«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برنامج وثائقي تعرضه «B.B.C» يكشف ملف المتنصرين في مصر
نشر في الدستور الأصلي يوم 30 - 05 - 2010

بين التحول عن الإسلام إلي المطاردة الأمنية والسعي للتربح المادي
برنامج وثائقي تعرضه «B.B.C» يكشف ملف المتنصرين في مصر
لماذا الحديث عن التنصر وقنوات التنصير في الوقت الراهن؟ سيبادر كثيرون للسؤال عندما يسمعون عن «وثائقي بي بي سي» الجديد، «متنصرون»، والإجابة ببساطة هي أنه بوسعنا أن نتحدث بموضوعية لا يملكها كثيرون عن قضايا شائكة تمثل تحديا للمجتمعات العربية التي ننتمي إليها. حرية العقيدة الدينية هي من صلب هذه القضايا التي تنص معظم الدساتير العربية علي ضمانتها. فماذا عن الترجمة السياسية والاجتماعية لهذه الضمانة؟ أن يتحول شخص من الإسلام إلي المسيحية علنا في العالم العربي، فهو بذلك يكسر أحد المحرمات في الثقافة السائدة ويغامر بوقوعه تحت طائلة ضغوط اجتماعية وسياسية. القياس أيضا مع الفارق عندما يستخدم شخص تحول إلي المسيحية «تنصر» دينه الجديد كمنصة لشن هجوم دعائي علي، دينه السابق في لهجة قد تدخله تحت طائلة القانون في بعض من الدول الغربية.
خلال إعداد هذا الوثائقي وعلي مدي خمسة أشهر، عايشت حالات شتي ل«متنصرين» في أكثر من دولة ومجتمع، وتبين لي أنه فيما يعاني البعض بسبب معتقده، يتربح آخرون من معاناة الأولين مستفيدين بحرية توفرها ثورة المعلومات والمجتمعات الديمقراطية. هذا الخطاب التنصيري الجديد يحمل علي التساؤل إلي حد يسهم- جنبا إلي جنب مع خطاب مقابل لبعض الدعاة الإسلاميين - في تعزيز حالة الاحتقان الطائفي في المنطقة العربية.
كان اللافت لنظري هو كم تغيرت المجتمعات العربية دينيا، فحتي وقت قريب وقبل شيوع الحديث عن الدين في المنابر الجماهيرية، كان مفهوم الدين في أوساط المتعلمين هو مسألة شخصية. لكنك الآن، عندما تعيش في بلد مثل مصر أو منطقة كشمال أفريقيا، ستدرك كم تغيرت هذه الصورة وأن مفهوم الدين صار جزءاً من الحياة اليومية يرتبط بما تلبس وأين تأكل، وماذا تشاهد أكثر من ارتباطه بالعادات والمعاملات، في مناخ كهذا يصبح للحديث عمن أسلم أو من تنصر مذاق خاص، ويختلق الشارع علي الجانبين أبطالا جماهيريين يدافعون عن المسيحية أو الإسلام عبر الفضائيات والإنترنت في هجمات أصبحت كلعبة «تنس الطاولة».
متنصرون في الداخل
واقع الحال أن هناك متنصرين يعانون ويعيشون دينهم في الخفاء في دول عربية مثل مصر والمغرب، وهناك بينهم من لا يتفق تماما مع متنصري الخارج ، كما يسمونهم. وهناك من يعيش معضلة القوانين التي تحرم زواج مسيحي من مسلمة - كما هو الحال في مصر- أو تجرم تحول مسلم إلي المسيحية في دول كالمغرب. في مصر التقيت مريم ومايكل - وهذان ليس اسميهما الحقيقيين- وهما شابان تزوجا منذ عامين. مريم مسلمة تحولت إلي المسيحية ومايكل مسيحي بالمولد تزوجا في الكنيسة ولا تعرف عائلتاهما ويعيشان معا وسط مجموعة من المتنصرين في منزل واحد. تقول مريم: إن عائلتها لو عرفت بتحولها وزواجها سوف تقتلها، ويقول مايكل إن زواجه غير معترف به أمام الدولة لكن معترف به أمام «المسيح»، لكن مشكلتهما الكبري هي أنهما ينتظران مولودا، من زواج غير قانوني، و«تنصر» غير معترف به، أما محاميهما فيقول إن الحل الوحيد لمشكلات كهذه أن توافق الدولة علي تحول المسلمين إلي المسيحية وتنص علي ذلك في قوانينها.
لكن حتي الذين حاولوا ذلك لم ينجحوا، فقد رفض القضاء المصري قضية ماهر الجوهري الذي أشهر تنصره قبل عامين ورفع دعوي مطالبا فيها بتغيير خانة الديانة في أوراقه الرسمية إلي مسيحي، واعتبر القضاء في رفضه أن الدعوي «تناقض النظام العام للمجتمع»، وحتي هذه اللحظة لم ينجح متنصر في الحصول علي أوراق تفيد بتحوله. يعيش «ماهر الجوهري» مع ابنته «دينا» التي تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً في حالة تنقل دائم، ورغم أنهما لم يتعرضا لهجوم مباشر حتي الآن، فقد حكت لي دينا أنها لا تذهب إلي المدرسة ولا تخرج إلي الشارع مثل كل الفتيات في عمرها وأن الأمل معقود حاليا أن يغادرا مصر إلي دولة أجنبية ، لكن ماهر ممنوع من السفر بأمر السلطات المصرية، وتستمر قضيته.
هناك أيضا حالات لمتنصرين آخرين في مصر قرروا الخروج بدينهم إلي المجتمع رغم كل المحاذير، وهو نموذج يستثني المسيحيين الذين أسلموا ويرغبون حاليا في العودة إلي المسيحية ولا يستطيعون، في القاهرة، قضيت يوما كاملا مع أحدهم وهو يبشر عبر البالتوك في غرفة دردشة اسمها نهاية الإسلام، وعندما سألته لماذا يفعل ذلك، قال لي «لأنه يؤمن بضرورة إيصال كلمة الرب إلي جميع الأمم». الشخص نفسه يعيش مع زوجة مسلمة وأبناء مسلمين يشكون في إيمانه الذي يمارسه من وراء غرفة مطلقة، لكنه حتي هذه اللحظة لا يزال يعيش حياة مزدوجة مسيحي خارج منزله وعمله مسلم أمام أهل بيته.
في المغرب
في المغرب أيضا التقيت مهدي، وهذا اسمه المستعار، الذي كان لطيفا للغاية وهو يتحدث عن الإيمان الشعبي وحياته العادية كمسيحي وسط أفراد أسرته المسلمة، لكنه - كما يقول- لا يمكنه ممارسة دينه علنا، وأن المسيحيين المغاربة يمارسون ديانتهم سرا لأن القانون لا يعترف بحق المسلم في تغيير ديانته، أما التبشير ومحاولة إقناع مسلم بالتحول إلي المسيحية فهو جريمة قد تصل عقوبتها إلي السجن ست سنوات. مهدي حاصل علي شهادة جامعية، متزوج ولديه أطفال، يقول إنه تعرف علي «المسيح» من خلال الأسئلة التي قادته إلي الإيمان، كما أنه يراهن علي عصر التكنولوجيا الذي لم يدع التساؤلات شخصية، «بوسعك التعرف علي دين الآخر عبر الإنترنت والقنوات الفضائية ودون أن يعرف أحد، والمتتبعون لهذه القنوات في تزايد».
في يوم وصولي إلي المغرب في فبراير الماضي، كانت السلطات تشن حملة مداهمة علي «مجموعة من المبشرين» كانت الثالثة في أقل من عام. استشعرت من المتابعة المكثفة للقضية في الصحف ووسائل الإعلام أن ثمة خوفا حقيقيا من التبشير هنا ولم أعرف مصدره . تساءلت ما المشكلة أن يكون الشخص مسيحيا في المغرب؟ لكن مهدي ذكرني أن القضية ليست الدين، وإنما هي دين الآخر في المغرب العربي تحديدا، سألته ومن هو الآخر؟ قال : النصاري، إنهم القوم ذوو العيون الخضر والشعر الأصفر. كلامه ذكرني أيضا بكلمة «رومي» التي تطلق في المغرب علي من هو غير عربي وغير مسلم، وذكرني أيضا بتلك العلاقة المتلبسة بين المسيحية والإسلام عبر شاطئي المتوسط، فعلي مدي أربعة عشر قرنا كان شعارها المواجهة، أحيانا باسم الدين وغالبا باسم السياسة، وكان المسيحيون هم الأجانب لدرجة أن الكنائس التي بناها الغربيون هناك هجرت وينعق فيها البوم فيما يظهر مسيحيون محليون ولكن بلا كنائس.
في ساحة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء سألت الشيخ عبد الباري زمزمي، أحد كبار العلماء بالمدينة، عن مبرر ذلك الخوف قال «إنهم يريدون خلق أقلية مسيحية في بلادنا واستخدامها لاحقا باسم حقوق الأقليات للتدخل في كل شيء» مرة ثانية قلت من هم؟ قال الغرب وأمريكا. قلت ، لكن القوانين الدولية وحقوق الإنسان تكفل حرية الاعتقاد، قال : نعم حرية الاعتقاد وليس حرية أن يأتي الأجنبي ويغير دين المسلم في بلاده.
القمص بطرس وقناة «الحياة»
لعل أبرز النماذج التي استوقفتني في مرحلة البحث والإعداد، كان نموذج القمص زكريا بطرس، وقناة الحياة. فالقمص بطرس تجاوز السبعين من عمره، ويكرس ساعات طويلة من يومه لنقد الإسلام عبر هجمات يمكن أن تعاقب عليها القوانين في كثير من الدول الغربية التي يتنقل بينها. كان القمص بطرس أول من حاولنا لقاءهم ضمن هذا الوثائقي، وبالفعل رحب الرجل بالفكرة خلال التواصل بالبريد الإلكتروني، لكننا في مرحلة لاحقة فوجئنا برفض المسئولين في قناة «الحياة» المنبر الرسمي لدعوته المسلمين إلي التنصر، وبالتحديد رفض المسئولة عن مواعيد الأب بطرس وهي متنصرة مصرية تعيش في كاليفورنيا، مجرد الحديث حتي عبر الإنترنت مع أي من العاملين أو المسئولين في القناة.
القمص «بطرس» هو المتحدث الرئيسي في قناة الحياة وعبر البالتوك ومواقع الإنترنت، نقطة انطلاقه في كل ما يقول هي نقد الإسلام من كتب الإسلام ، في نبرة هجومية الطابع، لكن القمص يقول دائما«معذرة أحبائي المسلمين هذه هي الكتب والمراجع»، عليك أن تقضي ساعات تتابعه لتقتبس آراءه المباشرة في فقرات الانفعال، التي لا يتذرع فيها بالنصوص ، منها حديثه مثلا بالإنجليزية مع قناة مسيحية أمريكية عن أن المسلمين «مغسولي الأدمغة ولابد من صدمتهم ليفيقوا» ومنها ما قاله أوائل هذا العام ، في حلقة خاصة «من أن المسلمين جميعهم هم نتاج ثقافة الإسلام الإرهابية». إضافة إلي مئات التعليقات التي لا يمكن ذكرها هنا.
يرتدي القمص الزي الكهنوتي للآباء الكهنة في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية «الكرازة المرقسية» التي تقاعد منها، لكن طريقة التبشير التي يمارسها عبر برامجه خاصة فيما يتعلق بالإيمان الوقتي «الخلاص اللحظي» أثارت غضب الكنيسة المصرية التي استنكرتها وعلي لسان الآباء الكهنة وقداسة البابا شنودة الثالث في عظة صوتية وكتابين عن القضية نفسها.
أثار رفض قناة «الحياة» الكثير من الأسئلة لدينا رغم أننا تعهدنا بضمان كل ما يتعلق بالنواحي الأمنية للقناة والعاملين، حتي تبين لنا أن القناة لا تريد لأحد أن يعرف عنها أكثر مما يريد القائمون عليها ومعظمهم من المسلمين الذين تحولوا إلي المسيحية. لكن زياراتي لمصر وأمريكا ولقاءاتي مع أصدقائي المسيحيين وفرت لي الكثير من المعلومات عن القناة والقائمين عليها، فالقناة لا تكتفي بالتبشير عن بعد لكن لديها أيضا أشخاص علي الأرض مهمتهم الاتصال بالراغبين في اعتناق المسيحية ومساعدتهم. كما أن المسئول عنها ويدعي «أ.ع» يمارس نفوذاً واسعاً في أوساط المتنصرين ويؤمن لهم الدعم المالي واللوجيستي أيضا ومن ثم ينفرد بالكلمة الفصل والضغوط الصارمة في تقرير حالات المتنصرين خارجيا وداخليا.
كان حديث أحد قادة أقباط المهجر عن قناة «الحياة» هو ما دفعني أكثر في رحلة البحث، فقد قال لي: إن ميزانية القناة تبلغ عشرات الملايين من الدولارات فهل تعتقد أن تبرعات أقباط المهجر تكفي لهذا؟ ولماذا يمول أقباط المهجر قناة تبشر بالمذهب الإنجيلي حتي لو تعاطفوا معها؟ فهي في النهاية لن تجلب مؤمنين إلي كنيستهم؟ وتعززت المعلومات لدي عندما التقيت بمجموعة المتنصرين في مصر، وفوجئت أن أغلبهم تحولوا إلي المذهب الإنجيلي بالرغم من أنهم يحتمون داخليا بالكنيسة المصرية وشبعها الأرثوذكسي. كنت أعرف أن المحامية والناشطة الحقوقية المصرية نجلاء الإمام التي تحولت للمسيحية في عام 2009، أثارت معركة في الداخل وأصبحت موضع سؤال في دوائر المتنصرين بالخارج، عندما سألتها عن السبب، قالت لأنها رفضت التحول إلي المذهب الإنجيلي، وأصرت علي أن تتبع الكنيسة المصرية، سألتها عما إذا كان هنا من يتربح من التنصير، فروت لي الكثير عن شخصيات في الداخل والخارج تجعل من المتنصرين تبعيتها وتتحدث نيابة عنهم، أحد هؤلاء مسئول كبير في قناة «الحياة».
سمعت كلاما مشابها من مسيحي مغربي، طلب عدم ذكر اسمه، وقال إنه تعامل مع قنوات فضائية مهتمة بالتنصير، وأنه عندما يتصل مشاهد مسلم مثلا بالقناة عبر الإيميل أو رقم محلي موجود في الخارج، يتم تحويل بياناته إلي شخص قريب من إقامته ليتعامل معه ويقدم له الدعم والمؤازرة.
لا يوجد عنوان محدد لقناة الحياة ومواقع الإنترنت المرتبطة بها، لكن الصلة التي تكشفت لنا كانت علاقة العمل التي تربط القناة بمنظمة إنجيلية أمريكية هي منظمة «جويس ماير مينستريز»، وجويس ماير هي من أكبر المبشرين التليفزيونيين في أمريكا «تيلي إيفانجليست»، تبث برامجها عبر 80 محطة إذاعة وتليفزيون عبر العالم، تجمع تبرعات تتجاوز عشرات ملايين الدولارات، تستخدم طائرتها الخاصة مع زوجها ديفيد في زيارات رعوية ومؤتمرات تبشر بالحب والخير يحضرها عشرات الآلاف سنويا. أما ابنهما ديف ماير فيشرف علي قطاع التواصل«التبشير» في المنظمة «هاند أوف هوب أو يد الأمل» ولهم مشاريع تبشيرية وخيرية في كل من مصر ولبنان معلن عنها في موقع المنظمة. لا تقر منظمة «جويس ماير» بوقوفها وراء قناة الحياة، لكنها تصفها ب«الشريك الحيوي» لها وتعترف بأنها أسهمت في إطلاقها وتصف أيضا كيف تم مشروع الإطلاق الذي يعد الأفضل بالنسبة للمنظمة في العالم الإسلامي. اتصلنا بجويس ماير وطلبنا مقابلة وانتظرنا، وفوجئنا بالرفض، أبدينا مرونة أكبر وطلبنا لقاء أحد المسئولين، رفضوا. عرفنا بموعد محاضرة كانت ستلقيها جويس ماير في مدينة صغيرة تدعي سبوكين بولاية واشنطن وتوجهنا إلي هناك، منعنا من لقائها لكننا حضرنا اللقاء وأجرينا لقاءات مع الحاضرين. اتصلنا بجويس ماير بنماذج مما يبث علي قناة الحياة ومهلة أخيرة للمشاركة في البرنامج، جاءنا رد يقول إن جويس تبث برامجها عبر القناة 9 مرات يوميا وتدفع ثمن ساعات الإرسال، لكنها لا تمول الحياة، و لا تشرف تحريريا علي القناة لكن الرد أضاف« أما فيما يتعلق بالبرنامج المشار إليه «برامج القمص بطرس» فهذا الشهر سيكون الأخير لها علي قناة الحياة».
جيل جديد
عندما زرت كاليفورنيا وعشت أسبوعين مع مجموعة بارزة من المتنصرين ، تبين لي وجود خمس محطات مسيحية تبث بالعربية من هناك، بعضها يكتفي بالتبشير والآخر يتبني خطابا هجوميا يستهدف المسلمين، أدركت أن هذا هو الجيل الذي يتبع خطوات القمص بطرس. منهم متنصر يدعي أحمد أباظة الذي أسس قناة تسمي «الحقيقة»، لكني أدركت أيضا أن حربا سرية تجري بين تلك القنوات علي التبرعات والمشاهدين وربما التمويل، اتهامات بالاختلاس وضرب تحت الحزام واتفاق غير مكتوب بألا يتحدث أحد عن ذلك أمام الإعلام. ألف «أباظة» كتابا بعنوان «كنت أعمي والآن أبصر، أحمد أباظة ترك الثروة والسلطة ليشتري نفسه من الهلاك». كانت فترة من الضغط العصبي، فالجميع ينظرون لي علي أنني قادم من «المعسكر الآخر» ووصل الأمر أحيانا لدعوتي فعليا مزحا وجدا إلي الخلاص والتحول، أما الذين لا يعرفون مهمتي الصحفية فكانوا يعتبرونني «عابرا» وهو وصف الشخص القادم من الإسلام إلي المسيحية. لكن وجود عدد كبير من المسيحيين «الصعايدة» وسط المجموعة خفف عني كثيرا لأنهم جميعا استشعروا نفس الحنين إلي قراهم ومدنهم في حديثنا بعيدا عن الدين. يحكي «أباظة» أن والده كان المليونير المصري مصطفي أباظة أحد أقطاب العائلة الأباظية العريقة في مصر وأن عائلته عذبته لكي يتراجع عن المسيحية التي اعتنقها في التسعينيات ، طلبت منه الاطلاع علي الوثائق أو الصور الخاصة به، قال إنها ضاعت أثناء انتقاله من كندا لأمريكا، اتصلت بأقطاب الأباظية في مصر لأسألهم عن حكايته، فوجئت بأنهم لا يعرفون عنه شيئا، في اليوم الأخير وصلتني معلومات موثوقة من أفراد العائلة أنه ليس نجل مصطفي أباظة المليونير المعروف، عدت إليه لسؤاله عن تلك المفارقة، قال لي إنه لا يعرف الأشخاص الذين أتحدث عنهم وأن عائلته دمرت كل الوثائق الخاصة به في «السيستم المصري» وأنه مصر علي الاحتفاظ باسمه الذي يستخدمه منذ سنين.
لم تنته الأسئلة لدي بانتهاء إعداد البرنامج، فالحديث الملتهب عن الدين في المنطقة العربية أشبه بعود ثقاب قرب برميل بارود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.