لم يدهشني رد الرئيس مبارك علي سؤال الصحفي الألماني عمن سيخلفه.. رغم أن إجابة الرئيس جاءت بشكل لم يتوقعه كثيرون.. عندما أرجع الأمر كله إلي علم الله.. ونعم بالله.. دعك هنا من أن الرئيس قد خلط الدين بالسياسة وهو ما ينهانا عنه الحكم.. ودعك أيضا من أن إجابة الرئيس ليست مقبولة لدي الغرب.. فهم لا يفهمون كيف لدولة يبلغ تعدادها ثمانين مليون نسمة وعندها مشكلات كثيرة وانتخابات الرئاسة بعد أشهر.. ورغم ذلك تبدو المسألة كلها في علم الغيب مثلما أجاب الرئيس.. قناعتي أن الرئيس لم يناور أو يتجمل بل إنه قال الحقيقة رغم أنها صدمت البعض. حاولت التعامل مع إجابة الرئيس من زاوية أخري تبتعد عن الغيبيات.. وتعمل العقل والمنطق وقليل من الحساب.. واجتهدت - وللمجتهد أجر إذا أخطأ - في تحديد شخص مرشح الرئاسة وآلية اختياره.. ووجدتني أمام ثلاثة احتمالات كانت كالتالي: الأول: وهو الاحتمال التقليدي الذي يقتنع به غالبية الشعب وقيادات الحزب الوطني ورجال الحكم.. ويعتمد فكرة ترشيح مبارك لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة مرشحا عن الحزب الوطني.. لكن الرئيس مبارك حتي هذه اللحظة لم يحسم قراره بخوض تلك الانتخابات بنسبة مائة بالمائة.. ولا يزال يدرس القرار بطريقته المعتادة في التفكير الطويل.. ثم اعتماده علي المفاجأة كعنصر رئيسي في اتخاذ قراراته.. قد يتحفظ البعض علي الكلام السابق ولديهم قناعتهم بأن مبارك هو المرشح القادم.. لكني أميل إلي أن الرئيس لم يحسم بشكل نهائي هذا السيناريو حتي تلك اللحظة. الاحتمال الثاني: يتعلق بترشيح أحد أعضاء الهيئة العليا بالحزب الوطني لخوض الانتخابات الرئاسية.. إذا قرر مبارك عدم خوض الانتخابات.. وبقراءة سريعة لأسماء الهيئة العليا للحزب سيبرز اسم جمال مبارك.. كمرشح وافر الحظوظ.. وهو احتمال يقبل به العقل وتدعمه الشواهد. الاحتمال الثالث: ينبني علي إجابة السؤال التالي: ماذا لو قرر الرئيس عدم خوض الانتخابات الرئاسية القادمة.. وفي نفس الوقت رفض ترشيح نجله لخوض الانتخابات..؟ إذن لابد أن يكون لدي الرئيس مرشح يحتفظ به في عقله ولا يريد أن يعلن عنه الآن والمؤكد أنه من خارج الحزب.. لكن تظهر مشكلة.. أن هذا المرشح -حال وجوده- يجب أن يكون عضوا بالهيئة العليا للحزب الوطني حتي يمكن ترشيحه.. وذلك قبل فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية بعام واحد علي الأقل كما حدد الدستور.. بعبارة أخري فإن منتصف يوليو القادم هو آخر موعد يمكن أن تنضم فيه شخصية ما للهيئة العليا بالحزب الوطني. إذا صح هذا الاحتمال.. يبقي سؤال: من هي تلك الشخصية التي لم يفصح الرئيس مبارك عنها حتي الآن؟.. ثم ماذا لو لم يحسم الرئيس مبارك كل التساؤلات السابقة حتي منتصف يوليو القادم.. واستقر في نهاية العام الحالي علي عدم خوض الانتخابات وكذلك نجله.. ومن ثم قام بتزكية إحدي الشخصيات من خارج الحزب ودائرة الحكم..؟ حيث ستظهر مشكلة مفادها أن تلك الشخصية المرشحة لا يمكنها أن تنضم للهيئة العليا بالحزب الوطني.. وبالتالي خوض الانتخابات بصفتها مرشحة الحزب الوطني وفق المواعيد التي حددها الدستور. سألت مصدرا وثيق الصلة بالحزب الوطني والحكم عن السيناريو المتوقع في تلك الحالة فقال: سيخوض هذا المرشح الانتخابات الرئاسية «مستقل» وسيأمر الرئيس مبارك جميع أعضاء حزبه بجميع المجالس المحلية والنيابية بمنح أصواتهم لهذا المرشح.. حتي يحقق النص الدستوري كمرشح مستقل.. وبعدها سوف يسميه الحزب مرشحا له.. وبعد نجاحه سيصبح رئيسا للحزب الوطني.. لكن ماذا عن مبارك ووضعه حال تنفيذ السيناريو الأخير.. ثم ما الاحتمال الأقرب للحدوث من بين الاحتمالات الثلاثة السابقة؟. الإجابة مثلما قال الرئيس في إيطاليا.. الله وحده يعلم.