. لقد استطعنا أن نصل إلي استنتاجات محددة.. وسنري ماذا يفعل رجال الشرطة.
لوزة: تعالوا نسأل المفتش «سامي».
تختخ: المفتش «سامي» سافر في مهمة خارج القاهرة منذ ثلاثة أيام وعندما يعود سنعرض عليه الموضوع.
محب: وما خطوتنا التالية؟
تختخ: أري أن نزور الرسام «مأمون» في المقطم، إن المقطم مرتفع عالم الفن والألوان وهو ما نحتاج إليه في ثقافتنا الفنية. وافق الأصدقاء جميعاً علي الاقتراح بحماس.. وافترقوا علي أن يلتقوا في اليوم التالي ليذهبوا إلي «مأمون» في المقطم.. وقال لهم «تختخ» إنه سيتصل بالرسام هذا المساء ليستأذنه في زيارته.
رحب الفنان «مأمون» بحضورهم، وهكذا اجتمعوا في الصباح التالي وبدأوا رحلتهم، كانت رحلة طويلة بين المعادي والمقطم.. ولكنها كانت رحلة ممتعة.. وقالت «لوزة»: هذه أول مرة نزور فيها المقطم دون أن نكون في مغامرة، فهل تذكرون متي جئنا إلي المقطم قبلاً؟
نوسة: أذكر عند مطاردتنا العصابة التي خطفت الأمير «كريم» في لغز الأمير المخطوف.. ومرة ثانية في لغز الرسالة الطائرة.. ولكن «عاطف» وحده هو الذي دخل وكر العصابة.
عاطف: ثم حضرتم جميعاً بعدي، وشاهدتم زعيم العصابة العاجز عن الحركة.
لوزة: كانت مغامرة رهيبة.
تختخ: لعلنا نعثر في المقطم علي لغز ثالث.
ردت «لوزة» بحماس: إنني أحس بذلك.. وكانت السيارة تدور بين الصخور العالية في طرقات المقطم صاعدة.. والهواء منعشاً لارتفاع المقطم عن القاهرة.. والأصدقاء جميعاً يحسون بالسعادة لأنهم سيقضون فترة ممتعة في ضيافة الرسام «مأمون».
وبعد أن سألوا عن العنوان وصلوا إلي فيللا الفنان حيث كان في انتظارهم علي باب الحديقة، وقد أمسك بآلة لتشذيب الحشائش.. وعندما شاهدهم صاح: تعالوا ساعدوني.
وبعد أن تبادلوا التحية معه دخلوا الحديقة، حيث كان الفنان يقوم بريها وسرعان ما اشتركوا معه.. وأمسكت «نوسة» بالخرطوم.. ترش الزهور الجميلة ثم تعبث مع الأصدقاء أحياناً برشهم برذاذ خفيف.
وبعد أن انتهوا من رش الحديقة، جلسوا يتناولون الشاي ومعهم وروي لهم قصة الفنان «فان جوخ» الهولندي الذي
قال «تختخ»: إن لهذا الفنان لوحة في متحف «محمد محمود خليل» الذي زرناه.
مأمون: نعم. وهي لوحة «أزهار الخشخاش».. وهي مرسومة علي القماش وقد رسمها الفنان حوالي عام 1886.
يستكمل غداً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.