تصادف أن شاهدت في الأيام الماضية فيلم «الصعود إلي الهاوية»، ولا بد أن أعترف بأنها المرة الأولي التي أشاهده كاملاً. الاعتراف الثاني هو أنني نظراً لتأخر الوقت وتحت وطأة مشاق اليوم كنت أجد صعوبةً في مغالبة النوم عليَّ بالرغم من روعة الفيلم. حينها، وأنا بين النوم واليقظة، التبست علي الأمور...فنحن نري في الفيلم الجاسوسة عبلة كامل، رمز الخيانة، وهي تعبر بكلماتٍ مريرة عن كفرها بشعبها ويقينها من عدم مقدرته علي الانتصار في حربٍ بدت وشيكةً أكيدة، وقد تفنن الراحل صالح مرسي لكي يجري علي لسانها ما اعتبر في وقته خطاب اليأس الخائن المثبط دون تحرير الأرض واسترداد الكرامة...ليس ذلك فقط، فهي تلاحظ وتعلق علي انقسام العرب وخلافاتهم وتعيش حمي انبهارٍ أبله بكل ما هو غربي...ثم نراها وقد جندها ضابط المخابرات الإسرائيلي بدعوي أن السلام هو الحل الوحيد لدول المنطقة لكي تلحق برفاهية الغرب.. ولا يضير أن يقتل جنود مصريون وعرب، إذ إن السلام ( في صالح إسرائيل) لا بد أن يدفع فيه ثمن «من دماء المصريين والعرب طبعاً !». و كم كان بليغاً عنوان الفيلم، فنري الجاسوسة وقد تبنت طرح السلام-الخيانة، لذلك تنزلق إلي هاوية الضياع، فباعت وطنها وأبناءه ولم تلبث أن ضاعت في دوامةٍ من الأضواء الخادعة والانحلال الخلقي حتي العهر...باعت نفسها جسداً وروحاً... هكذا إذن: تعالٍ علي الناس وكفرٌ بحقوقهم ومقدرتهم يغذيه فائضٌ من الانبهار المنهزم المنسحق بالعدو يوصل إلي خيانة الوطن والتآمر علي الصامدين المقاومين-تلك كانت صورة الخيانة التي استحقت عليها الإعدام... و لكن... ولكن.. هنا التبس عليّ الأمر... أليس هذا ما يقوم به النظام منذ أكثر من ثلاثين سنة؟! أليس هذا مضمون خطابه الرسمي؟! داخلياً، ألم يتخلَ هذا النظام عن الجماهير وعن جميع مشاريع التنمية؟! ألم يبع ممتلكاته بأبخس الأثمان وبصورةٍ لا تخلو من تشفٍ وانتقام؟! ألم يهمل التعليم والصحة؟! ألم يبخس قيمة العمل ؟! لا يفوت هذا النظام فرصةً إلا ويبرهن علي انحيازه للذين يملكون في احتقارٍ بينٍ لعشرات الملايين...المشكلة،ببساطة، ليست مشكلة النظام وإنما مشكلة هذا الشعب الطماع الجشع الذي ينجب أطفالاً ويريد أن يلبس ويأكل ويعلم أبناءه ويتداوي..باختصار، يريد أن يعيش..هل رأيتم شعبا «عرة» وأسفل من ذلك؟!! أما خارجياً، فالموقف الرسمي أن العرب «باستثناء السعودية» «وحشين» ناكرون للجميل، ولذا فإسرائيل «وسلام عبلة كامل» هو خيارنا الاستراتيجي وأمريكا هي قبلتنا؛ لا تغرنك كل الدلائل التي تشير إلي أفول شمس سيطرتهم المطلقة بصعود عمالقة آسيا، فهم معششون في أدمغة أهل السلطة، وهم أفضل منا، جميلون ذوو عيون زرق وشعورٍ شقر...فالنظام يبذل في مصلحتهم كل شيء، لا سيما وأنهم ضمان بقائه وحمايته من شعبه «المعفن» الذي ابتلاه به الله.. وأهم من ذلك فالنظام يراهن علي الكيان الصهيوني ويتآمر معه بإخلاص علي حركات المقاومة، ...بل من فرط إخلاصه يبيعه الغاز بأرخص من ثمنه...يا سلام! هكذا تكون الجدعنة!! لقد باع هذا النظام بدوره مصر جسداً وروحاً... ولأن الكلام ببلاش كما تعلمون، فهم يغطون سياسات تشبه مقلب الزبالة وهذا التردي في هاوية الفوضي وانهيار الدولة وعدائها الراسخ ضد الفقراء بثوبٍ فضفاضٍ وردي من تعبيرات قد يخجل الشخص العادي من الاعتراف بعدم فهمه لها خشية أن يوصم بالحمورية، تعبيرات بذيئة عن العولمة والمعلوماتية والنضج السياسي، ومحور الاعتدال، وبطولات السلام، وجذب الاستثمار « إلي جيوبهم طبعاً»، وحقن دماء أبناء الوطن فيما يشكل بيعاً لدماء الشهداء ولكل الآمال التي كانت... ومن يدري، ففي المرحلة المقبلة قد يعيدون النظر في أحكامهم علي كل الخونة، فيعيدون تأهيل عبلة كامل ويتحفونا بكلام من البذيء السكة اللي ببلاش إياه عن رؤيتها المستقبلية للسلام وعن سبقها لعصرها ومن ثم يعرجون علي سوريا في السكة فيغدو إيلي كوهين شهيداً مناضلاً ضحي في سبيل مد جسور الثقة مع سوريا، وخذ عندك بقي المناضل عزام عزام والمناضل وولفجانج لوتز، والمعذرة لكل أولئك اللذين لم أذكرهم ولم أتشرف بمعرفتهم!!! ملحوظة: يا ألف خسارة يا مصر!