يبدو أن هناك من لم يستوعب بعد أن الفرد العادي يمكن أن يختار رئيس الجمهورية، مازال البعض يروج في السر إلي أنه لاشيء يتغير وأن هناك «جماعة كبيرة..سرية» تختار الرئيس. هناك من يروج إلي أن الفرد العادي لايستطيع أن يختار شيئاً حتي حياته الخاصة. وهذا سر حماس أجهزة الدولة في تسليم كاميليا. إنه اتفاق علي حرمان الفرد في مصر من حرية الاختيار. لاتستطيع اختيار حياتك، وبالتالي لا تختار رئيسك. أنت تحت الوصاية..وصاية جماعات تكبر ويقوي جبروتها في السر، لا تستطيع أن تحب أو تختار دينك وحياتك كما تهوي، الجماعة ستصادرك أينما كنت، وأجهزة الدولة ستسلمك مثل أي خروف شارد عن القطيع. لماذا لا يدافع المجتمع عن كاميليا؟...هل رفض الحياة المملة خطيئة؟.. والحرية الشخصية عيب؟ لماذا يترك المجتمع كله..كاميليا وحيدة..تنتظر العقاب لأنها خرجت من بيتها ذات يوم، لأنها لا تطيق حياتها أو لأي سبب آخر؟ كيف استغل الزوج سلطته في تحريض الأقباط، وكيف استغلت الكنيسة سلطتها في الضغط علي الحكومة...لتعود كاميليا مُكرهة إلي حياتها السابقة؟ يقولها الرجل ببساطة مدهشة: «لقد عادت كما يعود الخروف الضال إلي الحظيرة». كاميليا ... اسم جديد في تاريخ العواطف الملعونة، أسيرة جديدة في الدير، سلمتها أجهزة الأمن إلي الكنيسة، والكنيسة سلمتها إلي طبيب نفساني ليعالجها من متاعبها. هكذا عادت كاميليا... زوجة راعي كنيسة دير مواس، الخروف الضال الذي قال رئيس الكنيسة إن الرب أعاده.. ليفرح شعب الأقباط. لم يستمع أحد إلي «الخروف الضال»؟.. تم تسليمها بمنطق «أسيرة القبيلة» إلي القبيلة المنافسة.. طقوس التسليم تمت كلها بمعرفة أجهزة الدولة من كواليس أعلي سلطة إلي ضابط أمن الدولة الصغير في المنيا. كاميليا هجرت بيت زوجها راعي كنيسة دير مواس بالمنيا (صعيد مصر)، إلي بيت قريبتها في القاهرة. لم تهرب ولم يخطفها فرسان القبيلة المنافسة، ولم تكن تحتاج تدخل الرب لتعود إلي القطيع. لكنها عادت بالإكراه . هكذا بدت رسالة البابا وكهنة الكنيسة واضحة: إنها مريضة نفسياً. هذا ليس استنتاجاً لكنه مصدر كنسي رفيع كشف في الصحف «خطة الكنيسة» في الإعلان عن استعراض عودة الخروف الضال، وحبسها في الدير لأسباب نفسية. إنها «فاشية» من نوع خاص، الجماعة فيها تقهر الفرد وتقمع حريته، وتشاركها الدولة بكل أجهزتها وجبروتها، في طقس التسليم. «لانريد مشاكل».. كلمة السر بين أجهزة تقوم بدور البطولة في عملية «التسليم». لا يفكر أحد في المرأة، وهم يقررون أن الحل للخروج من الأزمة هو «التسليم» للكنيسة. كيف يقبل المجتمع الحديث تسليم امرأة إلي مؤسسة (عائلة، كنيسة، جماعة دينية) هربت منها؟.. «التسليم» تعبير مُتخلّف، مُهين للإنسانية ومُهين لكل من شارك في العملية: البابا والدولة والوسطاء. لا مصلحة لأحد منهم في تغيير الوضع التعس، الذي قاد امرأة متعلمة للتمرد علي حياتها. فجأة وجدت نفسها مثل سبايا عصر الجواري، يجري التفاوض عليها دون استشارتها. الاستسلام لفاشية الجماعات الصغيرة، قدر الضعفاء والقطيع، والرمز الكبير لشعورهم بالانتماء إلي «شيء كبير» يخلصهم من الشعور بالدونية والعجز. وهنا لعبة البطاركة، العواجيز، الباحثين عن سلطة لا حدود لها، ويتقاذفون بالقطعان البشرية في لعبة بلياردو يعرف كل بطريرك فيها موقعه، وكيف يقذف كرته إلي الحفرة.