هذا موسم مندوبى المبيعات. وهم أخطر نوع من مندوبى المبيعات/ لأن بضاعتهم فاسدة/ تجد أحدهم يروج لفكرة تافهة مثل: «إننا فراعنة ولا يصلح لحكمنا سوى فرعون». هذه الفكرة التى كانت تبيع بضاعة لديكتاتور التعيس/ الذى يقول إننا أقل من كل شعوب الدنيا/ وإنه لا يصلح معنا سوى الديكتاتور «أبو صفارة وعصاية» وهى فكرة تقال عن أى شعب، لكن أصلنا الفرعونى يمنح للفكرة رونقًا يمنع التفكير.. ويجعل الحكم كأنه استجابة لأقدار لا نعرفها/ ووفق تاريخ لا يراجعه أحد. الفرعنة بالمعنى الذى يعنى القهر والعبودية ارتبطت بمرحلة الانحطاط/ أما مراحل النهضة والإبداع فهى رهن مراحل أخرى من الحضارة الفرعونية. ومن يقرأ تاريخ الحضارة التى يريدون أن ننتمى فقط إلى وجهها القبيح سيكتشف أنه لا يمكن التعامل مع تاريخ طويل بهذا المنطق الترويجى/ التافه. مندوب المبيعات يبيع الديكتاتورية بترويج ونشر خرافات استخدمتها أجهزة مخابرات وبروباجندا كل المستبدين/ لأن هدفهم النهائى هو «إلغاء السياسة» ليصبح الحكم قدَرًا والحاكم إلهًا، نحن نعيش فى مزارعه ومن فتات هباته وعطاياه. مندوب المبيعات من هذا النوع متهافت/ ومثل تجار الشعوذة يستثمر فى ذعر الناس أو هلعهم من مستقبل جديد/ويبيع لهم الخرافة التافهة. المشعوذ القادم من عالم انقرض/ يعيش على أطلال الدولة التى تحتضر من أيام مبارك/ ويتصور قطاع آخر من مندوبى المبيعات أن هذه الدولة ستعود/ وإذا كان مشعوذ الديكتاتورية يريد أن يبيع أحجار الدولة الساقطة/ فإن مندوب مبيعات الدولة القديمة يبيع الميت/ ويخرج من التوابيت جثثا متحللة على أنها مستقبل مصر القادم/هكذا سنرى مثلا جبهة مثل «مصر بلدى» تحاول إعادة الروح إلى كادر الحزب الوطنى/ أو نادى الشطار والمحظوظين/كلهم خارجون من حضانات صفوت الشريف/ الجبهة تريد حجز مساحات للاستفادة من المال السياسى الذى سيتساقط دفاعًا عن المصالح النائمة فى السراديب منذ 25 يناير 2011. جبهة أبناء صفوت الشريف/ تزاحم فى بورصة المال السياسى المتوهم بأنه اقترب من قضم الحصة الأكبر من الكعكة، وهنا يظهر مندوب مبيعات من نوع أحدث/ له ماض فى نخبة الحزب الوطنى ولجنة السياسات/ لكنه ماضٍ يمكن غسله وإعادة تدويره ليدخل فى «زواريب» النخبة الجديدة، وهنا يكون المندوب جسرًا بين الماضى الذى لا يمانع من التعامل مع الجديد، وهؤلاء يبحثون عن قضمة من الكعكة/ يمكنها أن تقبل شروط «المؤسسة العسكرية» التى تلعب دور «رأسمالية الدولة» بمعنى أنها تريد أن تحتل دور «القطاع العام» وهو ما يفرض تنازلات على حملة بيع فكرة إحياء الماضى فى وجوه جديدة، من بين هذه التنازلات القبول «بأن تضع الدولة يدها فى محافظهم». إنه سيرك إذن وليس حلبة مصارعة/ فلا فكرة تهيمن ولا قوى حسمت الأمر كله لصالحها/ وفى أعلى مستويات الحكم استشعار بالخطر ومحاولة الوصول إلى توازن يشبه السير على حبال دائبة بهذه التركيبة المتنافرة/المتصارعة. توازن مرعب، لا يوجد فيه طرف انتصر نصرًا حاسمًا/ ولا يشعر بالقدرة الكاملة على عبور اللحظة المرعبة. وكما كتبت قبل عدة أيام فى افتتاحية «السفير»: لم يعد ممكنًا نسيان لحظة كسر رقبة الفرعون/ ولا فشل خليفته الأول (الجنرال طنطاوى الذى أقنعه حكماء الدولة القديمة بأنه يمكن أن يحكم عامين بشكل مؤقت) ولا الثانى (مندوب الجماعة مرسى الذى تخيل أنه سيقيم دولة فقهاء عل أنقاض دولة الجنرالات). مصر تنتظر الآن/ وسط طوفان طقوس صناعة خليفة ثالث، تنتظره طيور الدولة القديمة (بجوارحها أصحاب المصالح أو بعصافيرها من جمهور منتظر لحنان السلطة)/ وتدفع بكل جنونها من أجل أن لا يكون الخليفة أقل من الجنرال السيسى نفسه. والسؤال ليس فى الحقيقة عن رغبة الجنرال من عدمها/ ولكن السؤال: لماذا يتردد الجنرال ولديه شعبية وشريحة اجتماعية دافعة من الخلف/ وربما جهاز سياسى جاهز لإعادة التحميل مرة أخرى وملأ فراغات الدولة الموحشة؟ هناك طموح أكبر.. بالتأكيد. فالجنرال السيسى واجهة لمن يريدون أن يكونوا أصحاب «بدل نظيفة» لا يتحملون معهم «أوساخ» نظام سقط لأنه فاسد وفاشل. الطموح أن تبعث «البدل النظيفة» دولتهم الجديدة من أطلال القديمة/ ووفق بنية «نظيفة» من دولة تجمع بين (عبد الناصر والسادات) تعيد بناء «الوطنية» و«رأسمالية الدولة» بمنطق التطهير المختار، لا إعادة البناء. وهنا تحتاج «البدل النظيفة» إلى الثورة/ لكن بالتحديد من يمكنه أن يندمج مع سلطوية «الدولة العارفة/ القائدة لمجتمع ما زال غارقا فى الجهل وأسيرا لمؤامرات الأحزاب الفاسدة/ ولهذا يعلو الآن خطاب الفرق بين «الثورى» و «الفوضوى» ليكون معيار الاندماج أو الدخول فى عملية إعادة بعث الدولة من رماد فاسديها.