عادت مصر إلى أهلها وعادت الدولة المصرية إلى العمل بعد تعطيل متعمد زاد على السنوات الثلاث، بدأت عودة مصر والدولة بعد الثلاثين من يونيو، وبدأ الشعب يلمس هذه العودة بعد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى، وكل يوم يفاجئ الرئيس الشعب بقرارات جديدة، تؤكد له أن البلد مُقدم على مرحلة جديدة مختلفة، فبعد قرار حلف اليمين السابعة صباحا وبدء العمل فى نفس التوقيت، جاء قرار الرئيس بالتبرع بنصف ما يملك ونصف راتبه، ليقدم للشعب القدوة والمثل، وليضع رجال الأعمال والأثرياء فى موقف لا يحتمل الاستغراق فى التفكير، بقدر ما يتطلب مبادرة سريعة بالمشاركة فى صندوق «تحيا مصر»، الذى افتتحه البنك المركزى. مصر تشهد ظواهر لم تعرفها من قبل، تؤكد أنها تسير على طريق الديمقراطية، الشفافية وحكم القانون، ووسط هذه الأجواء يواصل عدد من النشطاء الكتابة يوميا عن الدولة القمعية، ودستور الفاشية العسكرية، وعن انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر، عن عسكرة الدولة، وعن النخبة المدنية التى باعت نفسها للعسكر وخانت مبادئها ووقفت مع «العسكر» ضد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. تتنوع خلفية النشطاء ما بين دارسين للعلوم السياسية، وكتاب وأدباء وشخصيات من خلفية يسارية، تصل فى تطرفها إلى الاشتراكيين الثوريين. هناك من بين هؤلاء من يكتب على خلفية خيبة أمله شديدة نتيجة رحيل الإخوان وانتهاء حكم المرشد، فقد تعاون معهم وهو يرفع شعارات الليبرالية والحرية والمساواة، بدّل مواقفه بالكامل، تحوّل من لجنة سياسات الوريث إلى ادعاء الثورية، أغلق فى وجهه طريق الصعود داخل لجنة السياسات فقرر الرحيل إلى الخارج، عاد مع نجاح ثورة الشعب المصرى فى الخامس والعشرين من يناير ليلبس ثوب الثورية، ويقدم نفسه باعتباره وجها ثوريا، شكل حزبا سياسيا جديدا تمحور حول شخصه ومجموعة الفتيات، ودخل البرلمان، وهنا بدأت صفقاته مع الجماعة، فقد قبل تكليف الجماعة وهو عضو سابق بلجنة سياسات الحزب الوطنى، قبل أن يكون مقررًا للجنة العزل السياسى لقادة ورموز الحزب الوطنى، عقد عشرات اللقاءات السرية مع قيادات الجماعة، وكان ينسق معهم المواقف قبل اجتماعات المجلس، حتى يوجه الدفة باتجاه ما يريد المرشد وجماعته. شارك فى اللقاء الفضيحة الذى عقده مرسى مع عدد من رجاله لمناقشة مشروع سد النهضة، وكانت المشاركة كارثية على مصر. ثار الشعب المصرى وأطاح بحكم المرشد والجماعة وأطاح معها بأحلام مثل هذه الشخصيات التى كانت تراهن على لعب دور فى إطار نظام المرشد، فقد كانوا فى حاجة إلى مثل هذه الشخصيات فى المرحلة الانتقالية، مثلما احتاج النظام الإيرانى بعد ثورة 1979 إلى وجوه يسارية دفع بها إلى صدارة المشهد، وما إن تمكن حتى أطاح بكل هذه الوجوه، فأعدم بعضها، ومنها من تمكن من الهرب مثل الحسن بنى صدر. تأمل الشخصيات التى تتحدث عن انتكاسة الديمقراطية فى مصر، عن حكم العسكر، فسوف تجدها شخصيات عملت مع الجماعة، منهم من أيد مرسى ودعمه، ومنهم من كان عاصرًا لليمون وتجرع مرسى، ومنهم من يرفض أن يبتعد عن الأضواء أو يسمح للأضواء أن تبتعد عنه، ومن ثم يكتب ما يجعله فى بؤرة الأضواء، وهناك أيضا من يريد تسويق ما يكتب وينشر عبر تقديم نفسه فى صورة «ضحية المواقف المبدئية» وهو أبعد ما يكون عن ذلك.