عبد النبي: تسولت لإنقاذ أمي من الموت.. و«كباكا»عرض عليّ 13 ألف جنيه لأبيع كليتى.. ورمونى ي الشارع عم درويش: أيون كنت عايز أبيع كليتى علشان نفسى أعيش يوم واحد من غير ذل كشفت واقعة العثور علي شاب فى حالة إعياء شديدة الأسبوع الماضى بطريق قليوب عن تشكيل عصابي خطير للإتجار في الأعضاء البشرية علي مستوي الجمهورية، وذلك عن طريق استغلال العاطلين والمتسولين وأطفال الشوارع دون علمهم ببيع «الكلي» للأثرياء العرب مقابل ملايين الجنيهات يحصلون عليها. الدستور الأصلي انتقل إلى قسم شرطة قليوب، واستمعت إلى الضحايا، فكل منهم كان له قصة هى مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، فشعور الألم والظلم الذى يتملك منك بمجرد سماعك للظروف التى دفعتهم إلى بيع أجسادهم تجعلك ناقمًا ليس فقط على المجرمين الذين استغلوا حاجتهم وتاجروا بها، بل أيضا ناقم على المجتمع الذى نسى هؤلاء وأسقطهم من حساباته.
البداية كانت بحديث لشاب لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره ويدعى (عبدالنبى رجب) ومقيم بقليوب، فقد تحدث باكيا من شدة الألم «نعم لجأت لبيع قطعة من جسدى لأستطيع توفير نفقات علاج والدتى، التى كنا اراها تموت فى اليوم ألف مرة كلما اشتد عليها المرض، أما أنا فأقف مشاهدًا لا أستطيع أن فعل شيئًا يخفف من ألمها، فلم أجد أمامى حل سوى ترك دراستى والبحث عن عمل، ومع ذلك لم أستطع توفير نفقات علاجها، وحالتها كانت تزداد سوءًا كل يوم عن سابقه»، واستكمل «بعد ثلاث سنوات من العمل الشاق ليل نهار كعامل نظافة بمسجد السيدة نفيسة، لم أستطع تخفيف آلام والدتى لأن نفقات علاجها كانت تفوق دخلى بكثير، فلم أستطيع شراء كل الأدوية التى تحتاجها، مما ترتب عليه تدهور حالتها الصحية واحتياجها لإجراء عملية جراحية عاجلة تنقذها من الموت». وأضاف «فى ذلك الحين فكرت فى كل شىء لدرجة أنى كنت على استعداد لفعل أى شىء فى سبيل شفاء والدتى، فضاعفت ساعات عملى، وتسولت، كنت لا أرى النوم لأيام، وفى تلك الأثناء صادفت شخصًا يدعى «كباكا» فى محيط المسجد الذى أعمل به، وتحدث معى وسألنى ما السبب وراء مواصلتى للعمل ليل نهار، فأخبرته بحالة والدتى لعله يستطيع مساعدتى، فعرض عليّ بيع كليتى فى مقابل 13 ألف جنيه، وقتها لم يكن أمامى خيارًا آخر فإما أن أوافقه على بيع جزء من جسدى، وإما أن أسير فى طريق الشيطان، وهذا كان من المستحيل عليّ تنفيذه، صحيح أنى فكرت كثيرًا فى أن اتجه فى هذا الطريق، لكنى كنت اتراجع بسرعة، فكيف بعد سنوات خدمتى في بيت الله أتحول إلى مجرم؟ واسترسل باكيًا «وافقت على بيع كليتى وقلت لنفسى ما المشكلة فى أن أضحى بجزء من جسدى فى سبيل أن تشفى والدتى التى ضحت بعمرها من أجلي، وربما تبقيت بعض الأموال التى تجعلنى أستطيع تأسيس أى مشروع صغير يساعدنا على العيش دون الحاجة لأحد بقية حياتنا.
وإستكمل «أخبرت والدتى انى سأتغيب عن المنزل لمدة أسبوعين فى العمل، وتوجهت مع «كبابكا» إلى شقة بأكتوبر، وفوجئت هناك بالكثير من الشباب أمثالى اللذين على استعداد لفعل أى شىء مقابل الأموال، ومنهم من كان قد أجرى العملية بالفعل ولكنه يقضى فترة نقاهة، ومضيت هناك ثلاثة أيام أجريت خلالها العديد من الفحوصات والتحاليل، بعدها تم تحديرى وأخذونى فى سيارة ولم أشعر بنفسى إلا بعد انتهاء العملية، حيث اصطحبونى فى سيارة ميكروباص وألقونى فى الطريق وذهبوا».
واختتم «كل ما أخشاه أن تعلم والدتى بما حدث لى، فهى لم تستطع تحمل صدمة كهذه، وأتمنى الموت بكل لحظة لأتخلص من الألم الذى أعانيه، ولو أن الأمر عاد بى لما فرطت أبدًا فى عطية الله لى».
المأساة الثانية كانت لشاب يدعى (عبد الرحمن عدلى) 30 سنة عاطل ومقيم بالمنيا، والذى برر إقدامه على بيع جزء من جسده فى فشله فى الحصول على مهنة مناسبة يستطيع العيش منها، خصوصًا بعد أن أعلن إسلامه منذ عام تقريبًا، وتخلت أسرته عنه، وبدأ كلامه قائلاً «جئت إلى القاهرة لأبحث عن عمل بعدما ضاقت بى الدنيا فى المنيا، وعملت مكوجى فى أحد المحال لكن صاحب العمل استغنى عنى بعدما علم بحقيقة قصتى، وأنى أعلنت إسلامى، وقال لى (إنت ملكش أمان.. إنت بعت أهلك ودينك يبقى أكيد هتبيعنى)، حاولت الحصول على وظيفة أخرى لكن دون جدوى، حتى المبيت لم أجد أمامى إلا الشارع، فى تلك الأحيان تقابلت مع شخص سألنى لماذا تسكن بالشارع؟ فأخبرته بظروفى، فعرض عليّ وقتها الأمر بيع كليتى مقابل 13 ألف جنيه، وافقته فورًا لأننى بذلك سأملك مبلغًا لو عشتُ طول عمرى أعمل لم أكن سأحصل على نصفه، وكنت أنوى استئجار غرفة لأعيش بها بدلاً من الشارع، وأشترى توك توك أعمل عليه وأبدأ حياتى التى اعتقدت أنها انتهت، لكن هذا كانت مجرد أمنيات لم تتحق كغيرها بعد ان داهمت الشرطة الشقة التى كنت بها وأنا وأمثالى فى انتظار العملية التى كنا نرى فيها الأمل الوحيد الذى سيجعلنا نستطيع العيش فى بلد تدوسنا بأقدامها على من لا يملك أموال».
وأضاف «صحيح أننى لم أجرى العملية، لكن لو استمرت ظروفى بهذا الشكل لن أتردد فى الموافقة على بيع أى جزء من جسدى مرة أخرى، فهذا أهون عليّ ألف مرة من النوم كل ليلة بالشارع، واختتم حديثه بسؤال إذا كانت الدولة ترى فى بيعنا لأجسادنا جريمة، فهل الأفضل أن نتحول إلى مجرمين لنستطيع العيش فى دولة أصبح فيها الهواء بمقابل».
أما القصة الثالثة فكانت لرجل عجوز يدعى (صالح درويش) ويعمل نجار مسلح، حيث تحدث وهو يصرخ «نعم كنت أريد بيع كليتى فى مقابل بضعة آلاف، ولو أن الأمر بيدى لما ترددت لحظة فى بيع كل جزء بجسدى، المهم أن أحصل على ما يرحمنى من الحاجة للناس، فقد ضاع عمرى بهذه البلد وتجاوزت الخمسين عامًا دون أن أرى يومًا واحدًا أشعر فيه بأننى إنسان له كرامة».
واستكمل حديثه قائلاً «قضيت أحلى سنين عمرى وشبابى بالسجن فى قضية ملفقة، يعلم الله أنى برىء منها، وبعد خروجى من محبسى وجدت الجميع قد تخلى عنى حتى أشقائى تنصلوا منى، وقالوا لى (أنت رد سجون ملناش دعوة بيك) برغم من أنهم على يقين من برائتى، حاولت كثيرًا أن أحصل على لقمة عيشى بالحلال لكن دون جدوى، فالمجتمع لم يكتفِ بعقابى فى السجن 15 عامًا ظلمًا، بل أراد أن يكمل على بقية سنوات عمرى».
وأضاف «لم أجد أمامى سوى التسول طوال النهار، والنوم بالطرق بجوار الكلاب ليلاً، كثيرًا ما كانت تمرّ عليّ الأيام ولا أشم بها رائحة الطعام، لدرجة تمنيت معها العودة للسجن مرة أخرى، على الأقل كنت أجد ما آكله ومكان أقضى به الليل بعيدًا عن الشا رع، وفى إحدى الأيام فوجئت بشخص يأتى إليّ ويخبرنى أنه يعلم حقيقة ظروفى وعلى استعداد لمساعدتى، فارتميت على قدمه لأقبلها، وقلت له لو طلبت منى أن أبيع جسدى لن أتردد لحظة، فقال لى (إحنا عايزين حتة صغيرة بس من جسمك) واصطحبنى إلى شقة لا أعرف أين هى، وتقابلت هناك مع كثيرين كانوا على استعداد للتضحية بكل غالٍ فى مقابل الأموال. مكثت هناك أسبوعًا أجريت فيه العديد من الفحوصات، وأخبرونى أن ميعاد العملية سيتأخر حتى يأتى دورى، ومع الأسف سقطنا فى أيدى الشرطة قبل انتهائى من العملية».
واختتم كلامه قائلاً «سماسرة الأعضاء اشترونا بمقابل الأموال، والمسؤولون نهبوا البلد وسرقوها وقتلونا فقرًا ببلاش».
أما المأساة الرابعة فكانت لشاب فى العشرينات من عمره يدعى (أحمد محمد عبد الحفيظ)، حيث وافق على بيع جسده ليستطيع استكمال نفقات زواجه من الفتاة التى أحبها قلبه، فبعد عامان من الخطبة عمل فيهما ليلاً ونهارًا فى أكثر من مهنة، لكنه فشل فى استكمال الأموال اللازمة لإنهاء متطلبات الزواج، فلم يجد أمامه سوى التضحية بجزء من جسده خصوصًا بعد أن هددته أسرة خطيبته بفسخ الخطبة. والقصة التالية كانت لعاطل فى الثلاثينيات من عمره ويدعى (علاء درويش) أب لطفلين حيث تحدث باكيا «لماذا لم تتركونى أجرى العملية، فهذا جسدى وأنا الوحيد الذي أملك حق التصرف به، فقد اعتدت على بيع نفسى، فهذا الشىء ليس جديدًاعليّ، فكل أسبوع كنت أذهب يومين إلى أحد المستشفيات، حيث أقوم ببيع دمى فيها فى مقابل مئتي جنيه أستطيع من خلالهما الإنفاق على أسرتى، أما هذه المرة فكنت سأحصل على الآلاف فلماذا تقف الدولة في وجهي؟» . وأضاف «سأبيع كل جزء بجسدى طالما سأتقاضى المقابل، وليس للدولة سلطان عليّ، ولو أنها تحافظ على حياة شعبها لما وصلنا إلى هذه الدرجة التى جعلتنى أنا وأمثالى مستعدين للتضحية بكل شىء، وختامًا أريد أن أقول لكل مسؤول بهذه البلد (لو مش عايزينا نبيع جسمنا أكّلوا أولادنا بدل ما يموتوا بعضهم من الجوع)». أما باقى المجني عليهم، والذين بلغ عددهم 11 شخصًا، كان لكل منهم قصة مختلفة عن الآخر، لكن الفقر والحاجة والظلم هو البطل فى كل قصة، فمنهم من فشل فى الحصول على وظيفة ومنهم من فضل الإتجار بجسده بدلاً من السير فى طريق الحرام، ومنهم من أراد توفير نفقات زواج شقيقته الصغرى، وغيرها من الأسباب التى دفعتهم إلى هذا الطريق. الحديث التالى كان مع المتهمين اللذين حاولوا تبرير جريمتهم، برغبتهم فى مساعدة الفقراء للخروج من ضائقتهم المالية، نافين تمامًا مشاركتهم فى استدراج المجنى عليهم، ومؤكدين أن مهمتهم توقفت على اصطحابهم لإجراء الفحوصات والتحاليل الطبية فقط، ولم يعلموا مكان المستشفى التى تجرى بها العمليات. وأضافوا «نحن مجرد موظفين نتقاضى ثمن ما نقوم به، ولم نشعر على الإطلاق أن ما نقوم به هو جريمة، بل على العكس هو مساعدة إنسانية لهؤلاء الأشخاص، كما أنهم ليسوا ضحايا فهم يقدمون على هذه الخطوة بمحض إرادتهم، ويتقاضون الثمن الذى يرضونه، حتى نحن سبق وأن أجرينا هذة العملية، ومن وقتها تعدَّل حالنا واستطعنا شراء السيارة التى نستخدمها الآن بعملنا، فهذا الطريق أهون كثيرًا من أن نتحول إلى مجرمين. صحيح أن ما نقوم به مجرّم فى نظر الدولة، ولكن حينما تنظر إلى حالات هؤلاء فستتأكد أننا على حق والقانون على باطل. بداية الجريمة البشعة بدأت أثناء مرور ضباط مباحث قسم قليوب، بالطريق الزراعى أمام محطة التعاون فى اتجاه بنها، حيث وجدوا شخصًا مجهولاً ملقًى على جانب الطريق فى حالة إعياء شديد، وبحوزته مبلغ مالى 12 ألف جنيه وبطاقة تحقيق شخصية، باسم (عبد النبى رجب عبد النبى عبدالحميد) 19 سنة بدون عمل، ومقيم بشلقان مركز القناطر الخيرية، تم نقله لمستشفى قليوب العام، وبتوقيع الكشف الطبى عليه تبين وجود آثار لعملية جراحية بالجانب الأيسر من البطن بطول حوالى 40 سم.
تم إخطار اللواء محمود يسري، مدير أمن القليوبية، وتشكَّل فريق بحث، حيث توصلت جهود الرائد أحمد فاروق رئيس مباحث قليوب، ومعاونه النقيب مصطفى كامل، إلى أن مرتكبى الواقعة (هشام أمين شحات أبو بدوي) 27 سنة، عاطل ومقيم بشارع الأخبار السوق القديم الحى السادس 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، و(وليد إبراهيم محمود محمد شحاته) 41 سنة مبلط رخام ومقيم ب12 شارع رمضان محمد موسى عزبة جبريل الهرم بمحافظة الجيزة، و(مصطفى) وشهرته أبو أدهم . وعقب تقنين الإجراءات، تم ضبط المتهم الأول والثانى وبحوزتهما السيارة المستخدمة فى الواقعه ماركة هيونداى نبيتى اللون، وبمواجهتهما بما أسفرت عنه التحريات والضبط وما جاء بأقوال المجنى عليه اعترفا بارتكابهما الواقعة بالاشتراك مع المتهم الهارب، وتكوينهم تشكيلًا عصابيًا تخصص فى استدراج صغار السن من العاطلين والمتسولين لاستئصال أعضائهم البشرية مقابل مبالغ مالية، وأرشدا عن الشقة الخاصة بالمتهم الأول بمدينة 6 أكتوبر ناحية السوق القديم التى يقومون باستدراج المجنى عليهم فيها حيث تمكن القوات من ضبط 11 شخصًا من المجنى عليهم بداخل الشقة.