موجة الغلاء التي تجتاح الأسواق حالياً جعلت المواطن حائراً وعاجزاً أمامها.. الارتفاعات الأخيرة في أسعار السجائر والأسمنت والحديد..إضافة إلي رفع أسعار الكهرباء والغاز للصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة..كل ذلك أدي إلي انفلات كبير في الأسعار بالأسواق..مما يعني أن المواطن في نهاية المطاف هو الذي تحمل سداد فاتورة رفع الأسعار..بينما ظلت الأرباح الرأسمالية للشركات كما هي إن لم تزد وإذا كانت الزيادة الأخيرة في الأسعار قد جاءت استجابة لدعوة وزير الصحة إلي فرض ضرائب علي الصناعات الملوثة للبيئة مثل الأسمنت والسجائر ثم توجيه عائدها إلي وزارة الصحة لتمويل نفقات علاج المواطنين التي تشهد ارتفاعاً متزايداً.. فإن دعوة وزير الصحة كانت تحمل في ظاهرها الرحمة بالمواطن لكن عندما نزلت الضريبة الأسواق فإن هذا المواطن هو الذي قام بسدادها. لم تجتهد الحكومة في إيجاد وسيلة للحيلولة دون تحمل المواطن سداد تلك الضريبة بدلا من المنتجين..وكان يمكن للحكومة بقليل من الاجتهاد الحفاظ علي أسعار تلك السلع رغم زيادة الضرائب..لأنها تعلم أن مصانع الأسمنت والحديد تحقق أرباحاً رأسمالية مضاعفة..وعلي سبيل المثال فقد حققت كل شركات الأسمنت أرباحاً كبيرة في النصف الأول من العام الماضي- الذي شهد الأزمة الاقتصادية العالمية-تجاوزت رأسمالها المدفوع طبقا لميزانيتها المقدمة إلي هيئة سوق المال. ورغم أن المواطن لم يلتقط أنفاسه جراء الزيادة الأخيرة للأسعار، فإنه يخشي من زيادة قريبة ومتوقعة في أسعار البنزين والسولار..وبسبب انعدام الرؤية حول نسب هذه الزيادة فإن بعض محطات البنزين اجتهدت من تلقاء نفسها في إخفاء بعض أنواع البنزين في محاولة منها لاستغلال الموقف..خاصة أن تصريحات سابقة لمسئولين بالحزب الوطني ونواب برلمان ووزراء قد أقروا بضرورة رفع أسعار البنزين. إذا تركنا الأسباب والحجج التي يروجها هذا الفريق الحكومي لتلك الزيادة المتوقعة في أسعار البنزين (أمام الحكومة بدائل أخري لتدبير موارد تلك الزيادة بعيداً عن رفع أسعار البنزين وتلك قضية أخري)..فإن السؤال الذي ينبغي توجيهه لهم هو: هل من الصالح العام أن تجري زيادة أسعار البنزين خلال الأيام القادمة..أم أنه من الأفضل تأجيل تلك الزيادة عدة أشهر؟!.. خاصة أننا نعيش موسم الصيف الذي يشهد خروج المصريين للمصايف وزيادة معدلات الحركة ومن ثم تزايد استهلاك البنزين، كما أن شهر رمضان علي الأبواب حيث ترتفع فيه أسعار السلع، ثم سيعقبه موسم دخول المدارس، وهي كلها شهور يزيد فيها إنفاق المواطن، مما يشكل عبئاً علي كاهله..فإذا تم رفع أسعار البنزين خلال الأيام القادمة فإن أسعار السلع الغذائية ووسائل المواصلات سوف تقفز بدرجة كبيرة مما يزيد من أعباء الأسر المصرية. لذا فإننا نتوقع أن تعي الحكومة الظروف السابق شرحها والتي تجعل تأجيل رفع أسعار البنزين هو القرار الأفضل، لأنه يراعي ظروف المواطنين..وعلي الحكومة أن تدرك أنها في كل الأحوال سوف ترحل في أكتوبر من العام القادم عقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بعد تقديم استقالتها لرئيس الجمهورية الجديد..وربما جري تأجيل فكرة إجراء تغيير وزاري في الفترة الحالية بهدف تحميل الحكومة الحالية إعلان بعض القرارات غير الجماهيرية مثل رفع الأسعار..وإذا كان ذلك كذلك فإن المرجو من الحكومة حسن الإخراج لقراراتها الذكية.