فيلم «الفيل الأزرق» أثار الجدل بين المشاهدين والنقاد بشكل لم يفعله فيلم مصرى منذ عدة سنوات، فبعض الجمهور صعد به إلى عنان السماء ورآه أفضل فيلم فى العالم، وفيلم الأوسكار القادم بلا منازع، والبعض الآخر خسف به الأرض ووصفه بأنه مجرد فيلم تجارى جيد، صنعت هوليوود مثيله وأفضل منه. الفيلم تجارى بالفعل.. ويهدف إلى المتعة والإثارة وبعيدا عن التعصب والتعصب المضاد، الفيلم بالفعل تجارى، ويهدف إلى المتعة والإثارة بلا فلسفة، وهذا لا يعيبه، هذا النوع من الأفلام ومعه أفلام الأكشن والخيال العلمى والكوميدى وغيرها من الأفلام بأنواعها المختلفة، وسعيها لتقديم التسلية متقَنة الصنع، تعتبر العمود الفقرى لصناعة أى سينما. التسلية والترفيه، ومداعبة الخيال وإسعاد المشاهِد عناصر جوهرية فى السينما، ومن دونها تصبح الأفلام مجرد محاضرات ومواعظ، حتى الميلودراما يقدمها السينمائى المبدع عملا فنيا راقيا يؤثر فى وجدان المشاهد دون أن يثير أعصابه بالصراخ واللطم على الخدود. فيلم «الفيل الأزرق» بنوعه غير المألوف (الإثارة والجريمة والمرض النفسى) يحطم أسطورة فيلم العيد الكوميدى بمواصفات الأغنية والرقصة والإفيهات المبتذَلة، فهو نوعية جديدة على المشاهد المصرى لكنها ليست غريبة على السينما العالمية، تجد أجواء شبيهة لها فى أفلام مثل «Gothika» للمخرج ماثيو كاسوفيتش وبطولة هال بيرى، وفيلم المخرج مارتن سكورسيزى «Shutter Island» مع إضافة أبعاد السحر والتعاويذ التى خصمت من قيمة الفيلم، وشطحت عن عالم المرض النفسى إلى عالم الخرافات. «الفيل الأزرق» كسَر مفهوم «الجمهور عاوز أفلام هلس فى العيد»، الجمهور يشاهد ما تقدمه السينما، والمأمول أن لا تكون حالة «الفيل الأزرق» نزوة، وأن تنتقل السينما إلى مرحلة تقديم مزيد من الأفلام التى تتميز بعناصر سينمائية متقَنة بإبداع، وأن لا يقف حدود مفهوم الفيلم الجاد عند أفلام الميلودراما الواقعية الفلسفية ذات الإطار الفنى التجريبى، التى لا يشاهدها إلا عدد محدود من الجمهور. كريم عبد العزيز تخلَّى عن أدواره الكوميدية النمطية وقدم أداءً تعبيريا جادًّا يقدم «الفيل الأزرق» المقتبَس عن رواية أحمد مراد الشهيرة، حالة تنتمى إلى نوع التشويق والجريمة فى إطار نفسى اجتهد فى إثراء موضوعه باستخدام وتوظيف جيد لتقنيات السينما، الصورة والإضاءة والديكور والخدع البصرية والموسيقى، يضاف إلى ذلك بالطبع أداء الممثلين وعلى رأسهم كريم عبد العزيز، الذى أطلق مساحة أداء تعبيرى جادة بعيدة عن أدائه الكوميدى النمطى، وتقمَّصَ شخصية الطبيب النفسى الشاب الغارق فى الإحساس بالذنب لمصرع زوجته وابنته فى حادثة سيارة كان يقودها مخمورا قبل سنوات، نرى «د.يحيى» أو كريم عبد العزيز يتقمص شخصية صعبة وهشَّة تعانى من الاكتئاب ونوبات انهيار الفواصل بين الواقع والخيال فى لحظات الهلوسة وتعاطى حبوب «الفيل الأزرق»، وهى نوع من حبوب الهلوسة المحفزة للعقل الباطن التى يستغلها الفيلم لتقديم مساحة بصرية مبهرة أضافت كثيرا إلى الفيلم. البطل شخصية حادة الذكاء، متفوق فى عمله رغم إهماله حياته الشخصية، يتخذ صورة المحقق الذى يسعى وراء فك غموض جريمة قتل زميل الجامعة شريف الكردى لزوجته، تتخذ العلاقة بين الاثنين شكلا غامضا، خصوصا أن المريض الذى يجسد شخصيته خالد الصاوى مصاب بتعدد الشخصيات، حيث يظهر بشخصية أخرى هى «نائل» الذكى الجرىء و«المأمون» الممسوس فى الزمن المملوكى، هذه الشخصيات تنقَّل بينها خالد الصاوى ببراعة بأداء متنوع ومركب. الفيلم يتجاوز عالم المرض النفسي إلى الغيبيات
الفيلم ينتقل إلى منطقة مثيرة للجدل حينما يتجاوز عالم المرض النفسى، الذى قد يكون مقبولا فيه المزج بين الواقع والهلوسة، إلى عالم الغيبيات، من خلال شخصية ديجا (شيرين رضا) صانعة الوشم، ومنها وشم يرتبط بالسحر الأسود، قد يكون هذا المسار بعيدا عن المشاهد الذى ارتضى منطق الهلوسة كجزء من المرض النفسى، وهو يدرك أن كل ألغاز العمل سيتم حلها بتفسيرات منطقية بعيدة عن حلول السحر والغيبيات التى لجأ إليها العمل. شيرين رضا نجحت فى منح دورها ملامح خاصة رغم قِصَره، وجاء أداء نيللى كريم هادئا إلى درجة الفتور أحيانا، ورغم قِصَر أدوار لبلبة ومحمد ممدوح ودارين حداد فإنها كانت مرسومة بعناية وبأداء موفَّق. الإثارة والغموض تصل ذروتها في مشاهد هلاوس البطل أطلق مروان حامد العنان لخياله فى تنفيذ أجواء الغموض والإثارة، التى تصل ذروتها فى مشاهد أحلام وهلاوس البطل، فنرى تناولا بصريا غير مألوف ومتقَنا، شاركت فيه عناصر الخدع البصرية التى أدخلت المشاهد فى عالم غرائبى دون تكلُّف، كما أسهم التصوير والديكور فى توصيف حالة الشخصيات: منزل يحيى الساكن الخمول- مكاتب وممرات عنابر مستشفى العباسية المقبض- عنبر «8 غرب» للمجرمين الخطرين... بالإضافة إلى دور الإضاءة والأزياء والمونتاج والموسيقى التصويرية (هشام نزيه) فى تكوين الحالة الملائمة للأجواء النفسية والغامضة.. كان لكل عنصر دور متميز فى خروج الفيلم بهذه الصورة المتناغمة المخلصة لسينما الغموض والتشويق.