«التفاصيل الصغيرة هي قوام هذه الحياة التي نعيشها» يقولها الروائي: إبراهيم أصلان وهو ينبهنا لكي نلتفت ونهتم وننشغل ونعيش بهذه التفاصيل. وكتابه «حجرتين وصالة» يضم تفاصيل حياة رجل وزوجته معا في بيت صغير وفي المرحلة المتقدمة من العمر. إنها التفاصيل سبب ومبرر ومحرك انطلاقنا وتحليقنا وأحلامنا وذكرياتنا. وإن عشناها من حقنا أن نقول ونعتز بأننا قد عشنا الحياة بطولها وعرضها - وعمقها معا. ويقول جلال الدين الرومي: «سألت الناي: ما شكواك، وأني لك أن تنوح من دون لسان؟ فأجابني: فصلت عن القصباء ولا أستطيع البقاء من دون نواح ونحيب.. أنا الناي أريد صدرا مزقه الفراق حتي أشرح له ألم الاشتياق». وطبعا قدرتنا علي تذوق الحياة بتفاصيلها تكمن وتتجلي في أن نسمع صوت الناي وأن نعيش نار العشق وألم الاشتياق وروعة اللقاء. أما الكاتب الياباني كنزابورو أوي فيعترف: «في أيام شبابي كنت أعتقد أن الخيال لا يعد جزءًا من تجربتي الانسانية.. إلا أن الآن أقر أن الخيال يعتبر جزءًا مهمًا وكبيرا وثريًا وحيويًا وممتدًا من تجربتي..». نعم تجربتنا الإنسانية وحياتنا في حاجة دائمة للخيال لكي نحلق أكثر ونقطع مسافات أكبر ونحضن أيامًا ونغوص في أعماق بشر. وكم من معجزات تحققت بسبب الخيال الذي لا يعترف بالحدود ولا يريد أن يتجمد أو أن يتصحر أو أن يصيبه الركود أو اليأس. ولاشك أن تفاصيل الدنيا غالبا تجذبنا وتبهرنا وأحيانا تلك التفاصيل نفسها تقهرنا وتطحنا وتغرقنا وتاكلنا وتبلعنا فنصبح (وهذا هو مصيرنا المحتوم) جوعي وعطشي للحظات مع النفس - بعيدا عن دوامة الحياة وساقية الأيام. وفي هذا الوقت من السنة بالذات نسمع ونقرأ النصيحة إياها «فك عن نفسك وخدلك أجازة وغير الجو». والعمل بهذه النصيحة بحذافيرها له ثمن وفاتورة وغالبا مكلف قد لا نستطيع القيام به. إلا أن خبراء النفس البشرية والصحة النفسية لهم وجهة نظر بديلة مرتبطة برغبتك وقرارك أنت في أن تأخذ أجازة و«تايم أوت» (وقت مستقطع في لعبة الأيام) فالأهم أن تكسر الروتين المعتاد وأن تخرج من الدائرة الجهنمية الطاحنة والكاتمة للأنفاس والخانقة لكل ما هو جميل وعزيز ومزقطط ونضر وحي بداخلك. ياساتر كل ده بيحصل وأنت ساكت علي نفسك. ياللا بسرعة روح افتح الشباك وطل عالدنيا وناسها واحلم واسترجع بخيالك وذاكرتك لحظات حلوة نفسك تتكرر من جديد وأكيد حتحس وأنت واقف أمام شباكك وفي حجرتك وفي بيتك وفي شارعك وأنت قاعد في قهوتك ومع أصحابك أن فيه نسمة هوا هبت علي وشك وغيرت مزاجك. كلام بهذا المعني سمعته من صديقنا الحبيب العم حسين كثيرا وأيضا قرأته أخيرا في مقالات عديدة عن «اعط لنفسك أجازة» «كن الأجازة نفسها» و«كن التغيير بنفسك» وأنا أعيش تفاصيل الحياة في الولاياتالمتحدة في صيف 2010. وصيف 2010 أمريكيا يوصف بأنه «صيف عدم الرضا» تجاه مايفعله الرئيس باراك أوباما بشكل عام. وأيضا «صيف الغضب» - تجاه أهل واشنطن اللئام وألاعيبهم السياسية. وهو صيف التخبط أو التردد أو «سوء إدارة الأزمة» تجاه ما يجب فعله في أمر تسرب النفط في خليج المكسيك (5،9 مليون لتر يوميا لمدة شهرين) وأيضا تجاه استكمال أو إتمام المهمة العسكرية والأمنية في كل من العراق وأفغانستان (قبل يوليو 2011). وبالطبع الناس مشغولة ومهمومة بالوضع الاقتصادي وبوعود عن إيجاد آليات عمل للتقليل من مضاعفات الأزمة الاقتصادية وخلق وإيجاد فرص عمل جديدة. أمريكا تعيش صيف 2010 وتفاصيل الهوس العالمي بكرة القدم علي الرغم من أن مواعيد المباريات (بسبب فارق التوقيت) بالنسبة للأمريكي كانت السابعة صباحًا والعاشرة صباحا والثانية والنصف بعد الظهر.وكلها في ساعات العمل الرسمية. وأمريكا أيضا احتفلت أخيرا وللعام المائة بعيد الأب. والاحتفال السنوي القومي بعيد الأب بدأ عام 1966علي أن يكون في يوم الأحد الثالث من شهر يونيو. وتشير التقديرات الرسمية إلي أن عدد الآباء في الولاياتالمتحدة يبلغ 8،67 مليونا منهم 7،1 مليونا يقومون حاليا بدور الأب والأم معا في الأسرة بسبب الطلاق أو الانفصال أو موت الزوجة. وطبعا فيلم «حكاية لعبة -3 «بدأ بداية قوية وناجحة. والتساؤل المطروح: ما مستقبل مثل هذه الأفلام للصغار والكبار معا. خاصة أنه تبين لصناع فنون الاستمتاع والإبهار أن الكبار مثل الصغار في حاجة دائمة لأجنحة الخيال والطيران في آفاق الأحلام؟ «أيها الانسان كم أنت عظيم طالما لم تفقد دهشتك». أما في عالم الكتب فالظاهرة- حديث أمريكا - اسمها «ثلاثية الألفية» للكاتب الروائي السويدي ستيج لارسون. والثلاثية تضم روايات «الفتاة ذات وشم التنين» و«الفتاة اللتي لعبت بالنار» و«الفتاة التي ركلت عش الدبابير». والفتاة هي ليزبت سالاندر قرصانة الكمبيوتر( الهاكر) المثيرة والغامضة والعاشقة للدخول في متاهات الحياة وجرائمها وكشف ألغازها وفسادها - ومعها في هذه المغامرة والمطاردة الصحفي ميكايل بلومكفيست الباحث عن الحقيقة والمتاعب والحياة المثيرة. وبطل الرواية هو شخصية كاتبها إلي أبعد حد. ودراما هذه الروايات تكمن في أنها كلها نشرت بعد وفاة الكاتب نفسه في نوفمبرعام 2004 وهو في الخمسين من عمره بأزمة قلبية.الرواية الأولي: واسمها الأصلي في السويد «رجال يكرهون النساء» صدرت بعد تسعة أشهر من وفاته. الناشر الإنجليزي غير اسمها لأسباب تسويقية وترويجية إلي «الفتاة ذات وشم التنين». والروايات الشهيرة بدأ يكتبها الصحفي السويدي في عام 2000. وقد ترجمت الروايات الثلاثة إلي العديد من اللغات ومبيعاتها في العالم بلغت 40 مليون نسخة منها نحو 8 ملايين نسخة في الولاياتالمتحدة فقط حتي الآن. هذه الروايات تتصدر قائمة الأكثر مبيعا - حسب صحيفة نيويورك تايمز. وهوليوود تفكر جديا في بدء إنتاج أفلام عن رواياته قد يعرض الفيلم الأول في ديسمبر 2012. وذلك علي الرغم من وجود أفلام سويدية عن الثلاثية - الفيلم الأول بدأ عرضه من فترة وحقق نجاحا جماهيريا. ويقال إن هناك رواية رابعة لم تكتمل قد تنشر في المستقبل إلا أن هناك صراعًا بين صديقة الكاتب ستيج وتدعي إيفا جابريلسون من جهة ووالده وشقيقه من جهة أخري حول أحقية التعامل مع إبداعه وثروته التي تكونت وتراكمت فقط بعد وفاته. المثير في الأمر أن كلما تناول ناقد أو معلق رواية له ذكر بأن لارسن مع الأسف ليس حيا وبالتالي سيظل هذا الجانب من الرواية غامضا أبدا. وربما هذا هو سر وسحر كتاباته!! وسواء كنت حتطوف أو حتشوف فإن الحركة بركة والذهاب إلي أحضان الطبيعة أو الجلوس علي شاطئ البحر أو النهر «فسحة» و«بريك» (إنجليزي ده يا مرسي!) بحق وحقيقي حيث الهدوء وأصوات الطيور وخرير المياه وحفيف الأشجار. لو عندك الفرصة اعملها وافتكرني. «كل ما أحس أن الدنيا متلخبطة أو متخربطة حواليا أذهب إلي جنينة الحيوانات أو أتابع أفلام أنيمل بلانت واستريح» هكذا يعترف سمير ويضيف «بصراحة كده بأقدر أفهم وأتفهم وأتقبل الغابة إللي إحنا عايشين فيها وأتوافق معها، أن أري وأتلمس وأتبين الفارق بين الكائن الذي يزحف والكائن الذي يطير، والكائن الذي يغرد والكائن الذي ينهق وأكيد حتلاقي دنياك قدامك وأمام عينيك». منذ أيام أمضيت ساعات مع ابنتي مارجريت في الأكواريوم ( حديقة الكائنات المائية ) في مدينة بوسطن. وكانت الصدمة الأولي لدي دخولي للمكان واقترابي من جبلاية أو مقر تمركز طيور البطريق ( البنجوين) إذ سمعت نهيقا عاليا فقلت في بالي «إللي جاب الحمار هنا مع الحيوانات المائية أو حتي البرمائية». ثم اكتشفت أن صوتا مماثلا يصدره طائر البطريق. والبطريق بالمناسبة طائر لايطير وإنما يسبح ويبيض ويأكل السمك ويعيش في مجموعات كبيرة في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية في الإنتارتيكا وسواحل جنوب أمريكا وجنوب أفريقيا وأستراليا ونيوزلندا. وإذا كنت لم تشاهد بعد الفيلم الرائع «مسيرة طيور البطريق» فابحث عنه واستمتع. والمهم في سرحتي وفسحتي في الأكواريوم هو أنني شفت وطفت عوالم كثيرة عن كائنات بحرية وحيوات ثرية بأشكالها وألوانها- غالبا نجهلها أو نتجاهلها مبررين ذلك بكتر مشاغلنا و«هو إحنا عارفين رأسنا من رجلينا». والمشهد الذي شد انتباهي وجذب اهتمامي كان هذا الحوض المائي الضخم ثلاثة أدوار والزائر في إمكانه أن يشاهد ويتابع الكثير من الكائنات المائية معا في مكان واحد. وفي وقت ما وقفت جيني إحدي العاملات بالأكواريوم أمام العشرات من الزوار لتتحدث عن هذا الحوض - هذا العالم المائي وسكانها المختلفين. نعم قالت إن عددهم يصل الي 650 كائنًا مائيًا منهم القرش والسلحفاة البحرية (وهما أكبرهم حجما) بالإضافة إلي أنواع وأشكال عديدة ومتنوعة من أسماك كبيرة وصغيرة علي السواء. وتكلمت جيني بإسهاب عن كيفية خلق وإيجاد بيئة ونباتات وشعب مرجانية ودرجة حرارة تلائم معيشة تلك الكائنات وأخذت تحكي حكايات عنهم وعن شقاوتهم وأحيانا حزنهم وانعزالهم عن الآخرين. إلا أن كلام جيني عن السؤال المهم كان لافتاً لانتباه الحاضرين - صغارا وكبارا - وهو كيف أن كل هؤلاء وهم من أنواع وأحجام مختلفة لا يأكلون بعضهم البعض أو كيف أن الكبير لا يأكل الصغير. قالت جيني: «لأننا نطعمهم ونطعمهم كثيرا» وشرحت كيف أن إطعام سكان الحوض يبدأ من الصباح الباكر بدءا من القرش (وعددهم ثلاثة) ولعدة مرات ثم أضافت: «يجب إطعام الكائن حتي يشبع وحتي لا يأكل جاره وكلنا نعرف ذلك جيدا حتي في حياتنا». وأكيد أن تطوف محتاج تتحرك وتروح وتيجي وتصول وتجول وتسافر وتسلم عالناس وتطرق الأبواب. ولكن علشان تشوف محتاج نظرة ورغبة في إنك تري وتستكشف وأن تزيح ما هو معتاد وممل ومكرر وبيغم في حياتك. وأكيد مهم إنك تشوف كويس.. تشوف إللي أنت فيه، والأهم تشوف إللي أنت عايز ونفسك تشوفه أو تشوف إللي حيفتح نفسك للحياة ورحلات وجولات «طوف وشوف» مش محتاجة دايما مرشد يدلك (أو يذلك أو يتدلل عليك) ودايما قلبك هو «جي بي إس» بتاعك هو دليلك في تحديد أماكن توجهك ومسارك وطبعا هذه المغامرات محتاجة قرارك أنت ( يا سيد قرارك!) وأن تقوم برحلتك مهما كانت الظروف والأحوال أن تقوم وتسافر برجليك وبعينيك وبأذنيك وطبعا بقلبك وعقلك وخيالك كمان. وفي أي رحلة اختار الصديق قبل اختيار الطريق وأعز وأخلص صديق لك طوال عمرك هو صدقك مع نفسك وشوف بقه ما ضيعش وقتك مع كلام الناس عايز تشوف لازم تطوف.. وعايز تطوف لازم تشوف وانطلق أيها الأخ العزيز وانطلقي أيتها الأخت العزيزة ودي مش عزومة مراكبية!!