أنا جيت من أوسلو للقاهرة علي لوفتهانزا ونزلت ترانزيت في فرانكفورت، من فرانكفورت للقاهرة هو الجزء الطويل والممل في الرحلة، كنت قاعدة في كرسي مكانه معقول جداً، أقرب حاجة للبزنس، وكنت مستعدة تماماً إني هأقضي الرحلة نايمة. قبل الإقلاع بدقايق قرب مني مضيف وقال لي: إحنا محتاجين مساعدة ممكن؟ قلت له، طبعاً لو أقدر، سألني: إنت لوحدك، قلت له أنا واحدة من مجموعة أطباء بنشارك في مؤتمر في أوسلو، قال لي: إن فيه أسرة مكونة من أب وأم وخمس أطفال ومحتاجين راكب يساعدهم ياخد أحد الأطفال في حضنه وقت الإقلاع والهبوط. وافقت دون تردد. طلب مني أن أغير مكاني، وافقت وبدأ زملائي يعبرون عن دهشتهم لتصرفي، وينصحونني بأن أرفض، والمضيف قال لي إنه طلب نفس الطلب من اتنين قبلي ورفضوا. الأب جالي وشكرني واكتشفت إنه عربي فلسطيني وسلم لي الطفل عمره حوالي تلات سنين، والولد فضل يصرخ ويرفص برجليه ويخبط بإيديه، فرجع الأب أخده، واستبدله ببنت عمرها أكثر من سنة، لكن طلبوا تغيير مكاني مرة تانية، ومرة تالتة، وفي الرابعة استقريت أنا والبنت . في واحدة من المرات رفض الراكب أن يقعد جنبه بيبي !! أخيراً أقلعت الطائرة بعد ما كان كل طاقمها مجندين نفسهم لحل مشكلة الأطفال الخمسة. البنت نامت علي كتفي، سبتها نايمة وقلت لأمها: لما تصحي وحدها هارجعها لك. وفعلا ده اللي حصل، لكن الأم اكتشفت إن البنت وسخت كتف الجاكت وصممت علي إنها تحاول تنضيفه، لكني رفضت. في الهبوط رجّعت لي البيبي وكانت مش لابسة حفاظة فالموقف كان أصعب شوية لكن مع ذلك ما حسيتش بالانزعاج نهائياً. ما بين الإقلاع والهبوط جالي كابتن الطيارة وطلب مني إني اتنقل لكرسي في البزنس، وقال لي: دي أقل حاجة نقدمها لك، وقدم لي هدية، لكن الأهم من البزنس والهدية هو شعور التقدير اللي كان ظاهر علي الجميع. الحقيقة أنا كنت فرحانة بالشعور ده جداً، لكن كنت مندهشة، هو أنا عملت حاجة غريبة؟! اتعرفت علي الأسرة أكتر واكتشفت إنهم جايين من فلوريدا للسعودية، وفي مطار فرانكفورت منعوهم من السفر للسعودية، فاضطروا ينزلوا القاهرة، ومنها ممكن يرجعوا السعودية. أكتر من يومين في المطارات والطيارات بالخمس أطفال.. أكبرهم عمره خمس سنين ونص وأصغرهم عمره شهور.. فلسطينيين فعلاً. الأب في أوائل التلاتينيات، ما يزيدش عن كده، والأم أصغر. لو كنت شفت أسرة مصرية عندها هذا العدد من الأطفال كنت لمتهم وتجنبت التعامل معاهم . لكن دول فلسطينيين، زي ما بيقولوا عن نفسهم واجب عليهم يزودوا عددهم . الأم قالت لي: إنت خلتينا نحس إننا عرب حقيقي، مقابلتك هونت علينا الرحلة. كانت الدموع تخنق صوته، وكنت أفكر: كيف يمكن أنقل هذه المشاعر بالكتابة؟!