كان بينه وبين عيد ميلاده ثلاثة أيام فقط حتي يكمل عامه رقم 76، لكن القدر لم يمهله بضعة أيام ليرحل شاعرنا الكبير محمد حمزة عن دنيانا بعد أن ملأها بالأغنيات، وأعتقد أنه كان أغرز شاعر غنائي عرفه العالم العربي فإنتاجه يقترب من رقم ألف وخمسمائة أغنية.. لم يبدأ المشوار خطوة خطوة أي مع مطربي الدرجة الثانية ليصل إلي النجوم.. لكنه عرف القمة في قفزة واحدة وفجأة وجه كلماته لتتغني بها فايزة أحمد في أغنية «أؤمر ياقمر أمرك مامشي» ويردد له بعدها بأقل من شهر عبدالحليم حافظ سواح وماشي في البلاد سواح والخطوة بيني وبين حبيبي براح مشوار بعيد وأنا فيه غريب والليل يقرب والنهار رواح.. أتذكر أنني قبل أيام قليلة علمت باشتداد المرض عليه وكتبت مقالا في مجلة أخبار النجوم عنوانه الليل يقرب والنهار رواح.. وقرأت له ابنته الإعلامية «دينا حمزة» تفاصيل المقال، وقال لي: إن الأستاذ حمزة كان يبتسم وهو يتابع ما كتبته عنه.. كم تمنيت أن يقرأ ما كتبته وهو في كامل صحته ووعيه، ورغم ذلك فكم كنت حريصاً علي أن يعرف مقدار ما قدمه لنا وللأغنية العربية علي مدي نصف قرن من الزمان، حيث انتقل حمزة في كل الألوان الغنائية مع رفيقه بليغ حمدي وكان بينهما امتزاج بين الكلمة والنغمة، كان بداخل بليغ حمدي ومضات شعرية لا تصل بالطبع إلي قدرة الشاعر علي التعبير بالكلمة. إلا أن بليغ كان يستطيع أن يقرأ بالضبط ما يريد أن يقوله حمزة بالكلمات بضبط تلك الأفكار وشعريا لتصل إلي الجمهور وبالتأكيد ليست كل الأغنيات المشتركة بينهما علي هذا النحو فبعض الأغنيات فقط كانت تبدأ بومضة شعرية وموسيقية لدي بليغ ويكملها بعد ذلك حمزة، أما أغلب اللقاءات فكانت نقطة الانطلاق تبدأ عند حمزة أتذكر له مثلاً «حكايتي مع الزمان».. أو «العيون السود» والأغنيات رددتها وردة.. كتب حمزة «العيون السود» عن زوجته مذيعة التليفزيون الراحلة «فاطمة مختار».. لم يستطع أن يكمل حمزة الحياة بعدها وتكالبت عليه الأمراض ولحق بها بعد أقل من أربع سنوات.. كان حمزة صوتاً شعرياً مميزاً عندما بدأ المشوار كان يحتل القمة شعراء بحجم مأمون الشناوي وحسين السيد ومرسي جميل عزيز، فلم يكن صدي لأي منهم في الوقت نفسه كان قد ظهر جيل جديد سبقه بأعوام قليلة وهم ما أطلق عليهم شعراء العامية نبض جديد قاده عبدالرحمن الأبنودي جاء من أقصي الصعيد تبعه بعد ذلك عبدالرحيم منصور ومجدي نجيب ورغم ذلك ظل حمزة له هذه اللهجة المتفردة يكفي أن تتذكر له نجاة وهي تغني بأشعاره وكلمات بليغ أغنية كانت مصر كلها ترددها وتبكي علي حال أبنائنا في الغربة «وبعتنا مع الطير المسافر جواب وتراب من أرض أجدادي وزهرة الوادي يمكن يفتكر اللي يهاجر إن له في بلاده أحباب».. أما في شعر الوطن فيكفي أن تتذكر رائعته مع شادية وبليغ ياحبيبتي يامصر التي كانت هي مدرسة في الشعر الوطني الذي يمزج الحب بتراب الوطن.