أقصي طموح النظام المصري الحالي هو أن يحتفظ بوظيفته ك «مشهلاتي جمرك» في المنطقة جنود من حركة حماس النظام المصري الحالي وصل إلي درك من الضعف لا تستقيم معه حقيقة أنه لا يزال باقيا. لكنه لا يزال. بل ولا يزال بثقل القصور الذاتي للدولة المصرية رقما مهما في المنطقة. كومة غبار تستخدمها إدارة أوباما لتذر منها الرماد في العيون، أو تستخدمها إسرائيل كدشنة، أو يقف فوقها بعض القومجيين ويهتفون شعارات كاذبة عن العروبة مرة وعن الإسلام مرة وعن السيادة مرات، أو، وهذا هو المهم هنا، تستخدمها حماس كسلعة بخس تبادلها بثمن غال. لا يدفعه إلا أهل غزة البسطاء. الإخوة في حماس تحت قيادة خالد مشعل يعلمون أن أقصي طموح نظامنا الحالي هو أن يحتفظ بوظيفته ك «مشهلاتي جمرك» في المنطقة. يعني يسمسر الاتفاق الفلاني، أو يتوسط للحصول من زبون علي تنازل في مطالبه، أو يكلم الأخ فلاني لكي يخرج السجين علاني، وهكذا. هذه قراءة صحيحة من مكتب دمشق. لكن التصرف خطأ. اختاروا أن يبتزوا المحتاج، أن يخنقوه. ومن يبتز المحتاج يكسب إذا ضمن ألا «ينسعر» عليه. لكن أنتم تبتزونه بالورقة الوحيدة التي يعيش عليها: «سنأخذ الوساطة إلي عاصمة عربية أخري». أخذتموها إلي مكة، وإلي صنعاء وإلي الدوحة علي مدار ثلاث سنوات ونصف. هل يستحق هذا الهدف التافه كل المعاناة التي عاناها الفلسطينيون في غزة؟ يقولون لنا إن أول ما يفعل السياسي هو أن يفتح الخريطة وينظر. هل فتحت الخريطة يا «باشمهندس»؟ هل فتحت خريطة غزة لتعلم حدودها؟ أم أنك فتحت خريطة دمشق لتعرف توجهاتها؟ أم فُتِحت لك خريطة لبنان فظننت أنك قادر علي تكرار التركيبة؟ إذا فتحت خريطة غزة ستعلم أن المنفذ الوحيد لأهلنا في غزة هو الحدود مع مصر، والذي يتحكم فيها هو النظام المصري الحالي. وإن لم تكن تعلم فهو نظام وضع قائم، سلطة ومال مقسمان بالتساوي بين مجموعتين من الناس، هذه تسند تلك بهذه، وتلك تسند هذه بهذا. وهو يريد للوضع القائم أن يستمر بأي ثمن، من الأب إلي الابن إلي الحفيد لو استطاع إلي ذلك سبيلا. النظام في مصر، لو لم تكن فهمت بعد، يجهز حاليا للوريث، وسيفعل أي شيء لكي يضمن التأييد له، ليس تأييدك بالطبع، ولا تأييد المصريين. في هذا الوقت، لا الحديث السوري الفارغ عن المقاومة سيدفع ثمن ابتزازك له، ولا المشروع النووي الإيراني يدفعه، ولا دولة قطر الفضائية، ولا حتي الناشطين الأوروبيين - القيادة العامة جورج جالاوي، فقط أهل غزة. لست ناقما عليك يا أستاذ مشعل من أجل مصر. أبدا، بالعكس، أنت تساهم في نزع الورقة المخرومة عن النظام ومن ثم فإن هذا أفضل لمصر علي المدي البعيد. لكنني ناقم عليك من أجل أهل غزة، الذين دخلوا عامهم الرابع بلا حد أدني من الحياة الكريمة. ليس فقط بسبب نقص مواد الإعاشة الأساسية، ولكن أيضا بسبب الصراع الداخلي الذي طعن تاريخ النضال الفلسطيني، وبسبب الأثر النفسي والثقافي الذي سيظهر بعد سنين. في أحلك لحظات الصراع ظلت نسبة التعليم بين الشعب الفلسطيني ضمن العشر الأوائل عالميا. وهذا مستقبل، لا يقل أهمية عن التحرير. حل مشكلة غزة ليس فقط قافلة تدخل ولا كاميرا تليفزيون تصور ولا لقاء علي قناة قطر الفضائية. هذا قد يساهم في الحل. لكن الحل جذري. رؤية سياسية كاملة. لا يستطيع وكيل أعمالك في غزة السيد إسماعيل هنية أن يرتدي بذلة في الصباح ليوقع علي أوراق الشاي والسكر، ثم يحمل كلاشينكوف في المساء ويتسلل بين أشجار الزيتون لينفذ عمليات مقاومة. لا أحد يستطيع ذلك. الخريطة تخبركم أن الشاي والسكر والتموين والكهرباء قادمة من إسرائيل، والذي يوقع علي أوراقها يوقع تحت ختم إسرائيلي. وليس هذا ما يفعله المقاومون. إما أن ترتدوا البذلات وتوقعوا، أو تحملوا الكلاشينكوفات وتختبئوا. حين كنتم في المقاومة «جرستم» من طالبكم ببعض السياسة، وحين صرتم الساسة «كسحتم» المقاومة والسياسة. يبدو أنك لا تفهم، وأنك حتي لو فهمت فلست صاحب القرار. لكن الناس يفهمون. أهل غزة البسطاء وأهل مصر البسيطة مطالبون بقدر من التفكير، عزيز في ظل هذه الظروف، لكنه المخرج الوحيد لكي يعلموا أن الشبكة متكاملة. غباء هنا، وتبعية هناك، واحتلال فوق الجميع. ولا مخرج إلا بنفس عميق، ورؤية واضحة. لا حل إلا بنظام قوي ديمقراطي، يتلقي توجيهاته من شعبه لا من واشنطن ولا من طهران، لديه من الثقة ما يجعله يتعامل مع كل هؤلاء بسلم ولكن بندية وعقلانية ولا يندفع إلي مغامرات ولا مقامرات. نظام لا يفجر الحاضر السيئ، بل يبني المستقبل الأفضل.