على مدى التاريخ، وباستثناءات قليلة، كان الخطر على مصر يأتى من حدودها الشرقية، ومع زرع الكيان الصهيونى على أرض فلسطين أصبح الخطر ماثلًا ومباشرًا مهما امتدت الهدنة أو عقدت المعاهدات. الخطر من الشرق يتزايد مع الحرب الوحشية التى تشنها إسرائىل على غزة، ومع غياب الإدارة الرشيدة للصراع مع الاحتلال الصهيونى، ومع خوض جيشنا معركة قاسية ضد إرهاب أراد الاستيطان فى سيناء مدعومًا من حكم خائن أسقطه الشعب فى 30 يونيو، ومن تآمر خارجى كانت مصر هدفًا أساسيًّا له وهو يضع خريطته الجديدة للمنطقة، ويعقد الصفقات الشيطانية لتقسيم جديد للوطن العربى كانت مصر هى العقبة الأساسية أمامه، وكان جيشها -وما زال- هو حائط الصد الأخير الصامد فى وجه المؤامرة. الآن.. ومع اشتعال الأزمة على حدودنا الشرقية نجد أنفسنا -ولأول مرة منذ سنوات طويلة- أمام أوضاع لا تقل خطورة على حدودنا الغربية، ولم تكن حادثة «الفرافرة» إلا إعلانًا عن خطر يزداد يومًا بعد يوم، مع وقوع ليبيا فى قلب الفوضى وانهيار الدولة هناك، وتقسيم الأرض والسلطة بين عصابات الإرهاب. قواتنا المسلحة كانت منتبهة لخطورة الأوضاع على الجبهة الغربية.. وذهب الرئىس السيسى «وهو وزير للدفاع» إلى هناك أكثر من مرة، وتم تأمين الأوضاع بشكل كبير، وأقيمت جسور متينة للتعاون مع القبائل هناك، ووضعت التحركات المعادية من عصابات الإرهاب على الجانب الليبى تحت الأنظار، خصوصا مع رصد مراكز للتدريب للعمل ضد مصر، ومع دعم التنظيمات الدولية للإخوان وغيرهم لهذه المخططات، ومع العمل الدائب هناك من أجهزة مخابرات معادية لم تنسََ هزيمتها على يد شعب مصر وجيشها فى 30 يونيو، ولا تتصور أن كل ما دبرته قد انهار بعد أن كانت قد اطمأنت إلى أن «الجائزة الكبرى» وهى مصر قد سقطت فى يديها مع حكم الإخوان الفاشى والخائن. الآن.. تسقط ليبيا فى مستنقع الفوضى الشاملة، الجار الغربى مهدد بأن يتحول إلى منطقة تجمع لكل عصابات الإرهاب، كل العوامل تدفع فى هذا الطريق، دولة منهارة بلا مؤسسات، حدود مفتوحة تزيد على أربعة آلاف كيلومتر، ترسانة أسلحة تم نهبها، حرب شنتها فرنسا ضد الإرهابيين فى مالى، لكنها تفتح الباب لكى ينتقلوا بإرهابهم إلى ليبيا لينضموا مع عائدين من سوريا وهاربين من كل أنحاء العالم العربى، ومن أوروبا إلى وهم إقامة جنة الإرهاب الموعودة. حادثة «الفرافرة» كانت مجرد إشارة إلى موقع الخطر، مثله كانت هناك مذبحة فى تونس، واختراق فى الجزائر حتى مع وجود 40 ألف جندى لحراسة الحدود. الآن ومع تدهور الأوضاع فى ليبيا، تسارع أمريكا والدول الأوروبية بإجلاء رعاياها وبعثاتها الدبلوماسية، الموقف بالنسبة إلينا مختلف، فلدينا قرابة مليون مصرى هناك، الأوضاع تشتد قتامة والمخاطر تزداد على كل دول الجوار، المشروع الذى فشلوا فى إقامته على أرض سيناء قد يجد طريقه للتنفيذ على أرض ليبيا، الطريقة التى تم بها «اختراع» داعش ومساعدتها فى إقامة إمارتها الإرهابية فى قلب سوريا والعراق لا بد أن تثير التساؤل حول ما يجرى إعداده فى ليبيا، ولا بد أن تثير التساؤل أيضًا حول توقيت الحرب الدائرة فى غزة!! وهل المطلوب وضع مصر بين قوسين من الإرهاب الذى تختلف راياته ويتوحد هدفه وهو مصر، التى ما زالت تمثل العقبة الرئيسية ضد مخططات الأعداء، وجيش مصر الوطنى الذى ما زال هو الجيش العربى الوحيد القادر على المواجهة، والرافض لكل أنواع التقسيم والطائفية، والمصمم على استئصال الإرهاب من جذوره مهما قدم من تضحيات. الموقف بالغ الحساسية والخطورة، وحين نقول إننا فى «حالة حرب» فهذه هى الحقيقة التى ينبغى أن تحكم تصرفاتنا وتضبط حساباتنا. التنسيق مع الأشقاء العرب الواقعين تحت نفس الخطر أمر ضرورى، لكن الأهم هو أن تتحرك جبهة واحدة شعبًا وجيشًا لنهزم المؤامرة ونقهر الخطر.