نائب رئيس مجلس الوزراء السابق: الجيش طوال التاريخ فى قلب الحركة الوطنية ..والمساس بكرامته جريمة عيسى فى صالون السناوى: المشير يعلو صوته عند حديثه عن حقوق الفقراء الدكتور حسام عيسى نائب رئيس الحكومة المستقيلة، قال إن مصر «تواجه حربا مستمرة هدفها إسقاط الدولة»، وإنه «إذا سقط الوطن فلا معنى للحرية». وكشف فى أول ظهور تليفزيونى له بعد الاستقالة، عن تقدم الببلاوى باستقالته لرئيس الجمهورية، عقب إقرار الدستور المعدل، إلا أنها «لم تُقبل». وروى لبرنامج «صالون التحرير»، فى ضيافة الكاتب الصحفى عبد الله السناوى، الذى بثته فضائية «التحرير» مساء أمس، تفاصيل آخر اجتماع للحكومة. وقال إن المشير عبد الفتاح السيسى تركزت أحاديثه فى مجلس الوزراء، ومع أعضاء الحكومة على ثلاثة موضوعات: «الفقراء» و«العدل الاجتماعى» و«وجود الدولة». بخلاف عيسى، شارك فى حوارات «صالون التحرير» جورج إسحاق، أول منسق لحركة كفاية. والمهندس أحمد بهاء شعبان، رئيس الحزب الاشتراكى المصرى. والمخرج السينمائى مجدى أحمد على. والكاتب الصحفى جمال فهمى، وكيل أول نقابة الصحفيين. والكاتب الصحفى عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة «الشروق». السناوى بدأ الحوار قائلا: عندما تستقيل الحكومة فمن حق الرأى العام أن يعرف لماذا استقالت ولماذا الآن؟ ثم سأل عيسى: بالنسبة لحسام عيسى المثقف والفقيه القانونى والمعارض العتيد منذ مطلع السبعينيات، نحن بحاجة إلى أن نستمع إليه فى مراجعة شاملة لأداء حكومة الدكتور حازم الببلاوى وإطلالة على المستقبل. نبدأ بلماذا استقالت الحكومة الآن؟ هل كانت مفاجأة لك أو لزملائك فيها، كما تردد على نطاق واسع؟ هل طُلب من الببلاوى أن يستقيل الآن؟ حسام: سؤال مشروع للغاية، لكن ليس لدىّ كل عناصر الإجابة، إنما سأعطيك ما أعرفه وهو قليل، بعد التصويت على الدستور بأيام طلب منى الدكتور حازم أن ألتقيه به، كنت فى المجلس الأعلى للجامعات، قال «تعالى نقعد عشان ندردش سوا». تحدثنا فى مسائل عامة، يبدو أنه كان يريد أن يتحدث إلى أحد فلم تكن هناك أمور ملحة، فسألته: أليس من الأفضل، بعد إقرار الدستور، أن تقدم الحكومة استقالتها، لأنها نهاية مرحلة أساسية، تشكل البنية التحتية للحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، ودليل طريق للمصريين لعشرات الأعوام القادمة، الأفضل أن نعطى السيد الرئيس الفرصة إذا كان يريد أن يختار وجوها جديدة للمرحلة الثانية والأخيرة، فرد بعفوية: «إنت متصور إن أنا ماعملتش كده.. عملت كده بالفعل، ووضعت نفسى والوزارة تحت تصرف رئيس الجمهورية، والرد كان.. القضية مش تغيير الوزارة بالكامل، وقد يكون من حقك فى المرحلة التالية أن تتقدم بتعديلات فى الوزارة وتغير الأسماء التى تراها لم تنجز فى هذه المرحلة». لم يلق عرضه قبولا، لأن ما فهمته من وجهة نظر الرئيس أن الأفضل أن يستمر رئيس الوزراء ويحدث تغييرات. بعد نصف ساعة ذهبت إلى مكتبى وكتبت استقالتى وأرسلتها للدكتور الببلاوى. السناوى: كان هذا يوم 18 يناير، منذ نحو شهر؟ عيسى: نعم.. كتبت الاستقالة دون أسباب، وقلت أريد أن أكون من بين من يخرجون من الوزارة عند التعديل الوزارى، لماذا لم أترك المنصب ولم أعلن الاستقالة، لأننى كنت أعتبر أن الإعلان عن الاستقالة دون قبول رئيس الحكومة، قد تؤول إلى أننى غير متفق مع الحكومة أو مع رئيسها، أو مع السياسات الجارية، وهذا غير صحيح، وقررت أن أترك له القبول. كان فى ذهنى، أنه فى لحظة التعديل سأعلن استقالتى لأضعه أمام ضرورة قبول استقالتى، لأنه قال لى إن التعديل قادم، هذا ما أعرفه. حين دعانى إلى اجتماع الحكومة، مساء الأحد، كنت مستغربا جدا أن الجلسة يوم الإثنين، لأنها تنعقد الثلاثاء أو الأربعاء، ومرة واحدة الخميس. التوقيت أثار عندى تساؤلات وأنا فى طريقى لمجلس الوزراء، وحين وصلت علمت بعد أول ثلاث كلمات للدكتور الببلاوى أنه قدم استقالته. قال ضاحكا: «عندى خبرين، واحد كويس وواحد مش كويس، الكويس إن الجلسة قصيرة للغاية، والوحش إن مافيش غدا فى مجلس الوزراء النهارده»، ففهمت فى ساعتها أنه قدم الاستقالة. لا أريد أن أقول لك أى راحةٍ أحسست بها فى تلك اللحظة.. راحة مذهلة. السناوى: كم مرة قدمت استقالتك والدكتور الببلاوى كم مرة؟ حسام: مرة واحدة. السناوى: مرة واحدة؟ والدكتور الببلاوى؟ حسام: لأ.. مرة أخرى سبقتها لوجود خلاف بينى وبين الدكتور الببلاوى وقدمت الاستقالة وقلت له.. بس بينى وبينه الحقيقة. ولا أستطيع أن أقول التفاصيل. قدمت الاستقالة ثم أزيلت أسبابها وتمت مصالحتى. الاستقالة الأخيرة كانت نهائية، وقلت له: «عمرى ماهاعلنها قبل أن تعلنها أنت»، وحين سألوه عن استقالتى، قال «اسألوه عنها». السناوى: د.حسام هناك تصريحات كثيرة قلتها، بعضها مع الأستاذ عماد حسين، أتذكر منها يوم 26 يناير قلت: أقسم بشرفى أننى لا أريد أن أبقى يوما واحدا فى الحكومة، واضح أن التجربة كانت مريرة. والدكتور الببلاوى قال إن مجلس الوزراء وافق بأغلبية مذهلة على الاستقالة؟ ما الظروف القاسية التى تدعو الحكومة إلى أن تشعر أنها استراحت بعد أن قُبلت استقالتها أو دُعيت للاستقالة.. المشكلات موجودة والتركة ثقيلة والضغط الإعلامى مستمر، والموارد قليلة.. نحن أمام مشكلة كبيرة فى المستقبل؟ حسام: الكل يعرف أننى حتى ساعات قليلة قبل حلف اليمين كنت رافضا لقبول الوزارة، والضغوط والمكالمات التى وردتنى من شخصيات أحبها جدا وأحترمها، سواء من شباب أو من كبار السن كانت هائلة، وكان كلامى «ليس هذا مكانى ولا أريد الوزارة»، واعتبروها «خيانة». وقلت «مش دى شغلتى ولا عايزها»، وحين قبلت دخول الوزارة، تصورت أنه فى هذه المرحلة الحرجة سيكون هناك شبه اتفاق، لن أقول مع المجتمع المصرى كله، لكن على الأقل مع طليعته، مع الطبقة السياسية، حول البديهيات، وهى طبيعة المرحلة، ما القضية الأساسية التى يطرحها التاريخ علينا، فى هذه اللحظة وكيف نواجهها؟ ولم أجد مطلقا ما يعطينا القدرة أن نستمر. وواجهت أيضا الإنهاك الشديد فى الإهانات من اليوم الأول، إهانات مستمرة وقائمة على أكاذيب كاملة، بعد ثلاثة أيام من دخولى الوزارة، الجرائد اليومية بما فيها «الشروق» و«المصرى اليوم»: «حسام عيسى يقرر إلغاء الحياة السياسية فى الجامعات»، ما هذا؟ ولم يمر أسبوع حتى قرأت: «حسام عيسى يفرض الضبطية القضائية على الجامعات». كلها أشياء مناقضة لتاريخى ولما أفعله وما أنا مهتم به، ففى أول أسابيع عملى اجتمعت مع حركة «9 مارس» لاستقلال الجامعات، وقلت لهم يا ريت نعمل قانون استقلال الجامعات، وأنا موجود ويكون شرفًا لى. المهم، بعد «الضبطية القضائية»، واجهت إهانات منها: «طابور خامس» و«خلية إخوانية»، وبعدين بقيت «حرامى سرق 169 مليون من الأموال المنهوبة وهو بيستردها»، عمرى فى حياتى ما استرديت مليم. السناوى: القضايا الحقيقية هى موضوع الحوار اليوم، وواضح أن حجم المرارات كبيرة، ليس عندك فقط، عند عدد كبير من الوزراء، والدكتور الببلاوى.. ما القضايا الأساسية التى كنت تتصور أن تكون محل اعتبار؟ حسام: من اليوم الأول فى الوزارة كان إحساسى أن مصر تمر بمرحلة بالغة الخطورة، فهناك معركة محورها الأول والأخير، هو إسقاط الدولة المصرية، أقول الدولة.. ولا أقول الحكومة ولا أقول السلطة، أقول الدولة كإطار مؤسسى يؤمن للوطن الوجود. وهذا معناه أن الوطن فى خطر. وبالتالى، كل الأمور الأخرى ينبغى أن ينظر إليها عبر منظور إنقاذ الدولة، وأن تقف ولا تسقط، لأنها لو سقطت سقط كل شىء، هذه هى القضية الأساسية التى لم أجدها عند الطبقة السياسية. وجدت ناسا تصرخ على «حكم العسكر»، أنا لم أكن أرى حكم عسكر وأنا فى الوزارة «بس مش مهم يمكن أنا أعمى». حقوق الإنسان فى خطر، أن ضابطا صفع مواطنا على قفاه وهو يعتقله، وهذه جريمة، وهو خطر وسيئ، لكن كل هذا يجب أن يُنظر إليه فى إطار المعركة الأساسية، لكى تحدد من هو العدو وما هى الأدوات، وما يخدم هذه المعركة وما لا يخدمها فى كل المسائل الأخرى. دخلنا فى مرحلة من الصخب الشديد على قضايا أراها «توقع من الضحك أو تبكى على حسب الموقف»، إنما القضايا المحورية ضاعت، فشعرت أن الحوار «أوفسايد»، وخارج الملعب. السناوى لحسام: أنت ترأست لجنة ثقافية فيها تسعة وزراء، هل تعتقد أنه كان إنجازا حقيقيا من الممكن تطويره مع الحكومة الجديدة أم أن اللجنة لم تأخذ وقتها لبلورة الفكرة الأساسية؟ حسام: الوزارة جاءت بعد ثورة هائلة، لمواجهة نظام كان يريد تغييرا، ليس فقط طريقة إدارة الدولة، وإنما طبيعتها وكيانها، وهناك معركة دائرة على الأرض، سواء فى الأيام الأولى أو بعدها بأسبوعين. حرب بكل معنى الكلمة فى سيناء، وفى الداخل عنف غير مسبوق، وحكومة تجىء فى ظل موارد غائبة، ويخرج أحدهم ليقول إن الحكومة لم تكاشف الناس، وأنا أسأل منذ متى ومصر عاشت على المعونات المباشرة القادمة «على عينك يا تاجر»، ويُكتب فى الجرائد أنه لولا هذه المعونات «كانت مصر وقعت»، معنى هذا الكلام أن مصر من الناحية الاقتصادية فى وضع بالغ الصعوبة، وكانت واضحة كثيرا للناس البسطاء، وغيّبها أصوات الأصحاب العالية. مصر فى أكبر أزمة اقتصادية فى تاريخها كله. كل هذا تم تناسيه، وأصبحنا نتحدث عن أن مصر كما لو كانت دولة مستقرة مثل هولندا أو فرنسا ومشكلاتها هى المشكلات العادية لهذه الدول. بلد منهك يخوض حربا فى الشارع كل يوم، وأنا أصر على قانون التظاهر وأدافع عنه حتى هذه اللحظة. القانون كان غرضه.. أنه مستحيل أن تقف البلد على قدميها فى ظل أناس مهمتهم اليومية الأولى هى قطع الشوارع، الطرق العامة والسياحية والتجارية، ما علاقة هذا بقضية حقوق الإنسان؟ هنا الدولة «بتسقط»، حولوها إلى قضية حقوق إنسان. ليست قضية حقوق إنسان، أولا ننظر لقضية الدولة، ثم ننظر لقضية حقوق الإنسان فى إطار مشروع إسقاط الدولة، ليس باعتبارهما أشياء متوازنة فى مقابل بعضها بنفس القدر من الأهمية. حسين: أسأل الدكتور حسام: إذا كان مفهوما أن الإعلام الإخوانى يريد تشويه صورتك فلهذا مبرر طبيعى، فكيف تفسر أن جزءا أصيلا من إعلام 30 يونيو يرتكب نفس الأمر فى حقك وفى حق الحكومة بأكملها؟ وإذا كان جدول الأعمال لم يكن به القضية الرئيسية، فبالنسبة للحكومة ما رؤيتكم ولماذا لم ترتبوا جدول الأعمال الصحيح وفرضتموه على المجتمع؟ الإخوان نجحت للأسف الشديد فى سرقة بعض شباب 30 يونيو وضمه إلى صفها، وهذا يخصم من رصيد الوزارة، كيف تقيم النجاحات والإخفاقات، وما الفارق بين حياتك كمعارض وحياتك كنائب لرئيس الوزراء؟ هل اختلفت لديك بعض القناعات؟ السناوى: حسام عيسى رجل الدولة ورجل المعارضة العتيد؟ عيسى: أولا، منذ يومين كنت أستمع لأحد البرامج الحوارية، شاهدت شابا يتحدث بطريقة محترمة، يقول إن الناس الذين كانوا من المفترض أن يمثلوا الثورة تغيرت لغتهم ومنطقهم حين دخلوا الحكومة، أعتقد أن المفاهيم التى عرضتها فى كل مواقفى لم أتغير عنها طوال حياتى، وبالذات منذ 25 يناير. مثلا: إيمانى العميق الذى قلته إن القوات المسلحة هى فى قلب الحركة الوطنية فى تاريخها دائما، من إبراهيم باشا حتى جمال عبد الناصر، ثم حتى حرب أكتوبر، قلتها طول فترة الثورة وأنا أقف ضد هتاف «يسقط حكم العسكر»، وقلت هذا هتاف «غير كريم». أنا دخلت فى حكومة 30 يونيو، فى ظل مفاهيم مضحكة أن شخصا ما يحكم من وراء الستار، هذا «كذب كامل». السناوى: مين يا افندم؟ عيسى: كان يقال إن الفريق السيسى يحكم من وراء الستار، وأنا قلت فى إحدى الفضائيات، الرجل لا يتحدث فى مجلس الوزراء إلا قليلا جدا.. اثنين.. السناوى مقاطعا: استوضاح مهم.. متى كان يتكلم السيسى؟ عيسى: سأقول.. سأقول.. لم يكن يتكلم إلا قليلا، وحضرت واقعة يوم حلف اليمين التقيت الفريق السيسى. والتقيته قبلها، مرة واحدة فقط. «مخاطبا السناوى»، أنت تعلم وهاتفتك وقلت لك، وقابلت الأستاذ هيكل بعدها بيومين وسألنى سؤال: انطباعاتك إيه؟ فقلت: أهم شخصية فى المجلس العسكرى قابلتها هو السيسى، وقلتها لك فى التليفون، وأنت طلبتنى بعد أسبوعين وقلت لى فى التليفون، لو تذكر، أن الأستاذ هيكل ذهب للقاء الفريق السيسى، فقال له أنا أذهب إليك وجلس معه عدة ساعات.. حدث أم لا؟ السناوى: سبع ساعات. عيسى: وأنت قلت لى سبع ساعات، هذه الواقعة كانت فى مايو أو أبريل 2011. مع ذلك، حين التقيته يوم حلف اليمين، نظر لى من بعيد وقال: هو إنت معانا؟ وأنا قلت بينى وبين نفسى: إيه ده.. هو مايعرفش أسماء الوزراء. لأنى كنت تحت نفس الانطباع،.. هما اللى بيلعبوا الدور الأساسى، أنا أتحدث بمنتهى الوضوح والشفافية. ولم نكن دخلنا لحلف اليمين وذهبت إلى حازم، وقلت له: يا دكتور حازم ألم تعرض الأسماء على الفريق السيسى، فقال لى: لا، وأنا الآن بصدد اختيار وزير العدل، وهو لا يعرف وزير العدل القادم، ولا عمر حد طلب منى الأسماء، ولا عمرى عرضتها على واحد. الرجل كان يكرر لكل الوزراء فى كل مرة: يا جماعة أرجوكم، الكلام الذى يقال فى الخارج غير صحيح، أنا مجرد وزير دفاع، وزير فى وزارة ولى صوت واحد، واوعوا تصدقوا الكلام اللى بره، ما أقوله هنا.. هو الكلام الوحيد الذى أقوله فى شؤون هذه الوزارة. وحين كان يتدخل، كان يتدخل قليلا جدا، وفيه جلسات بكاملها لا يتكلم، وكان يتدخل فى المسائل الآتية: المسائل المتعلقة بحقوق الفقراء والعدل الاجتماعى، وكان يعلو صوته فيها، بشكل هائل، يتكلم بقوة وباندفاع ويخبط ع الترابيزة. السناوى: بيخبط لمين.. فيه وزراء مثلا ليهم ميل ليبرالى يمينى؟ عيسى: لا.. بيخبط لما بيلاقى إن هناك محاولات للتأجيل سواء باسم الدراسة باسم الحساب.. يقف ضدها، عندما يرى أن الموضوع استكمل من وجهة نظره، وأحيانا يرضخ بعدما يقرر. مرة ثار جدا فى قضية الحد الأقصى للأجور، واحتد جدا ثم عاد، وقَبل أن يرضخ لمنطق بعض الوزراء وعلى رأسهم الدكتور الببلاوى، ووافق على أن يؤجل وجهة نظره فى هذا الموضوع. أنا أجلس بجوار الفريق السيسى، وبعدين رئيس الوزراء، ودكتور زياد بهاء الدين فى الناحية المقابلة، وعلى يمينى وزير الداخلية. وفى إحدى الجلسات مال السيسى ناحيتى وقال لى: رجاء خفف لا تقسو على الدكتور الببلاوى فى هذه النقطة ونؤجلها، كنت أخذت الكلمة قبله وتحدثت فى نفس الاتجاه قبل أن يتكلم، لا أحد يعتقد أننى أتحدث بعده متأثرا بما يقول، بكل الاحترام لهذا الرجل. وقلت لك: حسنا سنؤجل الحديث فيه. السناوى: الفقراء وماذا أيضا؟ عيسى: العدل الاجتماعى وقضية الدولة. وجود الدولة والحرص عليها واستمرارها، وأيضا هناك أشياء لا يستطيع الإنسان أن يقولها إلا حين يستئذن. أريد أن أقول شيئا: أنا خرجت من العمل الوزارى والحكومى، ولن أقترب منه لا من قريب ولا من بعيد بعد ذلك إطلاقا. أنا أديت دورا فى الثورة وقلت إنها أعادت إلىّ الحياة لأننى كنت ميتا فى عصر مبارك. هذا الرجل، ولست محتاج إلى أن أنافق ولا أى شىء، ربما هو أكثر بنى آدم رأيته رجل دولة مكتملا منذ جمال عبد الناصر، كنت أشعر بشدة الاحترام له طوال حديثه، كلما يتخذ موقفا دون أن يحاول أن يفرض رأيه إطلاقا، وينتهى يقول: يا جماعة أنا آسف أنا مجرد واحد منكم، أنا لى رأى فى هذا الموضوع، يعتذر حتى عن اندفاعه فى الحماس لقضايا مهمة جدا مثل قضايا العدل الاجتماعى. أنا أقول هذا لأننى أعتقد أن هذا الرجل، وبكل الاحترام له، يستحق الشعبية التى نالها من الشعب. موقفى من الجيش، ثابت من أول يوم، ومن قبله، ويشهد علىّ هذا الرجل «يشير إلى مجدى أحمد على»، كان حاضرا جلسة وزارة الثقافة، حيث كنت أذهب إلى اعتصام وزارة الثقافة وحين خرجت فى مظاهرة 30 يونيو خرجت من هناك، اخترت وزارة الثقافة لأنها كانت معقلا لصناعة الثورة، أذكر قبلها بأسبوع أو ستة أيام، حضرت فقالوا لى إن لديهم اجتماعا ولا بد أن أحضره، وكان غالبية المثقفين والفنانين حاضرين، قلب مصر وعقلها، وقلت لهم إننا سنخرج يوم 30 يونيو لنتخلص من هذا الحكم، لكن ألم يسأل أحد عن السؤال المحورى الآتى: متى نعلن أن الثورة انتصرت؟ ولم يجب أحد. فأجبت بنفسى: هى اللحظة التى ينضم فيها الجيش إلى الثورة، وبوضوح، وقلت لا شىء آخر يستطيع أن يهزم الجماعة إلا انضمام الجيش.. يبقى انتصرت الثورة، وإن لم ينضم يبقى موقفنا بالغ الصعوبة. وكتبت فى «الشروق» مقالة «لم تكن دولة وإنما كانت تنظيما عصابيا»، يومها كان مبارك ما زال فى الحكم، واتصل بى الأستاذ فهمى هويدى، وقال لى: إيه اللى إنت بتكتبه ده مبارك لسه فى الحكم. لأننى آمنت لحظتها مش لأننى شجاع أوى، إنما أن الثورة انتصرت. السناوى: القضية الثانية فى سلسلة الأسئلة؟ عيسى: نعم.. القضية الثانية هى، ما الذى تغير فى الموقف الشخصى، لم يتغير، أصبح فهمى أكبر لقضية أنا أعلمها من زمان، ومن قبل الثورة، وأصبحت أشد إيمانا بأهمية الحفاظ على الدولة، من أى شىء آخر، أنا طول عمرى وطول حياتى مؤمن، ولا أكذب، أننى أؤمن بالعدل قبل الحرية. السناوى: لكن فى عصرنا لا بد أن ترتبط قضية الحرية بقضية العدل. عيسى: معلهش، كل هذه القضايا مهمة، لكنها تدور فى فلك القضية المحورية التى ينبغى أن تفرض منطقها عليها، وإلا يبقى إحنا مش فاهمين يعنى إيه دولة، ولا يعنى إيه قضية محورية ولّا إحنا اتعلمنا من التاريخ، لا أقول إن هذه القضية تتضاءل ولا تختفى إنما إذا القضية المحورية لم تفرض منطقها، غير ذلك نضيع. جورج: أنا مع الدكتور حسام فى حتمية الحفاظ على الدولة بكل المعايير، لكن هناك خيطا رفيعا بين الحفاظ على الدولة وبين أن تفقد رصيدا من الشباب. حسام: تقول لى الشباب والرصيد، وعينك عليهم، وهذا حق. هؤلاء أولادنا الذين أعادوا لنا حياتنا فى 25 يناير، لكننى يوم التصويت على الدستور ذهبت للإدلاء بصوتى، فاستوقفنى عشرات المواطنين يلومون ضعف الحكومة، وعاملونى بغاية القسوة «لأنك ضعيف ومهلهل ولا تضرب بقوة لأنه لم يعد هناك مجال». الشرطة من حقها تقف خارج أسوار الجامعات، وتدخل بكثافة فى حالة ارتكاب جريمة من جرائم القانون العام، ومنها وقف مرفق عام، أو منع الدراسة، وكل هذا لأحافظ على الشباب، وحين قالوا حرس جامعة، قلت سأفقد رصيدى من الشباب وسأضمهم للإخوان وهذا خطأ. أنت تعمل فى مجتمع غالبيته تطالبك بأن تضرب بقسوة، فى كل مكان نزلت فيه، لم يقل لى أحد إننى أهدد الحريات بقانون التظاهر، لكن المئات من البسطاء الذين قابلتهم كانوا يشتمون الحكومة، وأحدهم قال لى إن ابنته لم تذهب للجامعة «من أمثالى المرعوبين من الإخوان، وغير القادرين على الحفاظ على البنات والأولاد». خيط رفيع جدا تمشى فيه الحكومة وسط ضغوط لا مثيل لها، وأكبر ضغط هو الحصار الخارجى، ومن يريد أن يتكلم عن الحكومة، انظر كيف كانت مصر بعد 7 أيام من 30 يونيو، والحصار العالمى عليها وموقفها اليوم. السناوى: الاحتجاجات الاجتماعية الواسعة سبقت استقالة الحكومة، وقيل فى ما قيل إن انخفاض شعبية الحكومة قد يؤثر على شعبية المشير السيسى، لهذا جرى التغيير.. هذا اعتقاد عام، الناس تريد أن تعرف ماذا حدث، فهل كان فيه انسجام داخل الحكومة حول العدالة الاجتماعية، وهل كانت تخشى مواجهة رجال الأعمال بتطبيق الحد الأدنى للأجور فى القطاع الخاص؟ حسام: الحكومة جاءت لإتمام خارطة الطريق، هذه هى القضية الأساسية، حتى الحزب الوطنى على كل فساده وانحطاطه، كنا مجموعة وزراء وليست حكومة، وليس لديها وحدة مشروع أو هدف، وقلت هذا فى مجلس الوزراء والكل أيدنى، الحكومة هى التى تنبع من نضال سياسى متصل. السناوى: ما أسباب خلل معايير تطبيق الحد الأدنى للأجور؟ حسام: الموافقة على الحد الأدنى للأجور لم تستغرق نصف ساعة فى لجنة العدالة الاجتماعية، وقال وزير المالية إن دور حكومتنا أن نصل بالبلد للحكومة القادمة، بأقل قدر من عجز الموازنة لتستطيع أن تعمل ولا تقع فى مأزق، فلا بد لسياستنا أن ترتكز على خفض العجز من 14.5% إلى 10%، وكانت وجهة نظره فى العدالة الاجتماعية هى خلق فرص عمل، لأنك تتكلم فى الحد الأدنى عمن يتقاضى أجرا، وتنسى كل من لا يعمل. حسين: هل حد فى الحكومة اعترض على مبلغ ال1200 للحد الأدنى؟ حسام: أقول لك ما حدث.. بدأنا نحسبها وكانت الآراء إما 1000 أو 1200 وحين أخبرنا وزير المالية بأن التكلفة الإجمالية فى حدود 24 مليارا، تمت الموافقة على مبلغ ال1200. حسين: السؤال حول دور الدولة والمعارضة وحقوق الإنسان، كيف نكون مؤيدين فى معسكر 30 يونيو وننتقد بعض ممارساتها ولا يصب ذلك فى مصلحة الإخوان، نتحدث عن قمع بعض مظاهرات الطلبة وما حدث فى أبو زعبل. النقطة الثانية: عندما تقوم بتسليم ملف التعليم الجامعى لخليفتك المقبل، ما نصائحك له، ولمن ستعطى صوتك فى الانتخابات إذا ترشح المشير السيسى خصوصا أن علاقتك بصباحى جيدة؟ حسام: كان غضبى دائما على الفضائيات أنهم كانوا يسألوننى عن المظاهرات، ولا يسألوننى عن التعليم فى بلد مستقبله كله مرهون به، وبابى ظل مفتوحا لاستقبال كل شباب الثورة، وكان لهم موعد محدد كل أسبوعين، ورئيس اتحاد طلاب مصر يدخل فى أى وقت، عدا لو كان معى سفير أجنبى، ولم أتأخر عن الطلاب يوما بما فيها الإفراج عنهم، وقلت لهم لا تطلبوا منى المستحيل إذا صدر بحق أحد حكم بحبسه من القضاء، لكن قبل ذلك نستطيع، وفعلت ذلك أكثر من مرة. وتدخلت للإفراج عن طالب من الإخوان المسلمين كان فى طريقه للصين لزرع كبد، وتمكنا من إطلاق 9 من شباب حزب الدستور بسوهاج، تم حبسهم بسبب خرق قانون التظاهر، واتصلت بوزير الداخلية ليفرج عنهم فقال: أنا نازل أطبق القانون، فقلت له إن الشباب غير مشاغبين وأعرفهم بالاسم، ولم أكن أعرف أيا منهم، وانتهى الأمر بالإفراج عنهم. وكل مرة كان الطلبة ما زالوا فى قسم الشرطة تم الإفراج عنهم، لكن إذا كانوا فى ولاية قاضى التحقيق أو النيابة لم أكن أتدخل مطلقا. السناوى: حتى بعد الحكم القضائى الأخير بشأن الحرس الجامعى؟ حسام: القضية ليست حكما، وإنما وزير الداخلية لا يريد أن يضع الضباط فى مواجهة مع الطلبة، وتنفيذ الحكم يعود إلى الحكومة فهى التى تدير وتحدد. نعود للتعليم، عندما دخلت إلى الوزارة فرضت علىّ عدة ملفات، لكننى اخترت الملفات الآتية: المستشفيات الجامعية المجانية، وهى فى حالة انهيار كامل، ولا توجد لها موارد مطلقا، وتعالج 18 مليون مواطن سنويا.التعليم الجامعى بكل المعايير فى تدهور هائل والبحث العلمى منهار. والتعليم الفنى، دونه، لا نهضة إنتاجية، هذا كان محور نجاح كل الدول، مثل ماليزيا وتركيا والمانيا، ليس لدينا تعليم فنى، هناك فساد كامل يأكله من أسفله إلى أقصاه. السناوى: من حق الرأى العام يعرف حقيقة استقالة الحكومة وأين أنجزت ولماذا أخفقت؟ عيسى: أعتقد أن جزءا من حزن الببلاوى أنه لم يعامل باحترام، ليس فقط من قبل الإعلام، إنما كان ينبغى حين قدم استقالته أن تقبل فى هذه اللحظة، لا أن ينتظر حتى يُقال، ده أبسط قواعد الاحترام لرجل فى مكانه ومكانته، وهذا ما أحزنه وما أحزننى، رغم أننى قدمت استقالتى منذ 3 أسابيع، إنما أنا حزين جدا.