أزمة كبيرة تعيشها بريطانيا الحليف الأكبر للولايات المتحدةالأمريكية، فشهادة رئيسة جهاز المخابرات الداخلية البريطانيةMI5 البارونة ماننغهام بللر أمام لجنة تقصي الحقائق البريطانية حول حرب العراق في الأسبوع الماضي والتي أكدت فيها أن «غزو العراق» زاد من خطر التهديدات الإرهابية في بريطانيا «بقدر كبير» هز أركان العلاقة بين البلدين، وأكد أن الولاياتالمتحدة هي التي ساهمت في صناعة ما يسمي بالإرهاب الذي تصاعد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ودفعت بريطانيا ودول أوروبية أخري حليفة ثمنا له، ولهذا سارعت البارونة في محاولة لامتصاص غضب الأمريكيين وما أثارته شهادتها لتعلن أن هذا كان رأيها الشخصي لكن الشهادة قيلت ونشرت وانتهت وأكدت علي كثير مما قيل من قبل عن دور الولاياتالمتحدة في نشر الإرهاب في العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، ثم جاءت تأكيدات البارونة حول المعلومات الاستخباراتية التي أدت إلي قيام الحرب بأنها لم تكن كافية لتبرير الحرب لتؤكد أن ما قامت وتقوم به الولاياتالمتحدة في العراق منذ العام 2003 بل منذ فرض الحظر والحصار علي العراق ليس سوي درب من العبث والتدليس والتحايل علي القانون الدولي. وقد جاءت تصريحات البارونة لتتوافق مع تصريحات لمسئولين بريطانيين كثيرين تحدثوا عن هذا الأمر خلال الفترة الماضية، وكانت البارونة قد حذرت من الحرب من قبل حسبما نشرت صحيفة « الجارديان البريطانية» وقالت إنها ستزيد المخاطر علي بريطانيا، وربما هذا الذي دفع أعضاء في الكونجرس الأمريكي إلي إثارة قضية تسليم المقرحي إلي ليبيا في العام الماضي، وأن يكون هذا علي جدول أعمال اللقاء بين رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأمريكي أوباما، بل وصل الأمر إلي المطالبة بأن يدلي رئيس الوزراء السابق توني بلير الحليف الكبير لجورج بوش، بشهادته أمام إحدي لجان الكونجرس مما أثار لغطا حول أحقية دولة في استدعاء مسئولين في دولة أخري لسماع شهادتهم أو استجوابهم أمام الكونجرس الأمريكي، ومن هؤلاء المسئولين رئيس الوزراء السابق لأكبر دولة حليفة للولايات المتحدة. وفي الوقت الذي بلغ فيه عدد القتلي البريطانيين في العراق بين عامي 2003 و2009 179 قتيلا فإن التورط البريطاني في أفغانستان مازال علي مصراعيه مع تخطي عدد القتلي البريطانيين حاجز المائتي قتيل، وسط تخبط وعشوائية من صناع القرار البريطانيين الذين أعلنوا أنهم يعدون خطة لخروج قواتهم تنتهي في العام 2014، أي بعد أربع سنوات من الآن، وقد صرح وزير الدفاع البريطاني بوب إينزوورث بأن بريطانيا تشعر بالحزن علي كل من يفقد حياته في الحرب الأفغانية وأن خبر مقتل الجنود يجعل الأيام كئيبة، وهذا يعني في ظل تفوق طالبان وتكبيدها خسائر فادحة لقوات التحالف وعلي رأسها القوات البريطانية والأمريكية أن بريطانيا يمكن أن تفقد ألف قتيل علي الأقل في هذه الحرب التي دخلتها نصرة لحليفتها الولاياتالمتحدة دون أي قناعة أو دور حقيقي بأثرها في بريطانيا التي سبق أن أبيد لها جيش كامل في إحدي حروبها في أفغانستان في القرن الماضي ولم ينج منه إلا طبيب روي ما حدث، بينما مني البريطانيون بهزيمتين ساحقتين أخريين بعد ذلك، ومن ثم فإن أفغانستان تمثل عقدة كبيرة للبريطانيين الذين يبحثون عن مخرج في ظل تحذير قائد الجيش من أن الجيش قد يعاني من عملية التمويل لعملياته خلال الفترة القادمة، في نفس الوقت تنشر الصحف الأمريكية أنباء كثيرة عن تقارير استخباراتية بأن نظام حامد كرزاي علي وشك الانهيار، بل يمكن أن ينهار في أي لحظة جراء الانسحابات الكثيرة التي تتم منه والتي يقوم بها مسئولون قبليون أو عرقيون في ظل الإعلان عن سعي الولاياتالمتحدة إلي التفاوض مع طالبان ومن ثم الاستغناء عن نظام الدمية القائم في أفغانستان، مما جعل هؤلاء يسعون إلي القفز من القارب قبل أن يغرق بالجميع علي أمل أن يكون لهم مقعد في القارب الآخر الذي ربما تقوده طالبان أو تشارك في دور رئيسي في إدارته. وقد أعلن أكثر من مسئول من هؤلاء الذين يقدمون استقالاتهم أن طالبان أصبحت علي أبواب كابول. هذا الوضع المعقد يجعل العلاقة بين الحليفين بريطانيا والولاياتالمتحدة تزداد تعقيدا مما يعني أن المرحلة القادمة ربما تجبر بعض الحلفاء الغربيين علي تقديم مصالحهم الخاصة علي مصالح الولاياتالمتحدة وذلك تحت الضغوط الاقتصادية والضغوط الشعبية بعدما أصبح المسئولون المعارضون للسياسات القائمة يبوحون بآرائهم ويكشفون عن أن ما يحدث في العراق وأفغانستان ليس سوي سلسلة من الأخطاء التي ربما تقود هذه الدول في النهاية إلي الانهيار.