سبق أن تكلمنا عن الصحافة في دولة نفاقستان وكم هي تمتدح الحاكم بالحق أو بالباطل حتي تعمي عينه عن الحقائق ويصبح هو الملهم والقائد وصانع المعجزات وعابر الأزمات..و لكن الصحافة ليست وحدها في هذا المجال فكثير من رجال الفن والأدب والإعلام يشاركون في هذه الجريمة.. والسينما المصرية هي رائدة في النفاق السياسي. وعلي الطريق نفسه سارت صناعة السينما في المغرب العربي ولبنان وغير ذلك من الدول فلن تجد فيلماً سينمائياً في مصر أو في العالم العربي إذا ما أراد التعرض للواقع السياسي إلا وصب جام غضبه علي شخص الوزير الذي يجعل منه «الملطشة» ويكيل له الاتهامات بينما يظهر رئيس الدولة في نهاية الفيلم ليقوم بدور البطل الذي يمسح الدموع عن المعذبين ويطعم الجوعي وينصف المظلوم...وحينما اختارت السينما المصرية أن تقوم بتمصير قصة سياسية نقلاً عن الأدب الغربي جعلت أحداثها تدور قبل ألف عام في مصر...وكان ذلك عن قصة شاب اسمه «حسن الهلالي» تم سجنه ظلماً في معتقل المغول لمدة خمسة عشر عاماً خرج بعدها لينتقم ممن أودعوه السجن ظلماً...فكان الوزير «بدران» هو محل الانتقام وهو ذلك الظالم الذي قام الثوار بتغييره والقضاء عليه، أما السلطان فقد جلس في الفيلم آمناً يأخذ الهدايا من حسن الهلالي ثم يقول السلطان «كم هي جميلة هداياكم أيها الأمير هه هه هه»..وحتي فيلم «الكرنك» حينما تعرض لما كان يعانيه الشعب المصري من تعذيب في سجون الستينيات، وبالرغم من أن إنتاج الفيلم جاء بعد رحيل الرئيس عبد الناصر، فإن السينما المرتعشة جعلت كل الجريمة في عنق الضابط الذي يعذب، وخافت السينما حتي أن تلوح بمسئولية النظم الحاكمة عن التعذيب الذي يجري باسمها وتحت إشرافها..وهكذا تسهم السينما في تضليل الشعوب حتي من كنا نعتقد فيهم الشجاعة فقد عرضوا لنا فيلم «العصفور» بصورة مائعة ولا تتحدد فيها المسئوليات الحقيقية إلا في عبارات عامة مرسلة ولم يخرج عن إطار النفاق إلا قصة الأديب ثروت أباظة «شيء من الخوف» والذي وضع قاعدة للناس لكي يسيروا عليها مفادها أن ضعف الناس وتخاذلهم عن حقوقهم هو الذي يصنع الديكتاتور وأن الحل في الوعي الكامل ثم الحركة الواحدة ضد الظلم والطغيان رغم أن القصة كانت تستخدم الرمز..فالديكتاتور هو عتريس.. ومصر هي فؤادة.. وصوت الحق هو صوت الشيخ «إبراهيم» الذي أبي أن يتم زواج مصر من الديكتاتوريات الظالمة دون عقد شرعي صحيح بما يشير إلي اغتصاب السلطة في بلادنا..إلا أنه وبعد مرور السنين أصبحت السينما المصرية أكثر ارتعاشاً ونفاقاً وتغييباً للوعي..ففي فيلم «كراكون في الشارع» يعاني المواطن من عدم وجود المسكن ومن السكن في القبور ومن الضياع والوعود الحكومية الكاذبة والقانون الذي لا يتم تطبيقه إلا علي الضعفاء..إلا أن هذا المواطن يأتي في نهاية الفيلم ليجعل من رئيس الجمهورية المنقذ العام من كل الكوارث حين ينقذه ويسمح له بالوجود في الصحراء فيصرخ الفنان عادل إمام ومعه مجموعة من الشباب فرحاً وهم يقولون «هيييه». وبنفس الدرجة من الارتعاش يأتي الفنان هاني رمزي فيعمق كل هذه المعاني الارتعاشية فيعرض فيلم «جواز بقرار جمهوري» مشيراً إلي أن المشكلة في مصر تكمن فيمن يوصل الطلبات والشكاوي إلي شخص الرئيس فأخذ يجمع الشكاوي من المواطنين ليحل هذه المشكلة..و بهذه السطحية تنتهي المشاكل بعد أن وافق الرئيس علي حضور فرح في منطقة شعبية، ولا أعرف ما الذي يجعل الفنان يلجأ إلي هذا النفاق الرخيص لاسيما وقد تغير الواقع واستيقظ بعض الإعلام من غفوته ولم يعد مقبولاً ما صوره فيلم «طباخ الريس» من كون الحاشية هي التي تخفي الحقائق وتدير الأمور ويصل بها الأمر أن تحرم الرئيس حتي من الاختلاط بشعبه فتحول بينه وبين السير في الطريق بين الناس ولم تعد هذه السذاجات تمر علي عقل أو يقبلها عاقل.. إن النظام العربي جعل من رئيس الدولة أو سلطانها «الكل في الكل» ولايملك الوزير أو الغفير أن يقرر أو أن يفكر بعد تفكير الوالي أو السلطان أو الرئيس..ومع ذلك فلم نجد أديباً أو عملاً سينمائياً عربياً يتحدث عن الفقر الذي يصل حتي إلي العدم.. ثم يوجه أصابع الاتهام إلي شخص الحاكم الذي يتمسك بالحكم رغم ذلك الفشل. و علي رأي الست دي أمي «يابني إن قلت متخافش..وإن خفت ماتقلش». وبمناسبة الفقر والظلم الذي يعاني منه المواطن المصري ماركة «ملطشة» فيروي أن امرأة طارت من السعادة وهي تزف البشري إلي زوجها أن فاتورة الكهرباء قد طالبتهم بسداد مبلغ بسيط لا يزيد علي عشرين جنيهاً...فتهلل زوجها ثم قال: «علي الله الفاتورة تفضل بسيطة كده...بعد ما يدخلولنا الكهرباء» وعجبي