بالرغم من كوني كنت أفضّل كتابة دستوراً جديداً بعد ثورة الشعب المصري في 30 يونيو ليس بإعتبارها ثورة منفصلة ، بل لكونها تصحيح مسار لثورة 25 يناير – التى اراد تنظيم الاخوان أن يمتطيها لتخدم أهدافه وأهداف الدول التى يشتبك معها في شبكة مصالح النظام العالمى الجديد – فبدلاً من أن يكتب الشعب المصري بعد ثورة يناير دستوراً يحقق له ما ثار من أجله ، فإذا به يُكتب له دستور يخدم مصالح التنظيم ومن يرتبطون به من الاهل والعشيرة في الداخل والخارج .
إلا أننى وفي ظل ما تشهده مصر مُنذ أن عزل المصريين " أول فشل حقيقي منتخب " من إرهاب وتفجيرات تحصد أرواح المصريين كل يوم وتحرق قلوبهم وتقطع أرزاقهم وتهدد أمنهم وراحة بالهم ، كان علىَّ أن لا أتعامل مع الامر وكأنى أدون رأياًُ عن موقفى من التعديلات الدستورية التى تمت على دستور 2012 - والذى سبق وكانت " لا " كلمتى الوحيدة في وجهه – بمعزل عن ما تشهده مصر الآن .
وبعد أن قرأت الدستور بعناية شديدة وخاصة تلك المواد التى كانت محل خلاف كبير ، مواد الحقوق والحريات والمواطنة والمساواة ، لم أجد بها ما يسوءنى ، بل على العكس ظهرت بما يرضينى كمواطن مصري .
الدستور بعد التعديلات التى تمت عليه ليس الأروع على الاطلاق ، لكن إذا ما قورن ب "دستور المعزول وشركاه" فأننا كمن يقارن وثيقة زواج عرفي بوثيقة زواج رسمى حتى وإن توافر شرط الاشهار في الزواج ، وكلنا نعرف حقوق الزوجة في كلا العقدين كيف تكون .
فإستخدام مفردات لغوية ك " تلتزم الدولة " و " تكفل الدولة " في الدستور الجديد ، ليست وبلا شك كإستخدام مفردة " توفر الدولة " ، كما أن الباب الاول والخاص المقومات الاساسية للمجتمع بما تضمنه في فصوله الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لم أجد به ما يثير إرتيابي وخاصة في ظل نصوص واضحة ومفردات لغوية لا ألتباس فيها تحفظ الحق في العدالة الاجتماعية .
بالإضافة إلى أن الباب الثانى والخاص ب الحقوق والحريات والواجبات العامة وما تضمنه من نصوص قاطعة تحمى الكرامة والحرية لم أجد مادة واحدة تستحق الاعتراض عليها ، كما أن المادة (52 ) والتى نصت بوضوح على كون " التعذيب بجميع أشكاله وصوره جريمة لا تسقط بالتقادم " يجعلنى أتمسك ب " نعم لهذا الدستور " ، وهل قامت الثورة إلا لرفض تعذيب المواطنين وإنتهاك كرامتهم وحرياتهم وأشياءً أخرى !!!؟ كما أن إلغاء " مجلس الشورى " في الدستور الجديد كان أحد مطالبي في السابق ، كونه كان مجرد مجلس لإهداء المحاسيب رشاوى سياسية في شكل كراسي نيابية .
أن الدستور الجديد المُزمع الاستفتاء عليه في الرابع عشر والخامس عشر من يناير القادم يخلق توازن بين مؤسسات الدولة ويمنحها إستقلاليتها بعيد عن ما عانينا منه في التاريخ السابق على 25 يناير 2011 من تجاوز دور الرئيس من مجرد موظف في منصب رئيس جمهورية يفصل بين السلطات ومايسترو يضبط إيقاع عملها معاً لصالح وخدمة الوطن والمواطنين ، إلى صاحب "عزبة " يجعل من مؤسسات الدولة " شماشرجية " في خدمة ورعاية مصالحه ومصالح زوجته وأبناؤه .
أتفهم جيداً مخاوف البعض بشأن بعض المواد وخاصة تلك التى تتعلق بالمحاكمات العسكرية للمدنيين ، ولكنى في ذات الوقت إنحزت إلى ما ذهبت إليه لجنة الخمسين من تفنيد الجرائم وعدم إحالتها للقانون ليفعل .
لكن المادة (226) من الباب السادس والخاصة بالاحكام العامة والإنتقالية والتى تنص على أن لرئيس الجمهورية ، أو لخُمس أعضاء مجلس النواب ، طلب تعديل مادة ، أو أكثر من مواد الدستور ، ستمنح المصريين رفاهية تعديل المواد الذى يثبت أنها يساء إستغلالها ، عبر البرلمان الجديد المنتخب والذى أسأل الله أن لا يكون كسابقه . سأصوّت "بنعم" ليس لكونه أفضل وثيقة دستورية ، وليس لكونه أهتم لأمر المُسنين والمعاقين لأول مرة ، وليس لكونه يحفظ لمصر هويتها وتاريخها ، وليس لكونه عبّر عن تنوع الشعب المصري ، بل سأصوّت بنعم نِكاية في الأرهاب.