نجح «أحمد حلمي» في أفلامه الأخيرة في الابتعاد عن الأفكار المكررة والمضمونة والمألوفة والمستهلكة، لهذا يبدو دائماً متجدداً ومثيراً للدهشة.. يمتلك إرادة وحب المغامرة والتجديد والحرص علي وجود قيمة إنسانية داخل موضوع الفيلم، وهو أيضاً لا يبتعد في أعماله عن الحس الجماهيري، أو قانون الفيلم الكوميدي المسلي والبسيط الذي ينقل البهجة إلي جميع نوعيات المتفرجين. يتناول فيلمه الأخير موضوعا طازجا ومؤلما، وهو القيمة المفقودة لكرامة الإنسان المصري.. اسم البطل «مصري سيد العربي» يحمل دلالة لا تتعلق فقط بجنسية البطل، بل بانتمائه العربي وبريادته للعرب.. هذا الشاب الذي عاش 20 عاماً في الولاياتالمتحدةالأمريكية وعاد في زيارة قصيرة لوطنه مصر.. يجد نفسه في مغامرة في شوارع القاهرة يعيش تناقض قيمة وكرامة المواطن التي عاشها في المجتمع الغربي وبين الواقع في مصر.. البطل الذي يجسد شخصيته «أحمد حلمي»، يعود إلي وطنه بجواز سفره المصري، وليس الأمريكي، فخراً بوطنه وظناً منه أنه سيجد معاملة أهل بلده له أكثر حفاوة، لكنه يكتشف في المطار أن المصري هو أقل الجنسيات احتراماً في مصر.. الشاب المصري الذي يحمل جواز سفر أمريكي يعامل باحترام وتنتهي إجراءاته سريعاً، بينما يقف «مصري» في نهاية الطابور، وحينما يحضر أخيراً أمام الضابط ينظر له في شك، بل يتهمه بسرقة إحدي وسائد الطائرة قبل أن يتيقن أنها شنطة قماش بها لابتوب شخصي. الفيلم كتب السيناريو له «خالد دياب» في ثاني تعاون له مع «أحمد حلمي» بعد فيلم «ألف مبروك»، وأخرجه «خالد مرعي» في ثاني تعاون له مع حلمي بعد «آسف علي الإزعاج»، وفي «عسل إسود» نري استغلال السيناريو للتيمة الرئيسية التي تركز علي مجموعة المواقف والمفارقات التي يتعامل بها الأشخاص مع البطل تبعاً لجواز السفر الذي يملكه، يقدم السيناريو تنويعات كوميدية ساخرة علي هذا الأمر، لا يحتوي الفيلم علي حبكة درامية مهمة، القصة بمعناها التقليدي غائبة لصالح مغامرات البطل في شوارع القاهرة بجواز السفر المصري ثم الأمريكي، ثم بدون الاثنين وحينما يصبح مشرداً، الاستغراق في هذه المغامرات من عوامل ضعف الفيلم بعد مرور ثلثه الأول، حيث قال السيناريو كل شيء تقريباً وعبر «أحمد حلمي» عن حالة البطل ببراعة وخفة ظل، ولهذا هناك منطقة في وسط الفيلم يصبح كل شيء فيها مكرراً تقريباً، ولايعود للفيلم توازنه إلا في الثلث الأخير، حينما بدأت علاقة البطل بشخصيات ثابتة وهي أسرة «إدوارد» البسيطة التي استضافته، ومن خلال هذه الأسرة التي تمثل الطبقة المتوسطة المصرية بعد أن انحدرت بها الحال، يري البطل مصر من وجهة نظر مختلفة، خاصة حالة التكافل والحب التي يتعامل بها أفرادها معه ومع بعضهم البعض، وقد أجاد الممثلون لشخصيات الأسرة أدوارهم وبصورة خاصة «إنعام سالوسة» و«إدوارد» و«طارق الأمير». رؤية الفيلم حملت اتهامات صريحة للمجتمع المصري بانتشار الرشوة والنصب والاستغلال والروتين وانحدار التعليم، لكن السيناريو حرص علي تسليط الضوء علي بعض النماذج الإيجابية مثل الموظف الذي يرفض الرشوة بشدة، أو السائق المستغل الذي يتعاطف مع البطل ويساعده، وهو الدور الذي أداه بصورة معبرة «لطفي لبيب»، أيضاً مشهد موائد الرحمن ومظاهر التكافل في رمضان، تلك اللمحات صورت مذاقا خاصا لعلاقات الناس وترابطهم رغم الواقع الأسود، وهي تفسر عنوان الفيلم «عسل إسود». تألق بعض ممثلي الأدوار الصغيرة في مشاهدهم القليلة، منهم «إيمي سمير غانم» في دور مدرسة الإنجليزي، و«علاء زينهم» في دور الموظف الشريف، و«عبدالله مشرف» في دور الموظف المرتشي.. بعضهم كان يحتاج إلي مساحة أكبر، كما أغفل الفيلم عن عمد وجود بطلة رئيسية للفيلم، أو وجود خط درامي عاطفي للبطل الشاب، وهذا هو الفيلم الثاني علي التوالي الذي يقدم فيه «أحمد حلمي» فيلما بدون بطلة رئيسية بعد فيلمه الأخير «1000 مبروك». الموسيقي التصويرية للمبدع «عمر خيرت» كانت من عناصر جمال الفيلم، جاء توظيفها جيداً للغاية، فلم تكن مقتحمة أو صاخبة، بل يعلو صوتها في المشهد المناسب ولحظات الشجن الضرورية والمؤثرة. ديكور «محمد أمين» وصورة «سامح سليم» من العناصر الجذابة والمعبرة.