مانديلا بدأ بالمصالحة والعفو ونجح فى التحول الديمقراطي والنهضة الاقتصادية.. فدخل التاريخ «إن التحدي الذي يواجه كل سجين خاصة السجين السياسي هو المحافظة علي ذاته في السجن وأن يخرج من السجن دون أن يتضاءل, وأن يحتفظ, بل ويزيد من عقائده, وأول مهمة لتحقيق ذلك هو أن يتعلم المرء كيف يبقي, ولكي يتحقق ذلك فلا بد للمرء أن يعرف هدف عدوه; فإن السجن يهدف إلي هزيمة معنويات الإنسان, وتقويض عزمه, ولكي يتحقق ذلك تحاول السلطات استغلال كل ضعف وتحطيم كل دافع, وأن تبطل ما يدل علي التفرد, وذلك لكي تقضي علي تلك الومضة التي تضفي علي كل آدمي هويته. هكذا وصف نيلسون مانديلا التجربة الإفريقية في كتاب «مسيرة طويلة نحو الحرية» وهو السيرة الذاتية له كما كتبها عن نفسه والتي تروي قصة كفاح شعب عاني من أبشع صور القمع والقهر حتي استطاع أن ينتزع حريته من براثن الديكتاتورية». وتعتبر قدرة نيلسون مانديلا على استخدام الكلمات لبعث الحياة في قضيته إحدى أكثر أسلحته قوة أثناء نضاله ضد التمييز العنصري في جنوب أفريقيا.ويستعرض مانديلا في هذا الكتاب بأسلوب تحليلي شيق - من خلال تجربته الشخصية - المراحل النضالية التي خاضها شعبه ضد سياسة التمييز العنصري القائمة علي هيمنة البيض. «حاربت ضد سيطرة البيض، وحاربت ضد سيطرة السود، لقد كنت أسعى من أجل مجتمع حر ديمقراطي يعيش فيه الجميع بسلام وتكون الفرص فيه متساوية. هذا هو المثال الذي أتمنى أن أعيش من أجله وأن أحققه». ويقول «مانديلا» عن الطموح للحرية, إن اشتداد الأزمة علامة علي قرب الفرج..ولحظات الإحباط هي أنسب اللحظات للمبادرات الشجاعة.. فهي اللحظات التي يبحث فيها الجميع عن مخرج للأزمة. إن أمانة الكلمة والموقف, وصحة التوجه والقصد, تلزم الشرفاء المخلصين وزعماء الأمة ودعاة الحق أن ينادوا بحرية الأمة وزرع أخلاق العزة والاستقلال وكرامة الأنفس والحرمات والأعراض والبيوت من أن تكون نهبا مستباحا, فلم يستبح الغزاة دول وأقطار المسلمين وحرماتهم وأعراضهم وثروتهم وحدودهم إلا لأنهم قد قبلوا قبل ذلك بمستبيح مستبد صغير, لا يرعي لهم حرمة, ولا يقدر لهم قدرا ولا دينا, ولأنهم سكتوا عن طلب العدل والحرية والمساواة, فلم يعرفوها ولن يروها ولن يذوقوها حتي يدفعوا ثمنها. لم يحظ أي رئيس دولة أو مقاوم سياسي أو حائز على جائزة نوبل أو سجين رأي، بمثل ما حظى به الزعيم الراحل نيلسون مانديلا، أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا بطل النضال ضد نظام الفصل العنصري، والذى أثار رحيله موجة ردود فعل في أنحاء العالم لتوجيه تحية إلى هذه الشخصية الاستثنائية. من خلال كم غير مسبوق من تحيات الاحترام والتعبير عن الحزن من كل أنحاء العالم. بعد أن أعلن رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما وفاة رئيس البلاد الأسبق مانديلا، وقال إنه توفي بمنزله في جوهانسبرغ، معلناً جنازة رسمية له وتنكيس الأعلام في البلاد، وأنه سيدفن في مقابر أجداده بقرية كونو بإقليم الكاب الشرقي في 15 ديسمبر الجاري. من خلال مراسم التأبين التي سوف تستمر أسبوعاً ستتضمن إقامة قداس في الهواء الطلق في العاشر من الشهر الجاري في استاد كرة القدم بجوهانسبرغ الذي شهد مباراة نهائي كأس العالم لعام 2010. والذى شهد آخر ظهور شعبى للزعيم الراحل، وسيسجى جثمان مانديلا في «يونيون بيلدينغز» مقر الرئاسة في بريتوريا من 11 الى 13 من ديسمبر. مانديلا هو أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا، وحاز على جائزة نوبل للسلام، كما أنه ناشط اعتقل ل 27 عاماً بسبب نضاله ومقاومته لسياسة التمييز العنصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. ولد في 18 يوليو 1918 في ترانسكي بجنوب إفريقيا، وتخرج في جامعة جنوب إفريقيا بدرجة البكالوريوس في الحقوق عام 1942، وانضم إلى المجلس الإفريقي القومي الذي كان يدعو للدفاع عن حقوق الأغلبية السوداء في جنوبالسنغال عام 1944، وأصبح رئيساً له عام 1951. وفي عام 1961، بدأ مانديلا بتنظيم الكفاح المسلح ضد سياسات التمييز العنصري، وفي العام التالي ألقي القبض عليه وحكم بالسجن لمدة 5 سنوات. وفي عام 1964، حكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة التخريب. بعد 27 عاماً من السجن، أفرج عن مانديلا في 20 فبراير 1990، وفي عام 1993، حاز مانديلا على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع فريدريك دكلارك. في 29 أبريل 1994، انتخب مانديلا رئيساً لجنوب إفريقيا، وفي 1999، أعلن تقاعده بعد فترة رئاسية واحدة، وفي نفس العام، أسس مانديلا مؤسسة نيلسون مانديلا الخيرية. لقد واجه «مانديلا» أزمة طاحنة عندما تولي الرئاسة عام1994, واشتد عليه الضغط الشعبي ليحاسب كل من ظلم واستبد وارتكب جرائم ضد المواطنين السود الأبرياء, لكنه استطاع عبور الأزمة وحسم الأمر تماما عن طريق تكوين ما سمي بلجنة الحقيقة والمصالحة, وتقوم فكرتها علي اعتراف رجال السلطة بجرائمهم مقابل طلب العفو عنهم, وقد وضع بالاشتراك مع القس ديزموند توتو مواطنيه أمام خيارين إما التعلق بالماضي أو النظر للمستقبل, وقد فضل «مانديلا» المصارحة والمصالحة علي المحاكمات والمصادرات والمصادمات الدامية, وكانت اللجنة عبارة عن هيئة لاستعادة العدالة وبموجبها فإن الشهود الذين كانوا ضحايا لانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان تمت دعوتهم للإدلاء بشهادتهم واختير بعضهم لجلسات عامة, وفي نفس الوقت فإن مرتكبي أعمال العنف كان بإمكانهم طلب العفو من الملاحقة الجنائية والمدنية, وكان من سلطات اللجنة منح هذا العفو, وكذلك منح التعويضات للضحايا وورثتهم, وبدلا من تقديم مرتكبي هذه الانتهاكات للمحاكم اعتمدت اللجنة جلبهم للاعتراف بأخطائهم وطلب الصفح من الضحايا. حيث حقق عمل اللجنة نجاحا واسعا. ورأت لجنة الحقيقة والمصالحة أن هذه الجلسات حيوية لتحقيق أحد أهدافها القانونية – «إعادة الكرامة الإنسانية والمدنية لهؤلاء الضحايا بمنحهم فرصة لرواية حكاياتهم حول الانتهاكات التي كانوا ضحاياها» وخلال فترة الثمانية عشر شهراً التي عُقدت خلالها هذه الجلسات العلنية، روى مئات الشهود حكايات تفطر القلب حول التعذيب وسوء المعاملة اللذين مارستهما الشرطة والموظفون الآخرون في دولة التفرقة العنصرية. وفى الوقت نفسه، كان يؤتى بمرتكبى أعمال العنف ضد ضحايا الفصل العنصري ليدلوا بشهاداتهم العلنية ويطلبوا العفو من الملاحقة المدنية والجنائية. فمنطق هذه التجربة التي هي من صميم ديننا الإسلامي الحنيف أن المصالحة بين طرفين لا تتأتى إن لم يعترف المذنب بسوء صنيعه. فعوضا عن تقديم المنتهكين لحقوق الانسان إلى المحاكم اعتمدت اللجنة جلبهم للاعتراف بأخطائهم أولا، ومن ثم طلب الصفح ممن ألحقوا بهم الأذى. وكان من سلطات لجنة الحقيقة والمصالحة التى ترأسها كبير أساقفة البلاد القس ديزموند توتو ونائبه البروفيسور ألكس بورين منح التعويضات للضحايا أو ورثتهم، وأيضا منح عفو للمتهمين الذين يثبت عدم ارتكابهم جنايات ومنحهم الأهلية السياسية التى تتيح للمتهم مزاولة حقوقه السياسية. كما اعتمدت تصور العفو المشروط أو الجزئى كسبيل لتحقيق العدالة بدلا عن العدالة العقابية، فعوضا عن تقديم المنتهكين لحقوق الانسان الى المحاكم اعتمدت اللجنة جلبهم للاعتراف بأخطائهم وطلب الصفح ممن ألحقوا بهم الأذى. أما إذا نظرنا كيف ترك نيلسون مانديلا الحكم نجد انه بعد أن قضى فترة واحدة فى الحكم مدتها 5 سنوات رفض بعدها الترشح مرة اخرى ، ولكن بعد تقاعده في 1999 تابع مانديلا تحركه مع الجمعيات والحركات المنادية بحقوق الإنسان حول العالم. وتلقى عددا كبيرا من الميداليات وتم تكريمه من رؤساء وزعماء دول العالم. كان له كذلك عدد من الآراء المثيرة للجدل في الغرب مثل آرائه في القضية الفلسطينية ومعارضته للسياسات الخارجية للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، وغيرها. وفي يونيو 2004 قرر نيلسون مانديلا ذو ال 85 عاما وقتها التقاعد وترك الحياة العامة، ذلك أن صحته أصبحت لا تسمح بالتحرك والانتقال، كما أنه فضل أن يقضي ما تبقى من عمره بين عائلته. في 2005 اختارته الأممالمتحدة سفيرا للنوايا الحسنة. وتزامناً مع يوم ميلاده التسعين في يوليو 2008 أقر الرئيس الأمريكي جورج بوش قرار شطب اسم مانديلا من على لائحة الارهاب في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهنا رغماً عنا تلوح المقارنة فى الأفق بين مانديلا ومرسى والأخوان و نظامهم فنجد أن كليهما رئيس جلس كل منهما على عرش بلاده بعد خروجه من المعتقل، ولكن الفارق بينهما يظل فرقاً أكبر من الفارق بين السماء والعباد. لقد بدأ الأول حكمه بالمصالحة الوطنية رغم انه ليس مسلما وقاد بلاده نحو التحول لدولة ديمقراطية متعددة الأعراق، وجعل بلاده تتربع علي عرش القارة اقتصاديا طبقا للتقديرات الدولية وسيظل التاريخ يذكره على أنه أيقونة العالم فى التسامح والفهم للنفس البشرية الملتبسة خاصة بعد ان رفض الترشح لفترة رئاسة ثانية، أما الرئيس المعزول مرسى والذى أقصى شعباً كاملاً من أجل جماعته، فلن يكون له ذكر ألهم إلا سطر واحد فى كتب التاريخ المدرسية مذيلاً بانكر الصفات بعدما نقض عهوده وقدم مشروعا وهميا للشعب وحاول وجماعته السيطرة على مفاصل الدولة واعتدى على السلطة القضائية وأطلق الارهابيين فى سيناء، فثار ضده الشعب وكان مصيره بعد عام واحد من الحكم عودته مرة اخري للسجن. فكيف ترك مرسى الحكم وإلى أين ذهب بعده . بعد ان ضاق الشعب من تصرفاته وجماعته فخرج الملايين الى الشوارع يوم 30 يونيو يطالبون برحيله وعرض الجيش مهلة لتصالح كافة القوى وعرض رؤية لتهدئة الجماهير لكن مرسى رفض وركب رأسه وتدخل الجيش لصالح الشعب وقرر في 3 يوليو تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد وايقاف العمل بالدستور لحين الانتهاء من الدستور الجديد و اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. واحتجاز الرئيس المعزول وتقديمه للمحاكمة فى قضية الهروب من وادى انطرون. والآن على من سيؤول إليه الأمر فى مصر أن يتخذ من مانديلا مثلا فى المصالحة الوطنية لا مثال مرسى فى الإقصاء والتنكيل.. مانديلا الزعيم الافريقي الذى ما زال العالم يحتفى به حتى اليوم ، فمنذ أيام ودع العالم «ماديبا» و هى كلمة تعنى الرجل المبجل و هو لقب تطلقه عليه قبيلته فى قريته ميزو فى جنوب أفريقيا. والذي حرص علي أن يجمع شعبه حول هدف واحد، وهو المستقبل ونسيان آلام الماضي وسوءاته فمصر في حاجة الي من يعبر بسفينة الوطن الي بر الامان بعد ان خاض شعبها تجربة نظامين فاشلين لم ينظرا إلا لصالحهما، الأول نهب ثروات الوطن ومقدراته وأفسد عليه حياته، والآخر فاشي آمن بفكرة الأمة ولم تكن كلمة الوطن يوماً فى قاموسهم. نهلة النمر