الهجرة غير الشرعية لم تعد كابوسا يهدد حياة المصريين فقط، بل حولت مصر مؤخرا إلى بوابة لعبور عديد من الجنسيات المختلفة إلى أوروبا، سواء الفارون من الحرب أو الباحثون عن الرزق. إيطاليا أصبحت هى الملجأ الآمن لكثير من أبناء الوطن العربى، فالشواطئ المصرية التى كانت تعج بمئات المصريين الباحثين عن الرزق زاحمهم فيها آلاف الفارين من جحيم الحروب فى الدول العربية المشتعلة، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الرحلة إلى إيطاليا، فبعد أن كانت الرحلة تتكلف خمسة آلاف جنيه، تم تغيير التسعيرة بعد تعدد الجنسيات، فارتفع سعرها، إلى 30 ألف جنيه للمصرى، ومن (4500 إلى 6000) دولار لغير المصرى. قوات حرس الحدود بأبى قير تمكنت من إلقاء القبض على 225 شخصا من جنسيات مختلفة مساء الأربعاء الماضى فى أثناء رحلة من رحلات الهجرة غير الشرعية، على متن إحدى السفن الكبيرة قبالة الشواطئ المصرية، من بينهم 150 مصريا و42 سودانيا و4 فلسطينيين و23 سوريا. اللواء طارق مهدى محافظ الإسكندرية، أمر بتجهيز مركز شباب الأنفوشى ليكون مكانا لحجزهم، على أن يخصص أماكن حجز للسيدات، وتدبير جميع الوجبات لهم، بالإضافة إلى توفير جميع الخدمات الصحية لهم وتخصيص عربة إسعاف موجودة معهم، وذلك بالتنسيق مع مديرية الصحة بالمحافظة. المهاجرون فى مركز شباب الأنفوشى بعد القبض عليهم «الدستور الأصلي» التقى بعض المقبوض عليهم «بمركز شباب الأنفوشى» ليرووا تفاصيل الرحلة المشؤومة. أحمد رجب عبد الله، طالب بالثانوى التجارى، 17 سنة، من المنوفية، قال «الهجرة غير الشرعية عبر موانى الإسكندرية لها قواعدها وشروطها، وعلى الجميع أن يحترمها حتى يصل إلى بر الأمان بسلام، أول قواعدها أن المركب لا يظهر على الميناء، فلا بد من السباحة لمدة نصف الساعة من الميناء، أو ركوب مركب صغير للوصول إلى المركب (الأول) الذى تقل المهاجرين بعرض البحر، مدة الرحلة فى المركب الأول تتراوح بين 7 و8 ساعات، بعدها ينتقل الجميع إلى المركب «الأم» (الثانى)، وهو المركب الذى يقف فى منتصف البحر ليستقبل المهاجرين من السفن الصغيرة، ثم تبدأ الرحلة إلى إيطاليا عقب اكتمال العدد إلى 300 شخص لتحرك السفينة». عبد الباسط محمد، طالب فى المرحلة الثانوية الصناعية، من محافظة أسيوط يروى تفاصيل الخطوات الأولى للوصول إلى المركب الكبيرة الموجودة فى منتصف البحر، يقول «يعمل والدى باليومية فى مهنة مبيض محارة، ولدىّ من الإخوة بنتان وولدان، وبدأت فكرة السفر تراودنى بسبب الظروف الصعبة فى البلد، ولم يكن أمامى مفر من ذلك، بحثا عن الرزق». ويضيف عبد الباسط «تعرفت على أحد الأشخاص من قريتنا وطرح علىّ فكرة السفر مقابل دفع مبالغ مالية، ولكن الاتفاق كان دفع هذه الأموال عند اطمئنان أهلى بوصولى إلى إيطاليا، وبالفعل تحركت ومعى 42 شابا من أسيوط، ووصلنا إلى محافظة الإسكندرية، وركبنا المركب الأول من رشيد، ثم المركب الثانى من الإسكندرية، الذى أوصلنا إلى المركب الثالث، لكننا وجدناه تعطل فى منتصف البحر منذ عدة أيام، وعليها كثير من الشباب، ولم نتمكن من فعل أى شىء وانتظرنا، إلا أنه تم القبض علينا». عبد الرحمن وزوجته سبحا بصغيريهما نصف ساعة حتى المركب الأول
عبد الرحمن إبراهيم، شاب فى أوائل الثلاثين من أب مصرى الجنسية وأم سورية، قال «أنا أب لطفلين وزوجتى سورية، خرجنا من سوريا بملابسنا فقط هربا من جحيم الحرب المشتعلة هناك، أعمل نقاشا وقلت أرجع بلدى وأدور على شغل هناك، ولكن مافيش شغل، فقررت الهجرة إلى إيطاليا وقابلت سمسارا يحمل الجنسية السورية، وعرض علىّ فكرة السفر إلى الخارج مقابل 4500 دولار لسفرى أنا ووزجتى وأطفالى». ويواصل عبد الرحمن روايته «وصولنا إلى رشيد كان صعبا جدا على المركب الأول، وكان لا بد من السباحة للوصول إليه، حيث حملت طفلا من أطفالى وزوجتى حملت الطفل الثانى، وسبحنا بهما فى البحر للوصول إلى المركب الأول، الذى أبحر فى المياه لمدة نصف الساعة لكى نصل إلى المركب الثانى، الذى يسير فى البحر لمدة 7 ساعات حتى الوصول إلى المركب الكبير، الذى كان يقف فى منتصف البحر منذ 9 أيام»، مشيرا إلى أنهم فوجئوا عقب وصولهم إلى هذا المركب بأنها عطلانة، وكان عليهم انتظار المصير مع باقى المنتظرين. «نغم» العراقية هربت من «داعش» ودفعت 6 آلاف دولار فى رحلة فاشلة إلى أوروبا
وتروى «نغم» العراقية قائلة «أنا أم لشابين وهربت من العراق مع أولادى خوفا عليهم من داعش، التى لم تعد ترحم صغيرا أو كبيرا، ذهبت إلى تركيا ومنها إلى مصر فى رحلة سياحية، وفى مصر اقترح علىَّ أحد السماسرة السفر إلى إيطاليا من أجل تأمين مستقبل أولادى، وبالفعل دفعت له 6 آلاف دولار، وبعد أن قطعنا الرحلة وصلنا إلى المركب لنجده معطلا». جدير بالذكر أن هذه ليست هى المرة الأولى التى يتم إلقاء القبض فيها على هذا العدد، فخلال أسبوع واحد تمكنت مديرية أمن الأسكندرية من إلقاء القبض على مركبين للصيد وعلى متنهما مهاجرون غير شرعيين من مختلف الجنسيات، الأول مركب الصيد المسمى «أسد البرج 1» لصاحبه، سعيد السقا، والمقيم بمركز رشيد بمحافظة البحيرة، حيث ضُبط على متنه 225 شخصا من جنسيات مختلفة، وتم إلقاء القبض على طاقم المركب، أحمد عبد الله، 40 سنة، صياد، رئيس المركب، وخميس على، 26 سنة، صياد، ميكانيكى المركب، وعبد الله على، 19 سنة، وشعبان محمد، 19 سنة، وكلهم مقيمون بمركز مطوبس فى محافظة كفر الشيخ، عدا الثانى فيقيم بمركز رشيد بمحافظة البحيرة، وذلك فى أثناء وجودهم بمياه البحر بشاطئ أبو قير بدائرة القسم فى طريقهم للسفر إلى إيطاليا «هجرة غير شرعية»، وتم التحفظ على المركب بمعرفة مخابرات حرس الحدود، وتحت تصرف النيابة. وفى نفس الأسبوع ألقت قوات الأمن القبض على 157 شخصا من جنسيات مختلفة فى مركب الصيد المسمى «بركة الحج محمد ندا»، بالتنسيق مع القوات البحرية ومخابرات حرس الحدود. المستشار محمد صلاح، رئيس نيابة شرق الكلية بالإسكندرية، أمر بحبس 5 من طاقم المركب «أسد البرج 1»، بالإضافة إلى طاقم المركب «بركة الحاج محمد ندا» أربعة أيام على ذمة التحقيقات، بينما قررت نيابة المنتزه ثان إخلاء سبيل المهاجرين غير الشرعيين.