مشكلتنا أننا، بعد أكثر من نصف قرن من الوصاية الحكومية، أصبحنا نتصوَّر أن كل شيء في الدنيا هو مشكلة الحكومة، وأن عليها أن توفره لنا، وتبذل الجهد من أجله، ونجلس نحن لننتظر ما ستحققه من نتائج، وهي مسئولة بالطبع عن هذا التراخي الشعبي، فهي ما زالت تصر، في كل مناسبة، علي أن تحكم قبضتها علي كل شيء، حتي لا نجد سبيلاً للإفلات منها، ولكن الحكومة ماعندهاش دم، وتعاني نقصاً حاداً فيه، علي كل المستويات، وعلي المريض الذي يحتاج إليه، أن يدوخ السبع دوخات، هو وأهله وأبوه واللي جابوه، حتي يحصل عليه، ويدفع فيه ثمناً غالياً، ويلعن الحكومة التي لم توفره له، علي الرغم من أنه الشيء الوحيد، الذي يستحيل أن توفره له الحكومة، لأنه منه، يعني من دقنه وافتل له.. والمواطن المريض نفسه، لو أنه تبرَّع بشيء من دمه، عندما كان صحيحاً معافي، ولو فعل أقاربه هذا، وفعل أصحابه وأحبابه هذا، لما وجد مشكلة، عندما يحتاج إلي الدم، ولو اعتدنا كلنا أن نتبرع بالدم، في فترات منتظمة، لما احتاج مريض واحد إلي الدم، وعجز عن الحصول عليه.. والتبرع بالدم وسيلة من الوسائل التي تثبت لنا أننا شعب قادر علي التكافل والتآزر، وأننا كالبنيان، يشد بعضه بعضاً، فإذا تداعي منه عضو تداعت له سائر الأعضاء.. وعلي الرغم من أن التبرع بالدم يحدث دوماً، منذ عشرات السنين، فإنه توجد دائماً، وفي كل بلاد العالم، حاجة مستمرة للدم لأكثر من سبب، ثم إن التبرع بالدم لا يسبِّب للمتبرِّع أي أضرار، بل يعمل علي تنشيط نخاعه العظمي، ويعيد إلي جسده حيويته، وإلي دورته الدموية ديناميكيتها، بالإضافة إلي أنه نوع من الصدقة، التي يمنحها حتي غير القادر لمن حوله، عن رضا وطيب خاطر، ليربح بها صحة في الدنيا، وفضلاً وثواباً في الآخرة، يوم يحتاج إلي ما هو أكثر وأهم بكثير من دم الدنيا كله... إلي رحمة الله عزَّ وجلَّ. وسيبنا من الحكومة، فدورها ليس في أن تعطينا الدم، فنحن سنعطيه، والمطلوب منها بعد هذا أن تحافظ عليه وعلينا.. لو عندها دم.