لم أفصح في مقال الأمس عن اسم الوزير الذي نسبت له صحف الأسبوع الماضي ما اعتبرته أنا إسهاماً «غنائياً» قّيماً في فقرات «الحفل الساهر الكبير» المنصوب حالياً من أجل الترويج لفكرة إلغاء ما تبقي من دعم أسعار سلع ومواد الطاقة، بحجة أن «تعليم» المصريين الفقراء و«صحتهم» الغالية علي قلب الحكومة ومليارديراتها أولي بقيمة هذا الدعم من البنزين والكهرباء والسولار وخلافه!! غير أن الأستاذ الدكتور محمود محيي الدين- وزير الاستثمار- هاتفني صباح أمس معاتباً برقة وموضحاً أنه هو المقصود بما أشرت إليه في سطور مقالي، لكن بعض ما نُقل من كلامه في هذا الشأن لم يكن دقيقاً، ونفي سيادته نفياً قاطعاً أنه قال أصلاً عبارة «الفقير لا يتعامل مع وقود السيارات»، تلك التي نسبتها له إحدي الصحف ودفعت العبد لله للتعليق عليها بأن معلومات قائلها عن الفقراء أنهم لا يعرفون وسائل النقل ولايستخدمونها طوال حياتهم «إلا يوم يذهبون إلي الآخرة».. وتابع الدكتور محمود معترفاً بأن العبارة المذكورة لو قيلت فعلاً فهي جديرة بهذا التعليق وتستحق «التريقة» حقاً. وقد وعدني معالي الوزير مشكوراً بأنه سيرسل لي تسجيلاً بالصوت والصورة للمداخلة المنقولة منها التصريحات المنسوبة له حتي أتأكد من حقيقة أنه لم يقل هذا الكلام، بيد أنني لم أنتظر التسجيل واستبقت وكتبت هذه السطور متوكئاً علي تصديقي واقتناعي التام بأن أستاذ اقتصاد نابهاً مثله ينتمي لأسرة سياسية مرموقة ومحترمة، يصعب عليه جداً (حتي وهو عضو في حكومة ونظام علي الشاكلة التي نعرفها) أن يتورط ويتفوه علناً بعبارات وكلام من هذا النوع الذي يشي، ليس فقط ببراءة مطلقة من معرفة البشر الفقراء، وإنما الأسوأ هو أن في طياته ترقد نظرة استعلاء طبقي جاهل وممجوج ومغرور يلامس حدود العداء العنصري لهؤلاء البشر، إذ يُسكنهم في صور نمطية خرافية ووهمية تضعهم في موضع أدني من أن يحتاجوا للأشياء والسلع التي يستخدمها ويتمتع بها الأغنياء ولو كانوا في الأصل والأساس حرامية ونشالين!! علي كل حال، لقد أبلغت الدكتور محمود محيي الدين علي الهاتف بأنني أصدق نفيه وتوضيحه (دون حاجة لتسجيلات) ووعدته بالتصويب فوراً وها أنا أنفذ وعدي.. وهو أيضاً كان كريماً جداً وسمع مني بصبر، إشارات مقتضبة ومقتطفات سريعة من رأي العبد لله في موضوع «الدعم» الذي يستخدمه الآن مليارديرات الحكومة وحزبها في «معايرة» المصريين، وضرورة عدم عزله عن سياق مجمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة حالياً والتي أراها تنتج كل يوم تقريباً أسباب فقر وبؤس وتخلف أكثر مما تنتج سلعاً أو أي أصل لرفاهة ونمو حقيقيين. لكنني ختمت المكالمة برجاء حار لسيادته أن يتوسط لنا عند البهوات المتخمين في حكومته ويطلب لنا منهم الرحمة شوية بأن ينقطونا بسكاتهم ويكفوا عن الحديث والغناء للفقر والفقراء، بيد أن الدكتور رد علي رجائي هذا بضحكة رائقة اعتبرتها اعتذاراً رقيقاً عن المهمة.. وتركني معاليه أفهم أن ضجيج «الأغاني الفقرية» سيستمر إلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً!!