القهر، هو استخدام أي شكل من أشكال الضغط، البدني أو النفسي أو العاطفي أو الذهني، ليُفرض علي المقهور اختيارات لم يكن ليقبلها لو أنه في كامل صحته البدنية، أو استقراره النفسي، أو هدوئه العاطفي، أو وعيه الذهني. كل إنسان عرضة لأن يتحول إلي مقهور. مع احترامي لكلام سيادتكم وليكن ما يكون، الحديث عن أن المقهور لديه اختيارات سهلة للتحرر من القهر هو حديث من يغمس يده في الماء البارد. مع التقدم الحضاري، تمكن الإنسان - الشرير جدا - من تطوير وسائل للقهر، لا أقول إنه لا يمكن الفكاك منها، لكنها تتطلب جهدا مضاعفا، وتضامنا إنسانيا، ومحاولات فاشلة عديدة، حتي يتمكن المقهور من فك أسره. أسهل أنواع القهر: القهر البدني، إذ إن الإنسان لديه من الطاقة البدنية التي تتحمل المدة اليسيرة حتي يسلم روحه لله. أما التلاعب بالعقول، وتحطيم نفسية الإنسان، وسحق عواطفه فيتطلب منك مد يد العون بدلا من الإشارة بإصبع الاتهام للضحية. من هو القاهر؟ أقصد الذي يمارس القهر. ممارس القهر شخص غير محترم. لا أقول ذلك لأنني أكره الجبارين فحسب، بل لأن هذه هي الحقيقة. الإنسان العزيز، الكريم، الذي يقدر ذاته تقديرا عاليا، ويعتز بنفسه، لا يمارس القهر علي الأضعف أبدا. ببساطة، لأن ممارس القهر هو شخص يشعر بأنه لا يستحق أن يقبله، أو يسمعه، أو يقتنع برأيه أحد، يشعر بأنه قليل، شوية والشوية كتير عليه، لا ينهض بذاته، وإنما يرتفع علي أشلاء الآخرين، لذلك فهو يعمد إلي سلب المقهور سلامة عقله ونفسه وبدنه وعاطفته ليتمكن من السيطرة عليه، لأنه يعلم أن أي إنسان في كامل أهليته لن يشعر تجاهه إلا بالاحتقار. المقهور، مع طول مدة القهر، يتحول إلي قاهر لمن هو أضعف: القوي العالمية تقهر الدولة، فالدولة تقهر المواطن، فالرئيس يقهر المرؤوس، فالمرؤوس يقهر زوجته، فالزوجة تقهر ابنها، فالابن يمسك بقطة الشارع ويوسعها ضربا. وتظل دورة القهر تواصل تدفقها حتي يقرر أحد أفراد الدورة كسر الحلقة. حين تكسر الحلقة يرتد القهر علي القاهر. مثلا، تقرر الزوجة التوقف عن ضرب ابنها، والارتداد بالغضب للزوج الذي يقهرها، فيجد الزوج نفسه مضطرا، بشكل حتمي إلي تفريغ غضبه وطاقته في رئيسه، فيرتد رئيسه لرئيسه، ثم للدولة، ثم من الدولة للقوي العالمية الباطشة. بالطبع لن يحدث ذلك بسهولة، أو دون تكلفة، ربما باهظة، وغالبا دامية. لذا فالناس تؤثر «السلامة» و«الاستقرار». الناس تؤثر خراب الإنسان علي خراب ممتلكات وأموال ومبانٍ. لوم الضحية من أمارات الاستسلام للقهر في مجتمعاتنا العربية: الطفل ضرب لأنه شقي، المغتصبة اغتصبت لأنها ترتدي ملابس شفافة، المسيحي قتل أمام الكنيسة لأنه «استفزازي»، خالد سعيد قتل لأنه حشاش، عماد الكبير عذب لأنه بلطجي، الفقراء يتضورون جوعا لأنهم سلبيون، المسلمون مضطهدون عالميا بسبب 11 سبتمبر وتطرفهم.. إلخ. كفي.. الضحية ضحية، لا تستحق إلا المساعدة والمساندة. اتقوا الله. قال الصديق أبو بكر: «الضعيف فيكم قوي عندي حتي أرجع إليه حقه» إن شاء الله، وقت أن نتوقف جميعا عن لوم الضحية، ستنكسر دائرة القهر. فكلنا ضحية، وكلنا جلاد.