مواد الدستور مسجلة في كتاب يباع في الأسواق من توزيع دار الآداب، سألت بائع الصحف عن ثمنه بعدما قررت أن أشتريه فقال لي سعره ثلاثة جنيهات لكنه مايساويش 3 صاغ، كان الرجل مذبذباً ما بين الاستجابة لضميره المهني الذي يحتم عليه ألا يبيع لي بضاعة هو يعرف أنها فاسدة أو منتهية الصلاحية، وبين طبيعته البشرية التي تطلب منه عدم تفويت فرصة لبيع بضاعة راكدة لزبون مغفل مثلي، كانت زوجتي في التاكسي وكان الهدف من التوقف عند بائع الصحف أصلاً هو البحث عن الفكة، لذلك أرضي البائع كل الأطراف، باع لي الكتيب ومنحني باقي المائة جنيه وقال لي «اللي فيها». في البيت كان المشهد من وجهة نظر زوجتي مريباً، فآخرة صبرها تكوم علي حافة الفراش بعد أن خلع حذاءه واحتضن الطفاية وعلبة الدخان وارتمي بكل حواسه في كتيب يبدو رخيصاً، يرشف القهوة المرة ويهرش رأسه مع كل صفحة يقلبها مستخدماً طرف إصبعه الذي بلله من أبعد منطقة في البلعوم، يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحاً كما تقول فيروز ولكن من فرط الدهشة. أدهشني أن الدستور فكرني بنظرية «الحب حاجة والجواز حاجة»، فنصوص المواد المكتوبة رائعة ونموذجية وتفتح الباب أمام تحقيق فكرة المدينة الفاضلة، المواد المكتوبة في غاية الرقة والبلاغة ومؤثرة لدرجة أنني كدت أن أدعك وجهي بالكتيب من فرط طاقة الحب التي تولدت بداخلي، لكن الواقع لم يرد ذكره في مواد الدستور بأي شكل من الأشكال، ولكي تصدقني سأقدم لك المواد حسب نصها في الدستور ولكنني أضفت إليها الواقع الذي ستجده دوماً بين قوسين، تلك الإضافات التي زرعتها بين مواد الدستور، أتحمل مسئوليتها كاملة وأتبرع بها لمكتبة دار الآداب لتضعها في الكتيب..وقتها قد يساوي أكثر من ثلاثة جنيهات. الباب الأول : الدولة المادة (1) جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي (ولكن الديمقراطية فيها باعتراف أولي الأمر مجرد هامش، هامش الديمقراطية يعني أن تخرج حرية التعبير من نطاق الكتابة علي جدران الحمامات إلي الكتابة في الصحف أو علي لافتات الاعتصامات أو في البرامج التليفزيونية، هامش الديمقراطية لا يغير شيئاً في البلد، بالضبط مثل الاحتراف الذي غزا ملاعبنا دون أن يقودنا إلي كرة قدم محترمة)....، يقوم علي أساس المواطنة (لا فضل لمواطن علي مواطن إلا بالقدرة علي استخدام تعبير «إنت مش عارف بتكلم مين؟»)....، والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة (الأمة العربية تشبه مسلسلات الأجزاء، كان الجزء الأول منها بعنوان العراق، جارٍ التحضير للجزء الثاني لكن لم يتم بعد تحديد ميعاد أو مكان التصوير، لكن حق مصر في أن تكون جزءاً من هذا المسلسل مضمون، أما بالنسبة للعمل علي وحدتها الشاملة فقد كانت مصر وراء توحيد صفوف العرب بأن جعلتهم جميعاً يتحدون لتكسير عظام المصريين بالجلد في السعودية، أو بالترحيل من الكويت، أو بالسحل في بيروت، أو بالتفجير في دارفور، أو بالإعدام شنقاً في ليبيا، أو بالتحرش الجماعي في أم درمان). المادة (2) الإسلام دين الدولة (بالرغم من أن الناس كلها كفرانة)...، واللغة العربية لغتها الرسمية (بيس يا مان)...، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع (لا يوجد نص قانوني يجرم الشذوذ الجنسي لكن يوجد بالقانون مادة تحدد المواصفات القانونية لبدلة الرقص الشرقي). المادة (3) السيادة للشعب وحده (بشرط أن يكون الشعب كله من ضباط الشرطة والمخبرين)....، وهو مصدر السلطات (بابا غنوج 75 قرشاً - طحينة 50 قرشاً - سلطة خضراء جنيه)....، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها (يمارس الشعب السيادة في المقاهي فقط فهي المكان الوحيد الذي يمكنه أن يطلب فيه واحد قهوة سيادة..بايخة..عارف)...، ويصون الوحدة الوطنية علي الوجه المبين في الدستور (ليس هناك دليل علي الوحدة الوطنية أقوي من أن أحد أهم الرموز الاحتفالية الإسلامية والذي نطلق عليه لقب «فانوس» هو اسم قبطي شائع في بلدنا). المادة (4) يقوم الاقتصاد في جمهورية مصر العربية علي تنمية النشاط الاقتصادي (دقيقة الموبايل بقت ب15 قرشاً)...، والعدالة الاجتماعية (الفقراء يزدادون فقراً والأثرياء يزدادون ثراء)...، وكفالة الأشكال المختلفة للملكية (جدو مِلك الأهلي)...، والحفاظ علي حقوق العمال (ينص القانون علي أن يضم مجلس الشعب 50% عمالاً.. كنا نعتقد أنهم يجب أن يوجدوا داخل المجلس فاكتشفنا أنهم يوجدون علي رصيف المجلس للاعتصام). المادة (5) يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية علي أساس تعدد الأحزاب (هناك أكثر من 25 حزباً سياسياً في مصر..إذا تذكرت أسماء ستة منها يبقي ماتش أم درمان هيتعاد)...، وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور (من أهم مقومات المجتمع عندنا قوم اقف وإنت بتكلمني)...،وللمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية وفقاً للقانون (ومن حق لجنة الأحزاب أن ترفض قيامها وفقاً للقانون أيضاً)....، ولا تجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أي مرجعية دينية أو أساس ديني (هناك 80 نائباً إخوانياً في مجلس الشعب)...، أو بناء علي التفرقة بسبب الجنس (هناك كوتة ب75 مقعداً حريمياً في مجلس الشعب) أو الأصل (الحمدلله.. أنا مصري أصلي). «1»