دع ضفدعا يقفز إلى قِدر من الماء المغلى الموضوع فوق النار، وسوف يعود للقفز خارجا منه بمجرد ملامسته للماء المغلى. ثم دع نفس الضفدع يقفز إلى قِدر من الماء الفاتر الموضوع فوق النار، والذى تتحرك درجة حرارته باتجاه درجة الغليان بشكل تدريجى، لن يقفز الضفدع بسرعة خارجا من المياه، وإنما سوف يبقى، وعندما تصل المياه إلى درجة الغليان لن يصبح قادرا على القفز إلى الخارج كما كان الحال عندما قفز إلى المياه وهى تغلى بالفعل، وسوف يصبح لزاما على أحد أن يُخرجه من قِدر الماء المغلى قبل أن يموت. مثال ذكره «آل جور» فى محاضرته (التى تحولت إلى فيلم تسجيلى جميل وشيق بعنوان الحقيقة المفزعة) عن مشكلة الإحتباس الحرارى وارتفاع درجة حرارة الكوكب التى تؤدى إلى ذوبان جبال الجليد فى القارة القطبية المتجمدة والتى تقودنا بدورها إلى مشكلة غرق الكوكب بعد ارتفاع نسبة سطح البحار والمحيطات وغَمر معظم بلدان العالم الساحلية بالمياه. المشكلة الحقيقية فى أزمة ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض أنها أشبه بارتفاع درجة الحرارة التدريجية بداخل القِدر، وأن رد فعلنا على ذلك الإرتفاع هو نفسه رد فعل الضفدع بداخل قِدر الماء الذى يغلى بالتدريج، حيث لن نشعر بما يحدث سوى بعد اكتمال حدوثه بالفعل، لن نشعر بأن شرائح الثلج على الكوكب تذوب بالفعل وتؤدى إلى ارتفاع سطح مياه البحار والمحيطات سوى بعد أن تكمل ذوبانها وترفع بالفعل سطح المياه وتُغرق اليابسة، فنحن فى الأساس كائنات متكيفة، وطالما كان التغيير الذى يحدث تغييرا تدريجيا نتكيف معه، وإلا لما استمرينا على قيد الحياه (كجنس بشري) منذ العصر الجليدى الأول وحتى الآن. إلا أن المشكلة أننا عندها سوف نصبح مثل الضفدع، لن نصبح قادرين على القفز خارج القِدر، لن نصبح قادرين على مواجهة المشكلة. إذن، مشكلتنا كبشر أننا بحاجة إلى هزة مفاجئة لتنبئنا بوجود مشكلة، زلزال، إعصار، فيضان، طوفان، بركان، نحن بحاجة إلى حدث جَلَل لنتنبه إلى وجود مشكلة، وبدون هذا الحدث الجلل، ومع الإتجاه إلى تلك النتيجة العلمية الحتمية المتمثلة فى غرق الكوكب بشكل تدريجى كما يحدث الآن بالظبط، لن ندرك ما يحدث سوى بعد حدوثه، لن ندرك أننا بصدد إنهاء حضارتنا البشرية على كوكب الأرض بأيدينا سوى بعد إنتهائها بالفعل. تقريبا ليست هناك مشكلة مثبتة بالأدلة العلمية والبراهين والمشاهدات والأمثلة الحية والعملية على وجود المشكلة كما هو الحال مع مشكلة الإحتباس الحرارى، إلا أن المشكلة متشابكة مع مصالح كبرى الشركات التى تدير الكوكب وتسيطر عليه، فشركات السيارات الأمريكية عدوة البيئة ضالعة فى المشكلة بشكل رئيسى، وتلك الشركات تدفع للجميع من أجل الصمت، إشترت تلك الشركات الكثير من العلماء الذين أقروا بأن مشكلة الإحتباس الحرارى غير مؤكدة ليحصلوا بعدها على وظائف مستشارين بمرتبات خيالية لدى تلك الشركات. وشركات التدخين العالمية ضالعة فى المشكلة وشركات الطاقة الكبرى التى ترفض التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، والإرادة السياسية العالمية ضالعة فى المشكلة بالتواطؤ والصمت وعدم اتخاذ قرارات حاسمة وحازمة لمحاولة إنقاذ الكوكب قبل أن يمضى الوقت، ولا نجد أمامنا ما يمكننا فعله سوى البحث عن أى حاجة عالية نتشعلق فوقيها بعد أن تغمر المياه سطح الكوكب، وتنتهى تلك الرحلة الطويلة والحزينة من حضارتنا البشرية فوق تلك النقطة الصغيرة التى لا تكاد تُرى بالعين المجردة إذا ما نظرنا إليها من الفضاء، كوكب الأرض الذى لا نملك منزلا آخر سواه. مش لازم هزة مفاجئة تفوقنا، تعالوا نجرب نفوق بدون هزة مفاجئة، بدون مصيبة قد نصبح غير قادرين على حلها إذا ما وقعت، ومن المؤكد أنها سوف تقع.