مع تداول أخبار إصدار سلسلة جديدة من الأفلام تعيدنا إلى عالم هاري بوتر، ورغم أن السلسلة القادمة تدور في عالم الوحوش، إلا أنها تظل تذكرة للعودة بضع سنين إلى الوراء حينما كان سحر هاري بوتر لا يزال في بداياته.
الآن وقد تم إصدار ثمان أفلام شاهدها العالم بأسره، يجب علينا أن نفكر في الكتب أولاً، فهي التي لها الفضل. فقد تم إصدار الكتاب الأول "هاري بوتر وحجر الفيلسوف" عام 1997، بينما الفيلم الأول تم إصداره عام 2001، مما أعطى الكتاب فرصة لحشد صفوفه الأولى من المعجبين الأوفياء. جدير بالذكر أن معظم المعجبين آنذاك كانوا بنفس الفئة العمرية التي ينتمي لها هاري وأصدقاؤه، مما زاد الألفة بين القراء والرواية، وكانوا كل عام يكبرون مع هاري، وبحلول السنة السابعة كانوا قد عاشوا فترة عمرية لا يستهان بها ومن الصعب أن تتكرر مع أي كتاب أو سلسلة أخرى. تلك الفترة التي أمضاها الأغلبية ( من عمر 10-11 سنة حتى 17-18 سنة) يقرأون هاري بوتر هي من أهم الفترات في حياتهم، وهي الفترة التي تتشكل فيها الكثير من أفكارهم وقناعاتهم.
بالطبع ليس كل معجبين هاري بوتر من عمره، ولا يعني هذا أن معجبين هاري بوتر ممن قرأوه في سنوات لاحقة من عمرهم ليسوا بمعجبين حقيقيين. هنالك الكثير من الجدل فيما يخص مصطلح "جيل هاري بوتر" وعما إذا كان هو الجيل الذي نشأ مع هاري وتربى معه وكبر سنة بسنة، أم أن ذلك "الجيل" يشمل المعجبين كبار السن، ممن بدأوا قرائته في أواخر المراهقة، السنين المبكرة من شبابهم أو حتى ممن قرأوه بعد إلحاح أولادهم في مرحلة عمرية أكثر تقدماً.
مع نهاية سلسلة الكتب عام 2007، كان قد تشكل جيلاً كامل نشأ على هاري بوتر، بعضهم عرف القراءة وأحبها عن طريق عالم هاري السحري. ومن ضمن ما يثيرالإهتمام بشأن جيل هاري بوتر، هي الكتب التي قرأوها في السنين اللاحقة لهاري بوتر، بعد مرورهم بفترة من الإحباط والحزن بدأت مع انتهائهم من الكتاب في صيف 2007. تضم قائمة الكتب: كتب التنمية البشرية، كتب للحمية، بعض أعمال توني موريسون الإبداعية المميزة مثل "المحبوبة"، رواية "العازف المنفرد" لستيف لوبيز والتي تتناول موسيقي متشرد مصاب بالشيزوفرينيا، والكثير من الروايات التاريخية والأعمال الكلاسيكية. والمثير للإهتمام أن السلسلة الوحيدة التي أثارت اهتمامهم بعد هاري بوتر هي "أطفال الأرض" ل جين أويل، والتي تدور أحداثها قبل 300 ألف عام.
وطبقاً للكثير من الدراسات التي أجريت على مدار السنين فقد إتضح أن قراءة سلسلة هاري بوتر ينمي الكثير من الصفات الجدية في الشخصية مثل التعاطف والشفقة تجاه الآخرين، الصدق، الإحساس بمعنى الخير ضد الشر وغيرها. والآن بالعودة إلى جيل هاري بوتر وكيف تغير بمرور السنين، بدأ هذا الجيل مغامراته مع هاري بوتر منذ الصغر، منهم من أجبره والداه على قرائته ليجد نفسه بعد الفصل الأول وقد وقع في حب هوجورتس، هناك من وجد أصدقاؤه بفضل هاري بوتر، منهم من تعلم دروس في الحياة الحقيقية من بعض نصائح شخصيات هاري بوتر، رافقهم هاري بوتر في ذكريات تخرجهم من المدرسة والجامعة وحتى أثناء العمل، عندما كانوا يتركون عملهم مبكراً ليكونوا من الأوائل الذين يشترون النسخ الأولى من الكتاب الأخير. ومنهم من استوحى من هاري بوتر فنه وجعله قاعدة يبني عليها أساس الكثير من الأعمال.
بالطبع استوحت جي كي رولينج أساس كتبها من عوالم أخرى أثرت في أجيال سابقة مثل "ملك الخواتم" وأعمال روالد دال. وعلى الرغم أن جي كي رولينج لم تخترع تصنيف أدب الشباب، إلا أنها ساهمت في تأكيده كصنف أدبي رسمي، ومهدت الطريق لسلاسل كثيرة من بعدها مثل "مباريات الجوع" و "دايفرجنت". ومثله مثل فريق البيتلز في الستينيات أو أفلام حرب النجوم في الثمانينيات، نستطيع الجزم بأن فترة (1998 – 2007) كانت فترة هاري بوتر. فقد بدا أن الجميع إما يقرأونه او يشاهدونه أو يتحدثون عنه في تلك الفترة، وحتى بعد مرور سنين من إنتهاء سلسلة الكتب، جيل هاري بوتر لا زال يشعر بالولاء له. ذلك الجيل الذي أدخل الكثير من المصطلحات السحرية لمعجمه، الجيل الذي إنتظر رسالة من هوجورتس بمجرد أن بلغ الحادية عشر، جيل أسقط شخصيات هاري بوتر على عالمه الحقيقي بما فيها نفسه وأهله وأصدقاؤه، ليشترك بقدر ما يستطيع في ذلك العالم السحري. بالطبع لا يمكننا إنكار وجود الكثير من المعجبين الأوفياء كبار السن، ولكن الأكيد هو أنه لولا هؤلاء المعجبين صغار السن لما أصبح الهوس بهاري بوتر قوياً لهذا الحد ولما نجح في الإستمرار طوال ذاك الوقت. يمكن القول بأن جمهور هاري بوتر بالأساس بدأ بالبنات الصغيرات ممن كبرن الآن وأصبح سيدات شابات، ولكن المثير للإهتمام في هذه النقطة بالذات هو أن الكاتبة جي كي رولينج تم منعها من كتابة اسمها "جوان" على الغلاف خوفاً من فشل الرواية في البداية أو عدم تحمس القراء لها، لأن كاتبتها سيدة، حتى وإن كان بطلها صبي. يمكن القول كذلك بأن الكثير من شخصيات هاري بوتر تركت أثرها القوي على شخصيات جيلنا، بالنسبة لنا أصبح ألبوس دمبلدور مرادف للحكمة بينما دولوريس أمبريدج مثال لأي شخصية كريهة نقابلها في الحياة. هؤلاء المعجبين ممن كبروا على الكتاب لازالوا يصرون على تصنيفهم في منزلهم المفضل، سواء أكانوا في شجاعة جريفندور، ولاء هافلباف، خداع سلذرين، أو حكمة رايفنكلو. فكان المنزل لوحده كفيلاً بمعرفة شخصية وأهداف ونوايا الشخص منا. فقد عمل هؤلاء المعجبين على البحث أعمق في التفصيلات للمنازل، فيما يتعدى كون منزل جريفندور منزلاً للأخيار بينما سليذرين للأشرار.
كذلك قاعدة معجبين هاري بوتر كانت أول قاعدة للمعجبين تنشأ في بداية عالم الإنترنت، وأول قاعدة معجبين ينضم لها ذلك العدد المهول من الأشخاص، لتنشأ بعد ذلك مواقع كانت بمثابة المثال الذي سار عليه بعد ذلك الناس في إنشاء قاعدة معجبين كبيرة لأي سلسلة أفلام أو كتب أخرى. تمكن هاري بوتر من إضافة لمساته في عالم الرياضة مع جعل الكويدتش رياضة حقيقية، في الموسيقى بإضافة نمط جديد للموسيقى يدعى "روك السحرة". هذا الجيل الذي نشأ على حب هاري بوتر الآن تمكن من إستخدامه لصالحه في العمل. جون جرين، الروائي المشهور لكتب مثل "الخطأ في نجومنا"، بدايته كانت على اليوتيوب في برنامج كوميدي، ولكن أول ما قدمه كان أغنية عن هاري بوتر بمشاركة أخيه هانك. هذا الجيل كذلك سيتمكن الآن من نقل حب هاري بوتر لأولاده وأحفاده، وربما لهذا السبب أعتقد أن هاري بوتر سيعيش لأكثر من مائة عام، لأنه كتاب تمكن من جذب إنتباه الأطفال والكبار، ولازال يفعل.