للعام السادس.. جامعة بورسعيد ضمن أفضل جامعات العالم في تصنيف التايمز 2026    المشاط تبحث مع مدير إدارة الشرق الأوسط بالمفوضية الأوروبية تفعيل ضمانات الاستثمار في مصر    بمشاركة 22 جامعة مصرية حكومية وخاصة.. اختتام برنامج محاكاة قمة المناخ COP30    قرار جديد من الجمارك المصرية.. إعفاء لهاتف واحد فقط لكل مسافر كل 3 سنوات    مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي وبداية فصل الشتاء 2025    مع وقف إطلاق النار.. الفلسطينيون يتحركون بحرية بين شمال غزة وجنوبها    وزير الأوقاف ينعى شقيقة المهندس إبراهيم محلب    توروب: فضّلت الأهلي على عروض كثيرة.. وأدرك حجم الضغوط    انضمام المحترفين جوناس الملاح وكريم حسنين لمعسكر منتخب 2007.. وموهبة ثالثة في الطريق    السيطرة على حريق بمصنع جلود على طريق المحمودية في الإسكندرية    «الداخلية»: ضبط شخص اعتدى على زوجة شقيقه وحطم محتويات شقتها بالدقهلية    9 خطوات لحماية «الراوتر» من الاختراق    الموسم السابع والأخير من "المؤسس عثمان" ينطلق أكتوبر 2025    «قلبي قالي».. ياس سوروب يتحدث عن سبب اختياره تدريب الأهلي    بالأغاني الوطنية.. قصور الثقافة تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر على مسرح السامر    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز ال30 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    «أوقاف المنيا» تعقد 109 ندوة علمية في «مجالس الذاكرين» خلال أسبوع    الطرح الجديد لوحدات «جنة» و«سكن مصر» 2025.. أسعار مميزة وأنظمة سداد مرنة للمواطنين    تواريخ هامة في حياة الفائزة بجائزة نوبل للسلام    الحسابات الفلكية تكشف أول أيام شهر رمضان المبارك لعام 1447 هجريًا    وحدة الحساسية والمناعة بمستشفى صدر الزقازيق تستقبل 9000 حالة منذ إنشائها    هيبتا 2 يحتل المركز الثاني في شباك التذاكر وإيراداته في يومين تصل إلى 7 ملايين و365 ألف جنيه    أوليفر جلاسنر يتوج بجائزة مدرب الشهر في الدوري الإنجليزي    معاريف: نتنياهو يسعى لاستثمار زخم اتفاق وقف النار لتقديم موعد الانتخابات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 10-10-2025 في أسواق محافظة الأقصر    إصابة 9 أشخاص وأضرار واسعة بأنحاء كييف بسبب غارات روسية    شاب يقتل عمه داخل سيارته لخلافات مالية في طنطا    مطالب بحوار مجتمعي قبل فرض ضريبة على المشروبات الغازية    «الخريف موسم العدوى».. كيف تحمي نفسك من الفيروسات الهوائية؟ (فيديو)    تفاصيل أسعار تذاكر دخول المتحف المصري الكبير قبل الإغلاق المؤقت    "إدارة الصراع والضغوط والقلق النفسي" ندوة توعوية لجامعة قناة السويس بمدرسة أم الأبطال    العثور على جثة سيدة مصابة ب3 طعنات داخل الملاحات بالإسكندرية    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    إعلام إسرائيلى: الحكومة ستجرى تصويتا هاتفيا على استبدال أسماء 10 أسرى فلسطينيين    الداخلية تكشف حقيقة صور صبية يتعاطون المخدرات ويتحرشون بفتيات فى الدقهلية    تغييرات بالجملة فى تشكيل منتخب مصر أمام غينيا بيساو    قرارات جمهورية مهمة وتكليفات قوية ورسائل نصر أكتوبر تتصدر نشاط السيسي الأسبوعي    «صحة الشرقية»: فحص أكثر من 65 ألف طالب ضمن مبادرة «علاج أمراض سوء التغذية»    إقبال ضعيف على انتخابات التجديد النصفي بنقابة الأطباء (صور)    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق إنهاء الحرب في غزة.. وبرنت يسجل 65.15 دولار    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سنجتهد الانغفل عن ذكر نعم الله علينا!?    الشيوخ الأمريكي يلغي تفويض حرب العراق بعد 22 عاما من الغزو    المغرب تضرب موعدا مع الولايات المتحدة فى ربع نهائى مونديال الشباب.. فيديو    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    طولان يقرر عودة ثنائي منتخب مصر الثاني إلى القاهرة بعد تعرضهما للإصابة    «ربنا يسهل وإن شاءالله يجي».. رد مفاجئ من وليد صلاح الدين عن اللاعب الذي يتمنى انضمامه ل الأهلي    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    اليوم.. انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء بالبحيرة لاختيار 4 أعضاء    خوفاً من السنوار.. لماذا صوت بن جفير ضد قرار انتهاء الحرب في غزة؟    أهم 30 دقيقة أعقبت إعلان إنهاء الحرب.. لماذا تأخر القرار حتى منتصف الليل؟    السيسي يُحمّل الشعب «العَوَر».. ومراقبون: إعادة الهيكلة مشروع التفافٍ جديد لتبرير الفشل    نقابة أطباء الأسنان بالدقهلية توضح ملابسات وفاة شاب داخل عيادة أسنان بالمنصورة    نصائح للأمهات، طرق المذاكرة بهدوء لابنك العنيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاتم صادق يكتب: هل تنبَّأ «خالد محمد خالد» بسقوط الإخوان؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 01 - 03 - 2014

كان الصوت الوحيد من بين 250 عضوًا بالمؤتمر الوطنى للقوى الشعبية الذى انتقد أمام عبد الناصر مواقف الثورة من الحرية
من الظلم أن لا يتذكر الناس لخالد إلا «خلفاء الرسول» و«رجال حول الرسول» وينسون مؤلفات كشفت عن عقلية مفكر حر وجرىء
فى آخر يوم من فبراير 1996 غيّب الموت عن عالمنا جسد الكاتب والمفكر الإسلامى الكبير خالد محمد خالد، أحد فرسان الكلمة والفكر والموقف.. غاب الجسد وبقى الأثر، فقد ترك لنا الراحل العظيم مجموعة من المؤلفات المهمة فى مجال التاريخ والفكر الدينى والفلسفى والسياسى.. امتاز فيها جميعًا بشجاعة الطرح والقدرة الفذة على النقد الذاتى، واكتشاف مواطن الداء فى البناء الفكرى للأمة، والمهارة والدقة فى وصف الدواء وإن كان مرًّا وغير مستساغ من أصحاب العقول الضيقة الذين تطيب لهم الحياة مع الركود، فاستناموا للتقليد والجمود على الموجود.

وأحب أن أقرر بداية، أن المشكلة الكبرى التى يواجهها الباحث والدارس لفكر وأعمال وحياة كاتبنا العملاق هى الحيرة فى تحديد ما ينبغى التوقف معه وأمامه.. فحياة الرجل كانت حافلة بالمواقف والأحداث وشخصيته مجموعة من المواهب والقدرات والملكات والإشراقات.. فأنت أمام كاتب من العيار الثقيل، اتسمت كتاباته بأسلوب أدبى رشيق تميز فيه الرجل وأبدع. كان يكتب وكأنه يعزف، وله قدرة فائقة على التصوير والنفاذ إلى جوهر الأشياء، وصياغة الأفكار بسلاسة ومتعة واقتدار، فاستحق بجدارة أن يكون «موسيقار الأفكار» وهو اللقب الذى أطلقه عليه الكاتب الكبير رجاء النقاش.

وأنت أمام مفكر عميق ومثقف واسع الاطلاع وخلفيته المعلوماتية لا حدود لها.. وأعتقد أنه من الظلم البين أن لا يتذكر الناس لخالد محمد خالد إلا «خلفاء الرسول» و«رجال حول الرسول».. وينسون كثيرا من مؤلفات الرجل التى كشف فيها عن عقلية مفكر حر وجرىء، يحاول أن يلقى حجرا فى المياه الراكدة، أو يغرّد خارج السرب، قد يصيب وقد يخطئ، المهم أنه فى كل الأحوال كان صادقًا مع نفسه.. ومن هذه المؤلفات التى حملت لنا باقة من الأفكار التقدمية والمستنيرة والمثيرة للجدل والنقاش: «من هنا نبدأ»، «الديمقراطية أبدا»، «لكى لا تحرثوا فى البحر»، «هذا أو الطوفان»، «مواطنون لا رعايا»، «دفاع عن الديمقراطية»، «أفكار فى القمة»، «الدين للشعب»، «فى البدء كانت الكلمة»، «معًا على الطريق محمد والمسيح»، «الوصايا العشر».

فى كل سطرمن هذه الكتب يعيش القارئ مع حالة بديعة لعالم أزهرى تخرج فى كلية الشريعة، يزاوج بعبقرية بين الحداثة والإسلام، ويتصدى بمنطق وعقلانية لدعاة النكوص إلى الماضى فكرا وقولا وعملا وسلوكا.. ويكفى أن نتوقف مع كلماته فى كتابه «لكى لا تحرثوا فى البحر»: «إن وصل الأمة بالتقدم الإنسانى رهن بطبيعة الموقف الذى تقفه بين الماضى والمستقبل. ونحن كقوم نحاول أن نكون راشدين، علينا أن لا نهدم الماضى وفى نفس الوقت علينا ألا نرتبط به، بل نتخذه وسيلة وموردا لمستقبل متطور وحياة متقدمة ونامية. أما الذين يريدون لنا أن نُحكم من داخل القبور فجدّ مخطئين. فالتحيز إلى الماضى عمل يرفضه الماضى نفسه، لأنه يفقد وجوده وموضوعيته فى نفس اللحظة التى نعزله فيها عن حاضر الزمان ومستقبله. والإسلام إنما انتصر ورسخ، لأنه كان فى أيامه الأولى يمثل مدنية جديدة، مدنية أخلاقية على الأقل. وأن المرسلين كانوا يمثلون طلائع المستقبل والغد».

وفى تحذير من خطورة السير عكس حركة التاريخ ومعاندة مسيرة التقدم ومعاداة المدنية الحديثة، يختم خالد كتابه بقوله:

«لن تصاب أمة برذيلة تنهش روحها وتجرف مصيرها مثل رذيلة الانفصال عن التاريخ. فاحذروا أن تفعلوها. واعلموا أن بربرية الجسد والفكر والروح ضريبة التخلف والنكوص عن التقدم. ومهما تبذلوا من محاولات التفوق والنهوض فلن تستقيموا على الطريق حتى تولوا وجهكم شطر المدنية الإنسانية... إن كل تخلف انتحار وانقراض، والمدنية لن تحس بخسارة إذا آثرتم أن تنقرضوا. وأيضا لن تقدروا، ولو كنتم ملء الأرض أن تطمسوا مشعلها المغروس فى عزيمة الزمان.. هيا ضعوا أيمانكم فى يمينها، واعلموا أنكم إذ تمضون معها إنما تمضون مع عقل التاريخ وإرادته».

نم واطمئن يا أستاذ خالد فقد أديت ما عليك، أما نحن وبعد مُضى ستين عاما على كلامك هذا، فملتزمون بالسير عكس التاريخ، وفى خصام تام مع المدنية وقطيعة متعمدة مع كل قيم التقدم!!

والآن ننتقل إلى الملمح الأبرز فى حياة وفكر ومواقف مفكرنا الكبير، وهو موقفه من الحرية والديمقراطية، فقد كان رحمه الله عاشقا للحرية ومدافعا نبيلا عن الديمقراطية، بحيث لا أبالغ إذا قلت إن موقفه منهما يمثل «القضية المحورية» فى حياة الرجل وكتاباته وتوجهاته.

كتب كثيرا عن الحرية وكان مؤمنا بأن الحرية هى مفتاح الإصلاح وأول طريق البناء. ووفقا لما ذكره خالد محمد خالد فى مذكراته الشخصية الرائعة «قصتى مع الحياة» وأيضا ما كتبه عنه نجله الكاتب محمد خالد أن جمال عبد الناصر ورفاقه فى مجلس قيادة الثورة كانوا قد قرؤوا كتبه قبل الثورة، وتحمسوا لها لدرجة أن عبد الناصر كان يشترى مئات النسخ من كتاب «مواطنون لا رعايا» -من جيبه الخاص- ليوزعها على الضباط الأحرار، ومع ذلك لما قامت الثورة، لم يكتف الكاتب الكبير بتأييدها وفقط، بل وقف فى شجاعة متألقة، مطالبا حكومتها بتطبيق الديمقراطية، فكان صدور كتابه «الديمقراطية أبدًا» بعد 6 أشهر فقط من قيام الثورة.

وقد صدر خالد كتابه هذا بتلك العبارة الرائقة «إن أفضل علاج لأخطاء الديمقراطية، هو المزيد من الديمقراطية».

وفى كل سطر من سطور هذا الكتاب القيم، تطالعنا صورة الشاب الثائر خالد محمد خالد الذى يغنى للحرية وينادى بإشاعة الديمقراطية فى مصر وسائر البلاد الإسلامية، كشرط للنهوض بحياة شعوبها. فتحت عنوان «لا مساومة على الحرية» يقول: «لسنا دون أحد حرصا على رخاء بلادنا، وبناء مستقبلنا واستقرار النظام والعدالة فينا. ولكننا نختلف مع الآخرين فى السبيل المفضية لهذه الغاية. فنحن نرى الحرية أفضل الطرق وأزكاها، إن لم تكن أوحدها، ولقد أفاء التاريخ علينا كثيرا من تجاربه، فإذا هى تؤكد أن الهدوء الذى يلهمه الخوف، ليس نظاما، بل تربص، وأن الاستقامة التى يولدها الإكراه، ليست فضيلة، بل كبت، وأن الوثبات التى تنتهى إلى حكم مطلق لا تخلق نهضة إنما تفضى إلى خيبة جديدة، ويأس جديد.

والشعوب التى تدخل مع حاكميها أو مستعمريها فى مساومة على حريتها توقّع فى ذات الوقت وثيقة عبوديتها، وتقيم البرهان الأكيد على أنها لا تزال فى مهد الوجود، ولا تزال عاجزة عن أن ترى بعينيها وتسمع بأذنيها وتسعى على رجليها».

وفى موضع آخر من نفس الكتاب يطرح خالد السؤال المهم: أليس الإصلاح ممكنا فى ظل الديمقراطية؟ وهل الحكم المطلق شرط لقيام النهضات؟ ثم يقدم الإجابة بنفسه مستفيضا فى أكثر من 17 صفحة ننقل منها: «إن الديكتاتور بحكم السلطة المطلقة التى يقبض عليها بيده يكون فى معظم الأحيان أقدر على التنفيذ والحسم من الحاكم الديمقراطى»، وبعد هذه الحقيقة ينبه أن «السرعة التى يتسم بها الحكم المطلق فى تنفيذ إصلاحاته إنما تتم إذن على حساب شىء ثمين هو إرادة الشعب. وحتى لو جاءت هذه الإصلاحات وفق هواه فإن عزله عن اختيارها ومناقشتها ووضع القوانين الخاصة بها يفقده أهم مقومات تقدمه وارتقائه وهو التربية السياسية».

وبعد ذلك كان اللقاء الأول والمباشر بين خالد وجمال عبد الناصر سنة 1956، بدعوة من عبد الناصر، وفى منزله، وحسب مذكرات خالد فقد «كان اللقاء ودودا واستمر لمدة ساعتين ونصف، لم تضع منها دقيقة واحدة فى غير الحديث عن الديمقراطية».

أما اللقاء الثانى الذى جمعه بعبد الناصر، فكان فى سنة1961، وذلك ضمن فاعليات اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطنى للقوى الشعبية، حيث وقف خالد لينتقد مواقف الثورة من قضايا الحرية والديمقراطية، وعارض ما أراد عبد الناصر القيام به من إجراءات استثنائية ضد من أسموهم -حينئذ- ببقايا الإقطاع، وأعداء الشعب. فكان هو الصوت الوحيد الذى ارتفع طالبا لهم -بدلا من العزل السياسى- «العدل» السياسى. ولما أخذ التصويت فى المجلس على من يعترض على إجراءات العزل السياسى، كانت يده هى الوحيدة التى ارتفعت فى سماء القاعة التى ضمت مئتين وخمسين عضوًا. وفى حضور عبد الناصر أكد خالد أن الديمقراطية هى الحل، ووجه كلامه إليه قائلا: «أقسم لو أننى لا أراك أهلا لهذا الكمال -السياسى- الذى أرجوه لك ما وجهت إليك كلمة نقد واحدة، إننى أحبك وأحترمك... وأعرف لك مواقف جليلة كحاكم نزيه عادل، ولكن الشىء الذى يحز فى كبدى ونفسى أن خصومك وخصومنا لا يجدون ما يقولونه سوى حجة واحدة: أين البرلمان؟ أين الدستور؟ أين المعارضة؟».

ثم جاء عصر السادات، وحسب وصف خالد محمد خالد فى كتابه «لو شهدت حوارهم لقلت»: «فغشيه نفس الخوف من الحرية ومن الديمقراطية، وكل الإجراءات الكليلة التى اتخذها من أجل تحقيق الديمقراطية لم تصدر عن إيمان، بل عن رغبة فى مسايرة الغرب الديمقراطى.. وجاء بعده مبارك، فأحدث فى الديمقراطية بعض التوسعات لا لحساب الديمقراطية كمبدأ ونظام، بل لحساب حكمه وحزبه، وكان كسابقيه يخاف من الحرية، ومن ثم فهو يعطى الديمقراطية بقدر أو على حد تعبيره جرعة.. جرعة».

هل تنبأ خالد محمد خالد بسقوط الإخوان؟

من المواقف النبيلة فى حياة خالد محمد خالد أنه ورغم خلافه الفكرى مع جماعة الإخوان فإنه عندما دب الخلاف بين الإخوان المسلمين وجمال عبد الناصر، رفض النيل من رموز الإخوان عندما زج بهم فى المعتقلات، وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بأن لا نجهز على جريح.

وبالعودة إلى مذكرات خالد الشخصية وبالتحديد فى الفصل الذى وضع له عنوان «لقائى بالإخوان المسلمين» والذى طرح فى بدايته هذا السؤال: هل كان الإخوان يريدون حُكما تطاول استبطاؤه؟ نخرج بما يلى: أولا أن الرجل بعد لقائه بمرشد الجماعة حسن البنا يعترف بإعجابه الشديد بشخصية البنا، ولكنه يضيف «ولكن مع هذا الإعجاب المتنامى به، كان ينتابنى الحذر، أكان حذرًا منه؟ أم حذرًا عليه؟! لم أكن يومها أدرى، كل ما كنت أجده، شعور غامض بالحذر».

وثانيا إن خالد فى إجابته عن السؤال الذى استهل به هذا الفصل قال كلاما مهما وخطيرا ننقله بالحرف:

«فى حديث صحفى أذكره تماما قال الأستاذ البنا لمجلة (الإثنين) التى كانت تصدر أسبوعية من دار الهلال: (إننا نؤمن بأن الغد سوف يختصنا بتبعاته)! لكنَّ الإيمانَ بأن الغد سيختص جماعة دون غيرها بتبعاته، ومسؤولياته، واحتياجاته، يتطلب إدراكا ذكيا، ومخلصا وسديدا لظروف الغد من خلال اليوم، ولحتميات المستقبل، من خلال الحاضر.. وأن يكون مُلكا للناس جميعا، لا مُلكا لحزب، أو جماعة، أو طائفة أو قائد، أو زعيم».

هل كان المفكر الكبير يقرأ ما تحمله الأيام بعد أكثر من نصف قرن، من وصول الإخوان إلى مقاليد السلطة فى مصر، وقيادتها بمنطق الأهل والعشيرة والجماعة والحزب، لا الدولة؟

وهل كانت قيادات الجماعة فى مستوى تبعات اليوم والغد والمستقبل؟

ومما قاله الرجل فى ذات السياق:

«من معاصرتى للأحداث، أستطيع حصر عوامل التعرية، التى أصابت الجماعة، فى اثنين، لا ثالثَ لهما، أولهما: التنظيم السرى، بسوءاته، وحماقاته، وجرائمه!

ثانيهما: غياب الإيمان بالديمقراطية واحترامها وبث الولاء لها فى ضمائر الإخوان، وفى فكر الجماعة، وسلوك القادة!».

هكذا وبكل وضوح يقطع خالد محمد خالد بأن «النظام الخاص» باعد بين الجماعة وبين ثقة الناس، وكان باستطاعة الإخوان رفض النظام الخاص والعمل السرى، وبث الولاء للديمقراطية، فى نفوس الشباب، بنفس القدر الذى يُبَث به الولاء للدين، فالديمقراطية السياسية والاجتماعية، هما سِياج الدين المنيع، وسياج الوطن أيضًا! وها هو الرسول الكريم لم يشكل من صحابته تنظيما سريا ضد أعداء الدعوة من الكفار والمشركين رغم ما تعرض له من محن وما أصابه من سفالات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.