«بدأنا كباراً ونستمر كباراً».. هذا هو رأي كثيرين ممن عملوا بالتليفزيون المصري بعد مرور خمسين عاماً علي تأسيسه وربما نحن أيضا نتفق معهم في ذلك ولكن لوقت قليل من الخمسين سنة وليست كلها.. خصوصاً أننا لسنا من هذا الجيل القديم والمحظوظ أيضا ببداية التليفزيون، وعلي هذا واحتفالاً بمرور خمسين عاماً علي إنشائه قرر التليفزيون المصري بث قناة تحمل اسم «قناة التليفزيون العربي».. القناة - وعلي غير عادة قنوات التليفزيون - أبهجت الجميع سواء من عاصر تلك البداية ومن لم يعاصرها.. من عاصرها سيدرك أنه عاش فترة جميلة من زمن مضي ولمن لم يعاصر سيفاجأ بهذا الكم من الإبهار الذي كان يسببه التليفزيون وبرامجه للمشاهدين.. فرغم أن التليفزيون كان «أبيض وأسود»، وديكورات برامجه كانت قليلة- وطبعا ألوانها غير واضحة-، إلا أن الفرق واضح بل وصادم جداً في أننا وبعد عشر سنوات من الألفية الثالثة لا نقدم برامج مثل هذه البرامج التي كان يقدمها التليفزيون في بدايته.. فهذه مذيعة بحق وحقيقي اسمها باختصار ليلي رستم تجلس أمام نجم هو عبدالحليم حافظ أو محمد عبدالوهاب وتحاوره بأسئلة ذكية وواعية لا نسمعها في حوارات برامج «التوك شو» حالياً.. حلقة عبدالحليم حافظ من برنامج «نجمك المفضل» حضرها ألف وخمسمائة شخص من محبيه رغم أن الأستديو لم يحتو سوي علي كنبة واحدة جلس عليها عبدالحليم بجوار المذيعة ودون أي تكلف في أي شيء جاء الحوار شيقاً وممتعاً وإجابات عبدالحليم كانت إضافة لكل مشاهد وهو ما أكدته الناقدة ماجدة موريس مشيرة إلي جودة وإتقان برامج تلك الفترة، وخصوصا التي كان يقدمها طارق حبيب وليلي رستم، وسلوي حجازي وقالت موريس: «في تلك البرامج كانت هناك عناية شديدة بالإعداد وقد شاهدت إحدي الحلقات التي تمت إذاعتها وقدمها طارق حبيب وكان الضيف فيها الراحل صلاح جاهين وكان حواراً ممتازاً وأعتبره من وجهة نظري من أهم الحوارات علي مدار ال20 عاماً الماضية فالاحترام الشديد للضيف والإعداد الجيد للحلقة هوما نفتقده حالياً فالضيف لا يقاطع أثناء كلامه مثلما يحدث الآن» وأضافت الناقدة ماجدة موريس أنه من الصعب حالياً أن يستضيف أي برنامج شخصية من الشخصيات الكبيرة ضاربة مثالاً علي ذلك بأنه لو عرض علي الكاتب الكبير بهاء طاهر أن يكون ضيفاً في برنامج «اللعب مع الكبار» فبالتأكيد لن يوافق أما إذا علمت أن من سيحاورك هو طارق حبيب أو سلوي حجازي أو ليلي رستم فمن المؤكد أنك ستستمتع أما الآن فمذيعاتنا أكثر حرصاً أن يكن أجمل من النجوم وأشارت موريس إلي أن التليفزيون استطاع في بدايته أن يستضيف نجوماً كباراً لا يستطيع أن يأتي بهم حالياً ضيوفاً علي برامجه فحلقة المذيعة الراحلة سلوي حجازي مع فيروز وعاصي الرحباني كانت لقاءاً شيقاً وبسيطا أقنع المشاهدين وأمتعهم،.. ضحكة عبدالحليم حافظ الطبيعية في أحد هذه البرامج لا تدل سوي علي استمتاعه بالجمهور وبالمذيعة، وأن طعم برامج هذه الحقبة مختلف في كل شئ بدءاً من أسماء مذيعيها وحتي ورقة إعدادها.. فحلقة المذيعة الراحلة سلوي حجازي مع فيروز وعاصي الرحباني كانت مثار إعجاب الكثيرين ومنهم الناقد السينمائي عصام زكريا الذي أكد أن الأمر قديما كان أفضل جدا خصوصا أن التليفزيون المصري حالياً هو جهاز نخر فيه الفساد من كل مكان، وما وصل إليه حال التليفزيون الآن هو نتيجة طبيعية لهذا الفساد، وأضاف أن التطوير الشكي الذي ظهرت أعراضه علي التليفزيون المصري في السنوات الأخيرة ما هو إلا نتيجة لضغط القنوات الفضائية، وعلق عصام زكريا قائلا إن المادة التي تعرضها قناة التليفزيون العربي الآن هي فتات ما تبقي من تراث التليفزيون المصري الذي تم بيعه للقنوات الفضائية العربية والعالمية، وتمني أن يستمر بث هذه القناة بشكل دائم، لكنه أضاف: «ولكنني أعلم وجميع العاملين بالتليفزيون يعلمون أيضا أن التليفزيون المصري لا يمتلك أرشيفاً حقيقياً».. وهو ما يعني أن كلمة «نستمر كباراً» تحتاج لمراجعة.