ماذا لو عاد نيلسون مانديلا إلى الحياة ليشهد مراسم تأبينه التي حضرها 100 من قادة العالم تباروا في نظم الكلمات ودبجوا العبارات في رثائه؟ ألم يكن ليخرج عن صمته ودبلوماسيته المعهودة ويقول لهم: "أنتم كذابون منافقون تعانون من ازدواج في الشخصية.. وأقوالكم تناقض أفعالكم.. وتمارسون في حياتكم كل ما ناضلت طوال حياتي للقضاء عليه من تمييز عنصري وديني وعرقي.. وتقترفون عكس كل ما كافحت لنشره من عدالة وسلام ومساواة.. وها أنتم اليوم تحاولون التطهر بكلمات اختيرت بعناية لترضون ضمائركم الميتة"؟ ماذا لو علم الراحل العظيم، الشهير بلقب ماديبا الذي يشير إلى عراقة الأصل والجوهر، أن أعضاء تنظيم الإخوان "الإرهابي" يشبهون الرئيس المعزول محمد مرسي به؟ ماذا لو علم أن أحدهم تجرأ ورفع "إشارة رابعة" في حفل تأبينه في محاولة فاشلة ل"سرقة الأضواء" والسطو على نضال الزعيم الراحل، قبل أن يطرده المنظمون؟ ألم يكن مانديلا ليصرخ: "كلكم تتاجرون بموتي"؟ أي ازدواجية هذه التي يمارسها الإخوان؟ أليست هذه الجماعة التي يطالب زعماؤها بضرورة العمل على "نقاء الدم الإخواني"، وألا يتزوج الإخواني إلا إخوانية حتى يظل العرق طاهراً غير ملوث؟ أليست هذه الجماعة التي مارست الإقصاء والتآمر والخداع والكذب طوال تاريخها، معتبرة أنه يحق لها ما لا يحق لغيرها باعتبارها الجماعة المختارة المحتكرة للإسلام، ومن يخالفها فهو إما مغيب أو جاهل أو كاره للدين ويحارب الإسلام كما يصدعنا قادتها في وسائل الإعلام؟ أليست هذه هي الجماعة التي خرجت من رحمها كل الحركات التكفيرية التي أحلت القتل ومارست الإرهاب مع كل من يخالفها الرأي؟ ما وجه الشبه بين مانديلا ومرسي؟ أليس هذا استخفافاً بالعقل؟ رئيس فاشل كاذب مخادع منافق يحاكم حالياً بتهمة القتل، مارس طوال سنة واحدة من حكمه كل ما طالب مانديلا بالقضاء عليه، مارس الطائفية وأقصى معارضيه، وكاد أن يشعل حرباً أهلية في بلده، وعندما خرجت الملايين عليه في ثورة شهد لها العالم لاقتلاعه من كرسي السلطة لم يستجب وواصل عناده وعنجهيته وهدد وأنصاره بحرق البلاد.. بل فعلوا ويفعلون. وبعيداً عن الإخوان فهذا طبعهم، أي ازدواجية هذه التي يمارسها قادة العالم، وبعضهم أياديه ملطخة بالدماء؟ لو أن إنساناً لا يعيش على هذا الكوكب سمع كلمات أوباما -مثلاً- في رثاء مانديلا لأحس أن البشرية تعيش في المدينة الفاضلة، طالما أن المتحدث رئيس الدولة رقم واحد في هذا العالم قوة وتأثيراً، ولظن أن هذا الرئيس ودولته بقوتها وتأثيرها ينشران السلام والعدل والمساواة في العالم، بدلاً من القتل والتدمير والتآمر، كما هو الحال في الواقع. ألا تعيث الجيوش الأمريكية فساداً في الأرض، ألا تقتل هنا وهناك وتوجه الضربات الاستباقية حتى لا يطال الأذى أراضيها؟ أليست الولاياتالمتحدة من وقفت طويلاً وما زالت في وجه أي تسوية عادلة لأغلب النزاعات المستعصية في العالم، طالما لا يخدم الأمر مصالحها؟ لا يكفي أن ترثي مانديلا بكلمات منمقة أو تدبج العبارات البليغة حتى ترضي ضميرك إذا كنت ما زلت تمتلك واحداً.