.. أزمة التوريث في مصر، هي أحد أشكال الفرز الحقيقي للقوي والأحزاب السياسية، بين تلك التي تسعي لحقوق مصر في إصلاح يطول الدستور، وكل قواعد اللعبة السياسية، وبين قوي أخري تريد أن تلعب لحساب صوالح خاصة، ومقاعد برلمانية تخصم أكثر مما تضيف لمعادلة التغيير. .. التهوين من خطر التوريث لعب بالنار التي تتحرك منذ سنوات تحت الرماد، وتجاهل وتعام عن لهيب امتد ليطول عنان السماء معلناً عن حقيقة مفادها أن الوريث قادم محمولاً علي محاولات إغماط الحقائق، وأولها أن شرط مرور عام علي عضوية المرشحين في هيئاتهم العليا أغلق الباب أمام كل البدائل التي كانت تتردد كبدائل للوريث. .. الحديث عن شخصية عسكرية كبيرة بات حلماً ووهماً بعد أن انكسر سقف العام الذي تشترطه المادة 76، وكذلك ما كان يتردد حول احتمالات ضم «عمرو موسي» للحزب الوطني بعد مغادرة موقعه بالجامعة العربية.. وأصبحت كل البدائل المتاحة ل«مبارك» الأب والابن مجرد أسماء غير قادرة علي طرح نفسها ولا يتوافر لها الحد الأدني من الفرص. .. الهيئة العليا في الحزب الوطني «الحالية» والتي سيتم من بينها اختيار مرشحه القادم تضم أسماء قليلة معلومة للناس، وأكثر منها شخصيات من الصفين الثاني والثالث، والجميع يدين بالولاء لمشروع «جمال» وتوريثه الحكم. .. إذن وبعد مرور شهر يوليو وبداية أغسطس 2010 لم يعد هناك حديث عن فرص لبدائل من داخل الحزب الوطني وأحزاب المعارضة غير تلك البدائل الموجودة بالفعل علي الساحة والتي اختارها النظام بدقة فائقة لتفتح الأبواب ل«جمال» لا أن تنافسه. .. لا يبقي خروجاً علي هذه القاعدة غير بعض الأسماء التي تلقي قبولاً كبدائل بين الناس ولها أنصار، وإن كانت فرصها في الترشح القانوني والدستوري محدودة بسبب عدم وجودها في قوائم عضوية إحدي الهيئات العليا لأحد الأحزاب قبل عام من الانتخابات، الأمر الذي ينطبق فعلاً علي الدكتور «محمد البرادعي» والصديق «حمدين صباحي». .. وبشكل آخر تسعي كل أجهزة النظام وأدواته وإعلامه لتعويق فرص ترشيح كاتب هذه السطور لأسباب مغايرة لما هو وارد في حالتي الدكتور «البرادعي» و«صباحي»، وهو ما نقاومه ونسأل الله أن يتم علينا النجاح في تجاوزه بالقانون ونصوص الدستور وأحكام القضاء. .. النظام الذي يسير قدماً في سبيل التوريث يريد منافسة «مُدارة» ومتفقاً علي حدودها ل«جمال مبارك» من خلال إغلاق الفرص علي الجميع في النظام والمعارضة مع إبقاء فرص محددة لمعارضة مصنوعة حكومية تعمل بالريموت كنترول لصالح مشروع التوريث الذي تنكره الآن وتنكر اتصال علمها به في مراوغة كاذبة وفي محاولة لإغماض عين الناس عن الحقيقة بينما يغمض إعلام السلطة وأمنها العين الأخري بالادعاء باستمرار الرئيس الأب في موقعه!! .. من لا يري أن «جمال مبارك» يلعب دوراً رسمياً في مصر كالذي لا يري الشمس في عز الظهر أو يغمض عينيه ويطلب منا أن نري ما يراه!! .. الحديث عن التوريث ليس ترويجاً لإشاعة أو وهم وليس استسلاماً لواقع مرفوض، بل هو صيحة لفضح مخطط بات مفضوحاً ودعوة للعصيان عليه وتحريضاً للرأي العام علي مقاومته حتي آخر قطرة دم..!! .. علينا أن نضغط بكل قوة لنؤكد أن مصر أكبر من أن تختزل في إرادة مجموعة صغيرة تدير ملف التوريث وتحت يدها كل الوسائل والأدوات من إعلام إلي أموال إلي سجون وإرهاب إلي قدرة فجة علي تفصيل النصوص القانونية والدستورية علي مقاس «مبارك» الصغير. .. علينا أن نؤكد أننا لن نقبل بالأمر الواقع الذي تشكل جانب كبير منه اليوم بعد أن انكسر سقف العام المحدد لانضمام أي من الشخصيات الجديدة لعضوية الهيئات العليا بالأحزاب، ولكسر سقف احتكار الحق في الترشح علي هذه الأسماء المختارة بدقة كي تدعم مشروع التوريث لا أن تنافسه أو تقدم بديلاً عنه. .. نعم من حق «جمال مبارك» أن يكون مرشحاً عن حزبه، لكن ليس من حقه أن يغلق كل الفرص علي الآخرين كي يختار الناس بين «جمال» أو «جمال».. فهذه ليست حرية اختيار.