كذبَ البنا بزعمه أن مكتب الإرشاد لم يحصل على إعانة واحدة من الحكومة أو يدخل خزانته قرش واحد من غير جيوب أعضائه البنا يدعم أقواله دائمًا بأحاديث نبوية شريفة وآيات قرآنية فى غير مكانها لإيهام جماعته ومريديه بأنه يستقى كل شىء من الإسلام مؤسِّس الإخوان سعى لإنشاء الشُّعَب والعمل المفتوح لجمع الناس حوله كواجهة.. لكن مقصده الحقيقى كان انتقاء أفراد مجهَّزين للسمع والطاعة
يدعو البنا أنصاره إلى استخدام القوة ويدَّعى أن ذلك سيكون محفوفًا برعاية السماء
وأيضًا تحت عنوان «متى تكون خطوتنا التنفيذية» يقول البنا:
«وقد يظنّ من يسمع هذا أن الإخوان المسلمين قليل عددهم أو ضعيف مجهودهم، ولست إلى هذا أقصد وليس هذا هو مفهوم كلامى، فالإخوان المسلمون والحمد لله كثيرون، وإن جماعة يمثلها فى هذا الاجتماع آلاف من أعضائها، كل منهم ينوب عن شعبة كاملة لَأكثر من أن يُستقلّ عددها أو يُنسَى مجهودها أو يُغمَط حقها، ولكن أقصد إلى ما ذكرت أولًا من أن رجل القول غير رجل العمل، ورجل العمل غير رجل الجهاد، ورجل الجهاد فقط غير رجل الجهاد المنتج الحكيم الذى يؤدى إلى أعظم الربح بأقل التضحيات».
يؤكد أن الأعضاء كثر، ولكنه يحتاج إلى نوعية معينة وصفها بالجهاد المنتج الحكيم، وتحدث عن عظيم الربح وأقل التضحيات، فيعنى أن هناك تضحيات وقتلى، لأنه ستكون حربا، لانتزاع الحكم وإقامة حكم جديد تحت مسمى الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية، ويتضح أيضا أن البنا كان يقصد تماما إنشاء الشُّعَب والعمل المفتوح لجمع الناس، ليكونوا واجهة وحائط صد، ولكن المقصد الأساسى هو انتقاء الأفراد الذين يتوسم فيهم الإمام البنا القوة والحماسة والإنضباط، والقناعة الشخصية بشخصه، ليكون مجهزا للسمع والطاعة وعدم إثارة القلاقل والنقاشات الجدلية التى من الممكن أن تقلب عليه الأتباع، وكان قادرا على اختيار هؤلاء الأشخاص بكل دقة وكل ذكاء ليلحقهم بالتنظيم الخاص، مع استمرار الشُّعَب كواجهة عامة لاستقطاب الشباب، وبعدها تكون عملية الفرز والانتقاء، فى مشروع سياسى واضح، لإنهاء النظام الموجود وإقامة نظام جديد يوصف بالدولة الإسلامية.
تحت عنوان «سرعة الانتشار فى القرى والمدن» يقول:
«والصلة بين الإخوان فى كل القرى والمدن أقوى الصلات جميعا، إنها صلة الحب العميق والتعاون الوثيق، والارتباط القدسى المتين».
- فى ظل هذه الأجواء التى تتصف بالأحادية وامتلاك الحقيقة المطلقة وراية القرآن ومظلة النبى الكريم، تكتمل الوصفة السحرية بالحديث عن الارتباط القدسى المتين، فهم ليسوا مجرد حركة سياسية، ولكنها حركة مقدَّسة، ولذلك يجب أن تكون العلاقة بين الأفراد ارتباطا قدسيا، يحضرنى فى هذا المقام موقعة «ذات السلاسل»، حيث خرج عمرو بن العاص فى ثلاثمئة مقاتل، ليقابل هجوما محتملا على المدينة، ويطلب المدد بعد ذلك ليجىء أبو عبيدة بن الجراح فى مئتين من المقاتلين من بينهم أبو بكر وعمر بن الخطاب، ويصر عمرو بن العاص على إمامة الصلاة وهو على جنابة، متعذرا ببرودة الجو مع وجود أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، وينهى عن إشعال النيران وقال بحسم من يشعل نارا سألقيه فيها، ثم يقدم جيش عمرو بن العاص على المدينة، ويأتى عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان حديث عهد بإسلام، ويسأل الرسول مَن أحب الناس إلى قلبك فيقول عائشة، فيقول أقصد من الرجال، فيقول أبوها، ثم مَن؟ والرسول يجيب عدة مرات دون أن يأتى اسمه، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام أمَّره على الجيش، لأنه قائد عسكرى محنك.. فكرة المؤسسات وأهل القدرة وأهل الثقة، فكان واضحا اختيار الرسول عليه الصلاة والسلام لأهل القدرة، ولكن ما يهمنى فى هذا الأمر بشرية الصحابة وعلاقتهم البشرية، بكل ما فى البشرية من ذاتية أحيانا، ومن غيرة وأمور كثيرة، كان يتعامل معها الرسول بالتقويم الهادئ، ولم يدَّعى أحد أنها علاقة مقدَّسة أو لها قداسة، ناهيك بما تم بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام من اقتتال وحرب ارتكبت فيها كثير من الفظائع فى صراع واضح على السلطة.
تحت عنوان «أيها الإخوان» يقول:
«إلى الآن أيها الإخوان لم يمنح مكتب الإرشاد العام إعانة واحدة من حكومة أيا كانت، وهو يباهى ويفاخر ويتحدى الناس جميعا أن يقول أحدهم إن هذا المكتب قد دخل خزانته قرش واحد من غير جيوب أعضائه».
- معذرة أنت تكذب يا شيخ حسن، أو تُعرِّض بالكذب كما يحلو للإسلاميين تسميته.. حاييم درة، تاجر يهودى إسكندرانى، تبرع للجماعة بمبلغ كبير، وقَبِل حسن البنا هذا التبرع، هذا ما ذكره حلمى النمنم فى كتابه «حسن البنا الذى لا يعرفه أحد»، وقال إنه كان اجتماعا معلنا حضره كثير من الوجهاء، ونزلت أخباره فى الجرائد وقتها، وأيضا حسن البنا نفسه كتب فى مذكراته أنه تسلم من شركة قناة السويس خمسمئة جنيه تبرعا للجماعة وقتها وقالها أيضا فى رسالة لاحقة بعد ذلك، ولكن حسن البنا فى تعريضه بالكذب يقول «لم يُمنح مكتب الإرشاد العام»، فهو يتحدث هنا عن المكتب العام وكأن مكتب الإسماعيلية شىء آخر، ومكتب الإسكندرية شىء آخر أيضا، وهو يتحدى الناس جميعا أن يقول أحدهم «إن هذا المكتب»، واضح طبعا كلمة «هذا المكتب»، ما الداعى ليقول حسن البنا هذا الكلام، كان من الممكن أن يتجنب هذا الموضوع بسهولة، أو يتحدث بالحقيقة، ويبررها إن كانت تحتاج إلى التبرير، وهذا يذكرنى بشيخ سلفى شهير، أقسم فى أحد برامجه إنه لا يتقاضى جنيها من القناة، وكأنه نزيه يدعو للإسلام فى سبيل الله ودون أى أغراض أخرى، وعندما تعجب مدير إنتاج القناة وهو يعلم حجم الأموال التى يتقاضاها، وأعرب عن تعجبه للشيخ، قال له أنا لا أقبض منك أى جنيهات، لأنى أقبض بالدولار، ما الذى دفع الشيخ إلى هذا الكلام، رغم أنه كان بكل سهولة من الممكن أن يتحدث عن أن الأئمة الثلاثة مالك وابن حنبل والشافعى كانوا يقبلون عطايا الملوك، وكان هذا يوفر لهم فرصة التفرغ للعلم، وأنه لا مانع من ذلك، ولكنه ادعاء الورع فى غير محله، وبل ادعاء لورع وزهد لا يملك زمامه، هذا ما يجعل الغموض والريبة تحيط بشخصية حسن البنا.
تحت عنوان «الإخوان والقوة والثورة» يقول:
«أما القوة فشعار الإسلام فى كل نظمه وتشريعاته، فالقرآن الكريم ينادى فى وضوح وجلاء (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) (الأنفال)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف)، فالإخوان المسلمو ن لا بد أن يكونوا أقوياء، ولا بد أن يعملوا فى قوة، فهم يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلى ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح. ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعانى جميعا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح، وهى مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان، فسيكون مصيرها الفناء والهلاك.. إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولا، وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها».
- أكثر وضوحا، سيستخدم القوة ولكنه سينذر أولا ضد من سيستخدم القوة. الشيخ حسن من المؤكد أنه ضد الدولة المصرية القائمة فى ذلك الوقت، هل هذا خروج على القانون، نعم هو خروج على القانون، هل من حق الشيخ حسن أن يخرج على القانون، من حق أى أحد أن يفكر فى الانقلاب السياسى على الدولة، هو ليس حقا بالمعنى الشرعى أو القانونى، ولكن من المنطلقات التاريخية وعلم النفس الاجتماعى، هكذا كانت تتغير الأنظمة والدول على مدار التاريخ والجغرافيا أيضا، ولكن المشكلة الادعاء بأنه محفوف برعاية السماء، هذه هى المشكلة الشرعية التى أراها خاطئة، فعندما خرج الحسين ليأخذ الخلافة من يزيد بالقوة ويرى أنه أحق بها، لم يدَّعى الحسين رضى الله عنه وأرضاه أنه محفوف بالرعاية الإلهية، وأنه الحق والآخر هو الباطل بالمعنى الشرعى، ولم يصف أهل المدينة الذين لم يخرجوا معه بالإثم، مع العلم أنه لم يخرج معه إلا أهل بيته وعائلته، وهذا يذكرنى بمجادلة دارت بينى وبين أحد أصدقائى من حزب الحرية والعدالة، وكان حديث عهد بالجماعة، وقال لى لازم تراجع أفكارك يا سامح، إنت أفكارك غلط، قلت له عادى رأيى صواب يحتمل الخطأ، بس حضرتك أيضا ممكن تراجع أفكارك، قال لى أفكارى صح، السياسة جزء من الدين، الدين الإسلامى شامل، والسياسة جزء لا يتجزأ عن الدين، السياسة هى الجزء والدين هو الكل الشامل المحتوى لكل الأمور الأخرى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولما كان الوقت لا يتحمل مجادلة طويلة، لأنها كانت مجادلة على الواقف فى أحد أروقة الدواوين الحكومية، فقلت له بسرعة، هل قتل الحسين دينا، قال نعم دين، مين اللى قال له يروح هناك ماقالوا له فى المدينة ماتروحش، وكان على التو اعتصام رابعة العدوية قد تم فضه من أيام قلائل، فقلت له وانتو مين اللى وداكو هناك، فاحمر وجهه من الغضب وانفعل وأخذ يصرخ نحن على الحق نحن معنا الشرعية، خمس انتخابات فزنا بها، ما فعله السيسى خيانة، انقلاب، هذه ليست حربا على الإخوان إنها حرب على الإسلام، والجهاد حق فى وجه الانقلاب، ومن يتخلف عن هذا الجهاد آثم ومخطئ خطأ كبيرا، فأنهيت النقاش بأدب وقلت له نكمِّل فى وقت آخر.
المشكلة أن حسن البنا يدعم أقواله دائمًا بأحاديث نبوية شريفة وآيات قرآنية لإيهام جماعته ومريديه بأنه يستقى كل شىء من القرآن، مع الاستدعاء فى غير مكانه فى أكثر الأمور، فهو يبرر استخدام القوة بأحاديث نبوية شريفة ويرفض الثورة، ففى الوقت الذى يخطط للخروج المسلح على الدولة وقلب نظام الحكم، فى الوقت نفسه يرفض الثورة، لأن الثورة تكون شعبية ويكون فيها شركاء، وشركاء الثورة لهم استحقاقات، وأيضا الجموع الشعبية التى خرجت لها مطالب، وهذا ما يرفضه الإمام البنا فهو لا يريد شركاء، ولا يريد جموعا شعبية تضغط على قراره، لأنه كما وضَّح سابقا، «هذا طريق مرسومة خطواته موضوعة حدوده»، فقد خطط ووضع الحدود ورسم الخطوات، وتلك الخطط والرسوم لا تقبل شركاء ثورة ينغصون عليه سلطته، أو حتى شركاء شارع يضغطون على قيادته وزعامته المنفردة،لأن الإمام (الخليفة) عند الإمام البنا هو مجتمع الشمل ومهوى الأفئدة، وظل الله فى الأرض، ماينفعش شوية عامة من المجتمع يخرجوا على حكمه ونظامه.