الشاعر - أي شاعر - لابد أن يعبر عن هموم الوطن بصورة أو بأخري، ولابد أن يحمل بين جنبيه قلبا نابضا معايشا لكل ما يحدث فيه من أزمات وانكسارات، كما لابد أن يشاركه لحظات الانتصار والنشوة.. وربما علت الأصوات العالية التي تتخذ من السب واللعن لغة شعرية رنانة لا تقدم نفعا ولا ترفع ضرا، ولكن قلما نجد شاعرا تسَّاقط من كلماته نبرات الحزن والألم بدون أن يرفع صوته وكأنه يعلن أنه ما عاد يملك إلا أنفاسا واهنة لا يعضدها إلا عشقه لهذا الوطن، إنه الشاعر «علي عبد العزيز» الذي صدر له ديوانه الشعري الثالث «آخر حدود الوطن» الصادر عن جماعة إضافة الأدبية، بعد أن سبقه ديوانان: «طالع يغني» سنة 2001 و«نعي الغلابة لبعضهم» سنة 2002. في هذا الديوان يؤصِّل «علي عبد العزيز» ذلك المعني الذي لازمه في ديوانيه السابقين وهو معني الوطن.. ذلك الوطن الذي رغم ما يعانيه الجميع في هذه الأيام إلا أن الجميع يذوب فيه عشقا وإن كان الكل يعلو صوته معاتبا.. فما هو إلا كعتاب الابن لأمه إذا أهملت ولم تأخذ دواءها.. فهو عتاب حب وليس عتاب هجر ونكران. يقول «علي عبد العزيز» في قصيدة «وطن مش بتاعك»: «هوه انت واقع من حصان غازي نسَّاك هنا وروَّح علي بلاده وللا الغزاة وزَّعوا الأرض ع الأحفاد وسابوك تدافع عن وطن مش ليك هكسوس علي مماليك فرس ويونان أتراك يا عم مين خلاك تعشق تراب مالكش فيه ولا قبر والعيشة مُرّ وقهر وبالحساب والجبر تجيب عشاك فتافيت» ورغم هذا الحنق الذي يملأ حروف هذه القصيدة فإنه كما ذكرنا هو عتاب الابن لأمه، والأمل في التغيير وفي غد أفضل هو الهدف الأسمي الذي نعيش له والأحلام لن تموت مادمنا نعيش، يقول في قصيدة «الجرح مفتوح»: «الحلم ماهوش زي السن بيعجِّز الحلم لما بنكبر علي كتفه نتعكِّز» والشاعر لا يكتفي فقط بالعبارات المبهمة والمعاني السرمدية للحلم وللوطن وإنما تجاوز هذا ليعيش معنا الأحداث المعاصرة التي نمر بها حتي ولو كانت أحداثا رياضية، بل إنه لا يرويها فحسب وإنما يربطها بحرفية شديدة بالواقع السياسي أيضا وكأنه لا يستطيع في أي كلمة أن يتخلي عن قضيته التي نذر لها دواوينه.. يقول مثلا في قصيدته «كل دورة وأنتم طيبين» «وإيه يعني انفعل ميدو؟ ما مجد الماضي هنعيدُه وهنجيب لك يا مصر الكاس ونشرب نخب الانتصارات وهيرفرف علم ورايات في إيد شربات بنات مغسولة بالشامبو وإيه ذنبه إذا العبَّارة واخدة شهادة الجودة» والشاعر يشكل المعاني والأفكار ليخرج بشكل جديد وفكرة جديدة، حتي ولو كان ساخرا منتقدا ذلك التبلد الذي أصاب الشعب.. يقول مثلا في قصيدته «هوه أنت بجد محايد»: التزم الصمت عبَّر ع الموضوع بهدوء خللي علاقتك بالأحداث الفرجة ع التلفاز إن كنت هتغضب ضيف ع النص صورة كلب بينهش جثث الناس قول إن المنظر يا حرام مرعب خالص وان خروج المخرج ع النص بيشكل كارثة علي الإنسان وبكل حياد اختار كلمات تشبه بيانات حركات السلم الآن وانسي حكايات حزب الله وحماس صراع ووجود حق وباطل هنكمل بعد الفاصل.