الصور الأولى لوعاء ضغط المفاعل النووي بمحطة الضبعة    الرئيس ينحاز للشعب ضد الخزائن المفتوحة!    قطاع الدراسات العليا بجامعة عين شمس ينظم ورشة عمل بالتعاون مع بنك المعرفة    وزارة التضامن تقر حل جمعيتين في محافظة الغربية    استقرار أسعار الذهب فى الكويت.. وعيار 24 يسجل 40.375 دينار    محافظ قنا يلتقي رؤساء المدن والقرى استعدادًا لعقد جلسات التشاور المجتمعي    بسبب تراجع الانتاج المحلى…ارتفاع جديد فى أسعار اللحوم بالأسواق والكيلو يتجاوز ال 500 جنيه    وزير الصناعة يؤكد ضرورة الالتزام بتفعيل قانون تفضيل المنتج المحلي بالمشتريات الحكومية    محافظ قنا يبحث مع «المصرية للتنمية الزراعية» دعم المزارعين    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    وزير الإسكان يستقبل محافظ بورسعيد لبحث استعدادت التعامل مع الأمطار    إيران تفرج عن ناقلة ترفع علم جزر مارشال    الدفاع الروسية: قواتنا استهدفت منشآت البنية التحتية للطاقة والسكك الحديدية    مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على قانون للإفراج عن ملفات إبستين    الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته فى فعاليات "دبى الدولى للطيران 2025"    جلوب سوكر 2025.. رونالدو ينافس بنزيما على جائزة الأفضل في الشرق الأوسط    قائمة الفائزين بجائزة الكاف لأفضل لاعب أفريقي منذ 1992    القادسية الكويتي: كهربا مستمر مع الفريق حتى نهاية الموسم    30 ألف مشجع يساندون الأهلي أمام شبيبة القبائل في دوري أبطال أفريقيا    الزمالك يستقر على موعد سفر فريق الكرة لجنوب أفريقيا    أحمد عيد يقترب من الأهلي رغم منافسة الزمالك    هشام يكن: أطالب حسام حسن بضم عبد الله السعيد.. وغير مقتنع بمحمد هاني ظهير أيمن    ضبط مخدرات وأسلحة ب 105 ملايين جنيه ومصرع 6 عناصر إجرامية فى مواجهات مع الشرطة    «الأرصاد»: تقلبات خريفية وانخفاض الحرارة تدريجيًا بداية من الأحد    24 ساعة مرور، ضبط 139 ألف مخالفة و98 حالة تعاطي مخدرات بين السائقين    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    ضبط أكثر من 7 ملايين جنيه فى حملات مكافحة الاتجار بالنقد الأجنبى    ضبط 3 متهمين بقتل شاب لخلافات بين عائلتين بقنا    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    ياسمين رئيس تنضم لمسلسل «اسأل روحك» في رمضان 2026    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    كارثة طبيعية يُعيد اكتشاف كمال أبو رية بعد 40 عاما من مشواره الفني    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    وكيل صحة البحر الأحمر يتفقد مستشفى الغردقة العام    «الصحة»: فيروس «ماربورج» ينتقل عبر «خفافيش الفاكهة».. ومصر خالية تماما منه    منال عوض تترأس الاجتماع ال23 لصندوق حماية البيئة وتستعرض موازنة 2026 وخطط دعم المشروعات البيئية    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    مقتل 8 أشخاص جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    أفضل مشروبات طبيعية لرفع المناعة للأسرة، وصفات بسيطة تعزز الصحة طوال العام    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    صحة البحر الأحمر تنظم قافلة طبية مجانية شاملة بقرية النصر بسفاجا لمدة يومين    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



برنامج وثائقي تعرضه «B.B.C» يكشف ملف المتنصرين في مصر
نشر في الدستور الأصلي يوم 30 - 05 - 2010

بين التحول عن الإسلام إلي المطاردة الأمنية والسعي للتربح المادي
برنامج وثائقي تعرضه «B.B.C» يكشف ملف المتنصرين في مصر
لماذا الحديث عن التنصر وقنوات التنصير في الوقت الراهن؟ سيبادر كثيرون للسؤال عندما يسمعون عن «وثائقي بي بي سي» الجديد، «متنصرون»، والإجابة ببساطة هي أنه بوسعنا أن نتحدث بموضوعية لا يملكها كثيرون عن قضايا شائكة تمثل تحديا للمجتمعات العربية التي ننتمي إليها. حرية العقيدة الدينية هي من صلب هذه القضايا التي تنص معظم الدساتير العربية علي ضمانتها. فماذا عن الترجمة السياسية والاجتماعية لهذه الضمانة؟ أن يتحول شخص من الإسلام إلي المسيحية علنا في العالم العربي، فهو بذلك يكسر أحد المحرمات في الثقافة السائدة ويغامر بوقوعه تحت طائلة ضغوط اجتماعية وسياسية. القياس أيضا مع الفارق عندما يستخدم شخص تحول إلي المسيحية «تنصر» دينه الجديد كمنصة لشن هجوم دعائي علي، دينه السابق في لهجة قد تدخله تحت طائلة القانون في بعض من الدول الغربية.
خلال إعداد هذا الوثائقي وعلي مدي خمسة أشهر، عايشت حالات شتي ل«متنصرين» في أكثر من دولة ومجتمع، وتبين لي أنه فيما يعاني البعض بسبب معتقده، يتربح آخرون من معاناة الأولين مستفيدين بحرية توفرها ثورة المعلومات والمجتمعات الديمقراطية. هذا الخطاب التنصيري الجديد يحمل علي التساؤل إلي حد يسهم- جنبا إلي جنب مع خطاب مقابل لبعض الدعاة الإسلاميين - في تعزيز حالة الاحتقان الطائفي في المنطقة العربية.
كان اللافت لنظري هو كم تغيرت المجتمعات العربية دينيا، فحتي وقت قريب وقبل شيوع الحديث عن الدين في المنابر الجماهيرية، كان مفهوم الدين في أوساط المتعلمين هو مسألة شخصية. لكنك الآن، عندما تعيش في بلد مثل مصر أو منطقة كشمال أفريقيا، ستدرك كم تغيرت هذه الصورة وأن مفهوم الدين صار جزءاً من الحياة اليومية يرتبط بما تلبس وأين تأكل، وماذا تشاهد أكثر من ارتباطه بالعادات والمعاملات، في مناخ كهذا يصبح للحديث عمن أسلم أو من تنصر مذاق خاص، ويختلق الشارع علي الجانبين أبطالا جماهيريين يدافعون عن المسيحية أو الإسلام عبر الفضائيات والإنترنت في هجمات أصبحت كلعبة «تنس الطاولة».
متنصرون في الداخل
واقع الحال أن هناك متنصرين يعانون ويعيشون دينهم في الخفاء في دول عربية مثل مصر والمغرب، وهناك بينهم من لا يتفق تماما مع متنصري الخارج ، كما يسمونهم. وهناك من يعيش معضلة القوانين التي تحرم زواج مسيحي من مسلمة - كما هو الحال في مصر- أو تجرم تحول مسلم إلي المسيحية في دول كالمغرب. في مصر التقيت مريم ومايكل - وهذان ليس اسميهما الحقيقيين- وهما شابان تزوجا منذ عامين. مريم مسلمة تحولت إلي المسيحية ومايكل مسيحي بالمولد تزوجا في الكنيسة ولا تعرف عائلتاهما ويعيشان معا وسط مجموعة من المتنصرين في منزل واحد. تقول مريم: إن عائلتها لو عرفت بتحولها وزواجها سوف تقتلها، ويقول مايكل إن زواجه غير معترف به أمام الدولة لكن معترف به أمام «المسيح»، لكن مشكلتهما الكبري هي أنهما ينتظران مولودا، من زواج غير قانوني، و«تنصر» غير معترف به، أما محاميهما فيقول إن الحل الوحيد لمشكلات كهذه أن توافق الدولة علي تحول المسلمين إلي المسيحية وتنص علي ذلك في قوانينها.
لكن حتي الذين حاولوا ذلك لم ينجحوا، فقد رفض القضاء المصري قضية ماهر الجوهري الذي أشهر تنصره قبل عامين ورفع دعوي مطالبا فيها بتغيير خانة الديانة في أوراقه الرسمية إلي مسيحي، واعتبر القضاء في رفضه أن الدعوي «تناقض النظام العام للمجتمع»، وحتي هذه اللحظة لم ينجح متنصر في الحصول علي أوراق تفيد بتحوله. يعيش «ماهر الجوهري» مع ابنته «دينا» التي تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً في حالة تنقل دائم، ورغم أنهما لم يتعرضا لهجوم مباشر حتي الآن، فقد حكت لي دينا أنها لا تذهب إلي المدرسة ولا تخرج إلي الشارع مثل كل الفتيات في عمرها وأن الأمل معقود حاليا أن يغادرا مصر إلي دولة أجنبية ، لكن ماهر ممنوع من السفر بأمر السلطات المصرية، وتستمر قضيته.
هناك أيضا حالات لمتنصرين آخرين في مصر قرروا الخروج بدينهم إلي المجتمع رغم كل المحاذير، وهو نموذج يستثني المسيحيين الذين أسلموا ويرغبون حاليا في العودة إلي المسيحية ولا يستطيعون، في القاهرة، قضيت يوما كاملا مع أحدهم وهو يبشر عبر البالتوك في غرفة دردشة اسمها نهاية الإسلام، وعندما سألته لماذا يفعل ذلك، قال لي «لأنه يؤمن بضرورة إيصال كلمة الرب إلي جميع الأمم». الشخص نفسه يعيش مع زوجة مسلمة وأبناء مسلمين يشكون في إيمانه الذي يمارسه من وراء غرفة مطلقة، لكنه حتي هذه اللحظة لا يزال يعيش حياة مزدوجة مسيحي خارج منزله وعمله مسلم أمام أهل بيته.
في المغرب
في المغرب أيضا التقيت مهدي، وهذا اسمه المستعار، الذي كان لطيفا للغاية وهو يتحدث عن الإيمان الشعبي وحياته العادية كمسيحي وسط أفراد أسرته المسلمة، لكنه - كما يقول- لا يمكنه ممارسة دينه علنا، وأن المسيحيين المغاربة يمارسون ديانتهم سرا لأن القانون لا يعترف بحق المسلم في تغيير ديانته، أما التبشير ومحاولة إقناع مسلم بالتحول إلي المسيحية فهو جريمة قد تصل عقوبتها إلي السجن ست سنوات. مهدي حاصل علي شهادة جامعية، متزوج ولديه أطفال، يقول إنه تعرف علي «المسيح» من خلال الأسئلة التي قادته إلي الإيمان، كما أنه يراهن علي عصر التكنولوجيا الذي لم يدع التساؤلات شخصية، «بوسعك التعرف علي دين الآخر عبر الإنترنت والقنوات الفضائية ودون أن يعرف أحد، والمتتبعون لهذه القنوات في تزايد».
في يوم وصولي إلي المغرب في فبراير الماضي، كانت السلطات تشن حملة مداهمة علي «مجموعة من المبشرين» كانت الثالثة في أقل من عام. استشعرت من المتابعة المكثفة للقضية في الصحف ووسائل الإعلام أن ثمة خوفا حقيقيا من التبشير هنا ولم أعرف مصدره . تساءلت ما المشكلة أن يكون الشخص مسيحيا في المغرب؟ لكن مهدي ذكرني أن القضية ليست الدين، وإنما هي دين الآخر في المغرب العربي تحديدا، سألته ومن هو الآخر؟ قال : النصاري، إنهم القوم ذوو العيون الخضر والشعر الأصفر. كلامه ذكرني أيضا بكلمة «رومي» التي تطلق في المغرب علي من هو غير عربي وغير مسلم، وذكرني أيضا بتلك العلاقة المتلبسة بين المسيحية والإسلام عبر شاطئي المتوسط، فعلي مدي أربعة عشر قرنا كان شعارها المواجهة، أحيانا باسم الدين وغالبا باسم السياسة، وكان المسيحيون هم الأجانب لدرجة أن الكنائس التي بناها الغربيون هناك هجرت وينعق فيها البوم فيما يظهر مسيحيون محليون ولكن بلا كنائس.
في ساحة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء سألت الشيخ عبد الباري زمزمي، أحد كبار العلماء بالمدينة، عن مبرر ذلك الخوف قال «إنهم يريدون خلق أقلية مسيحية في بلادنا واستخدامها لاحقا باسم حقوق الأقليات للتدخل في كل شيء» مرة ثانية قلت من هم؟ قال الغرب وأمريكا. قلت ، لكن القوانين الدولية وحقوق الإنسان تكفل حرية الاعتقاد، قال : نعم حرية الاعتقاد وليس حرية أن يأتي الأجنبي ويغير دين المسلم في بلاده.
القمص بطرس وقناة «الحياة»
لعل أبرز النماذج التي استوقفتني في مرحلة البحث والإعداد، كان نموذج القمص زكريا بطرس، وقناة الحياة. فالقمص بطرس تجاوز السبعين من عمره، ويكرس ساعات طويلة من يومه لنقد الإسلام عبر هجمات يمكن أن تعاقب عليها القوانين في كثير من الدول الغربية التي يتنقل بينها. كان القمص بطرس أول من حاولنا لقاءهم ضمن هذا الوثائقي، وبالفعل رحب الرجل بالفكرة خلال التواصل بالبريد الإلكتروني، لكننا في مرحلة لاحقة فوجئنا برفض المسئولين في قناة «الحياة» المنبر الرسمي لدعوته المسلمين إلي التنصر، وبالتحديد رفض المسئولة عن مواعيد الأب بطرس وهي متنصرة مصرية تعيش في كاليفورنيا، مجرد الحديث حتي عبر الإنترنت مع أي من العاملين أو المسئولين في القناة.
القمص «بطرس» هو المتحدث الرئيسي في قناة الحياة وعبر البالتوك ومواقع الإنترنت، نقطة انطلاقه في كل ما يقول هي نقد الإسلام من كتب الإسلام ، في نبرة هجومية الطابع، لكن القمص يقول دائما«معذرة أحبائي المسلمين هذه هي الكتب والمراجع»، عليك أن تقضي ساعات تتابعه لتقتبس آراءه المباشرة في فقرات الانفعال، التي لا يتذرع فيها بالنصوص ، منها حديثه مثلا بالإنجليزية مع قناة مسيحية أمريكية عن أن المسلمين «مغسولي الأدمغة ولابد من صدمتهم ليفيقوا» ومنها ما قاله أوائل هذا العام ، في حلقة خاصة «من أن المسلمين جميعهم هم نتاج ثقافة الإسلام الإرهابية». إضافة إلي مئات التعليقات التي لا يمكن ذكرها هنا.
يرتدي القمص الزي الكهنوتي للآباء الكهنة في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية «الكرازة المرقسية» التي تقاعد منها، لكن طريقة التبشير التي يمارسها عبر برامجه خاصة فيما يتعلق بالإيمان الوقتي «الخلاص اللحظي» أثارت غضب الكنيسة المصرية التي استنكرتها وعلي لسان الآباء الكهنة وقداسة البابا شنودة الثالث في عظة صوتية وكتابين عن القضية نفسها.
أثار رفض قناة «الحياة» الكثير من الأسئلة لدينا رغم أننا تعهدنا بضمان كل ما يتعلق بالنواحي الأمنية للقناة والعاملين، حتي تبين لنا أن القناة لا تريد لأحد أن يعرف عنها أكثر مما يريد القائمون عليها ومعظمهم من المسلمين الذين تحولوا إلي المسيحية. لكن زياراتي لمصر وأمريكا ولقاءاتي مع أصدقائي المسيحيين وفرت لي الكثير من المعلومات عن القناة والقائمين عليها، فالقناة لا تكتفي بالتبشير عن بعد لكن لديها أيضا أشخاص علي الأرض مهمتهم الاتصال بالراغبين في اعتناق المسيحية ومساعدتهم. كما أن المسئول عنها ويدعي «أ.ع» يمارس نفوذاً واسعاً في أوساط المتنصرين ويؤمن لهم الدعم المالي واللوجيستي أيضا ومن ثم ينفرد بالكلمة الفصل والضغوط الصارمة في تقرير حالات المتنصرين خارجيا وداخليا.
كان حديث أحد قادة أقباط المهجر عن قناة «الحياة» هو ما دفعني أكثر في رحلة البحث، فقد قال لي: إن ميزانية القناة تبلغ عشرات الملايين من الدولارات فهل تعتقد أن تبرعات أقباط المهجر تكفي لهذا؟ ولماذا يمول أقباط المهجر قناة تبشر بالمذهب الإنجيلي حتي لو تعاطفوا معها؟ فهي في النهاية لن تجلب مؤمنين إلي كنيستهم؟ وتعززت المعلومات لدي عندما التقيت بمجموعة المتنصرين في مصر، وفوجئت أن أغلبهم تحولوا إلي المذهب الإنجيلي بالرغم من أنهم يحتمون داخليا بالكنيسة المصرية وشبعها الأرثوذكسي. كنت أعرف أن المحامية والناشطة الحقوقية المصرية نجلاء الإمام التي تحولت للمسيحية في عام 2009، أثارت معركة في الداخل وأصبحت موضع سؤال في دوائر المتنصرين بالخارج، عندما سألتها عن السبب، قالت لأنها رفضت التحول إلي المذهب الإنجيلي، وأصرت علي أن تتبع الكنيسة المصرية، سألتها عما إذا كان هنا من يتربح من التنصير، فروت لي الكثير عن شخصيات في الداخل والخارج تجعل من المتنصرين تبعيتها وتتحدث نيابة عنهم، أحد هؤلاء مسئول كبير في قناة «الحياة».
سمعت كلاما مشابها من مسيحي مغربي، طلب عدم ذكر اسمه، وقال إنه تعامل مع قنوات فضائية مهتمة بالتنصير، وأنه عندما يتصل مشاهد مسلم مثلا بالقناة عبر الإيميل أو رقم محلي موجود في الخارج، يتم تحويل بياناته إلي شخص قريب من إقامته ليتعامل معه ويقدم له الدعم والمؤازرة.
لا يوجد عنوان محدد لقناة الحياة ومواقع الإنترنت المرتبطة بها، لكن الصلة التي تكشفت لنا كانت علاقة العمل التي تربط القناة بمنظمة إنجيلية أمريكية هي منظمة «جويس ماير مينستريز»، وجويس ماير هي من أكبر المبشرين التليفزيونيين في أمريكا «تيلي إيفانجليست»، تبث برامجها عبر 80 محطة إذاعة وتليفزيون عبر العالم، تجمع تبرعات تتجاوز عشرات ملايين الدولارات، تستخدم طائرتها الخاصة مع زوجها ديفيد في زيارات رعوية ومؤتمرات تبشر بالحب والخير يحضرها عشرات الآلاف سنويا. أما ابنهما ديف ماير فيشرف علي قطاع التواصل«التبشير» في المنظمة «هاند أوف هوب أو يد الأمل» ولهم مشاريع تبشيرية وخيرية في كل من مصر ولبنان معلن عنها في موقع المنظمة. لا تقر منظمة «جويس ماير» بوقوفها وراء قناة الحياة، لكنها تصفها ب«الشريك الحيوي» لها وتعترف بأنها أسهمت في إطلاقها وتصف أيضا كيف تم مشروع الإطلاق الذي يعد الأفضل بالنسبة للمنظمة في العالم الإسلامي. اتصلنا بجويس ماير وطلبنا مقابلة وانتظرنا، وفوجئنا بالرفض، أبدينا مرونة أكبر وطلبنا لقاء أحد المسئولين، رفضوا. عرفنا بموعد محاضرة كانت ستلقيها جويس ماير في مدينة صغيرة تدعي سبوكين بولاية واشنطن وتوجهنا إلي هناك، منعنا من لقائها لكننا حضرنا اللقاء وأجرينا لقاءات مع الحاضرين. اتصلنا بجويس ماير بنماذج مما يبث علي قناة الحياة ومهلة أخيرة للمشاركة في البرنامج، جاءنا رد يقول إن جويس تبث برامجها عبر القناة 9 مرات يوميا وتدفع ثمن ساعات الإرسال، لكنها لا تمول الحياة، و لا تشرف تحريريا علي القناة لكن الرد أضاف« أما فيما يتعلق بالبرنامج المشار إليه «برامج القمص بطرس» فهذا الشهر سيكون الأخير لها علي قناة الحياة».
جيل جديد
عندما زرت كاليفورنيا وعشت أسبوعين مع مجموعة بارزة من المتنصرين ، تبين لي وجود خمس محطات مسيحية تبث بالعربية من هناك، بعضها يكتفي بالتبشير والآخر يتبني خطابا هجوميا يستهدف المسلمين، أدركت أن هذا هو الجيل الذي يتبع خطوات القمص بطرس. منهم متنصر يدعي أحمد أباظة الذي أسس قناة تسمي «الحقيقة»، لكني أدركت أيضا أن حربا سرية تجري بين تلك القنوات علي التبرعات والمشاهدين وربما التمويل، اتهامات بالاختلاس وضرب تحت الحزام واتفاق غير مكتوب بألا يتحدث أحد عن ذلك أمام الإعلام. ألف «أباظة» كتابا بعنوان «كنت أعمي والآن أبصر، أحمد أباظة ترك الثروة والسلطة ليشتري نفسه من الهلاك». كانت فترة من الضغط العصبي، فالجميع ينظرون لي علي أنني قادم من «المعسكر الآخر» ووصل الأمر أحيانا لدعوتي فعليا مزحا وجدا إلي الخلاص والتحول، أما الذين لا يعرفون مهمتي الصحفية فكانوا يعتبرونني «عابرا» وهو وصف الشخص القادم من الإسلام إلي المسيحية. لكن وجود عدد كبير من المسيحيين «الصعايدة» وسط المجموعة خفف عني كثيرا لأنهم جميعا استشعروا نفس الحنين إلي قراهم ومدنهم في حديثنا بعيدا عن الدين. يحكي «أباظة» أن والده كان المليونير المصري مصطفي أباظة أحد أقطاب العائلة الأباظية العريقة في مصر وأن عائلته عذبته لكي يتراجع عن المسيحية التي اعتنقها في التسعينيات ، طلبت منه الاطلاع علي الوثائق أو الصور الخاصة به، قال إنها ضاعت أثناء انتقاله من كندا لأمريكا، اتصلت بأقطاب الأباظية في مصر لأسألهم عن حكايته، فوجئت بأنهم لا يعرفون عنه شيئا، في اليوم الأخير وصلتني معلومات موثوقة من أفراد العائلة أنه ليس نجل مصطفي أباظة المليونير المعروف، عدت إليه لسؤاله عن تلك المفارقة، قال لي إنه لا يعرف الأشخاص الذين أتحدث عنهم وأن عائلته دمرت كل الوثائق الخاصة به في «السيستم المصري» وأنه مصر علي الاحتفاظ باسمه الذي يستخدمه منذ سنين.
لم تنته الأسئلة لدي بانتهاء إعداد البرنامج، فالحديث الملتهب عن الدين في المنطقة العربية أشبه بعود ثقاب قرب برميل بارود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.