اختتمت اليوم فعاليات مؤتمر أريج السنوي السادس الذي استمر ثلاثة أيام تحت شعار " دور الإعلاميين العرب في مرحلة التغيير...من حليف للسلطة إلى رقيب عليها" بإطلاق أول مساق تدريسي في صحافة الاستقصاء مخصص لطلبة الجامعات بواقع ثلاث ساعات معتمدة. ووفق مؤلف الدليل وعضو مجلس إدارة أريج مارك هنتر فإن الكتاب سيرى النور خلال الأشهر الأولى من العام المقبل 2014 فيما سيقسم إلى جزئين سيتطرق أولهما الى الخلفية التاريخية والحيثيات القانونية والأخلاقية للصحافة الاستقصائية بالوطن العربي .
هنتر، أستاذ الصحافة في معهد إنسياد الفرنسي أوضح أن الجزء الثاني سيخصص لعرض منهجية الإستقصاء المبني على الفرضية والمستوحاة من دليل اريج للصحافة الإستقصائية ( على درب الحقيقة)، مع عرض لأهم المصادر المفتوحة المتوفره في كل دوله عربية على حده جنبا إلى جنب مع شرح مفصل لسبعة نماذج لأعمال استقصائية نفذها أريجيون على مدار الست سنوات الماضية من عمر الشبكة.
كان المؤتمر قد التأم بمشاركة 350 صحافيا و 30 خبيرا عربيا وأجنبيا التقوا ضمن 35 جلسة بين ورشة تدريب وحلقة نقاشية. وعالجت الجلسات مختلف جوانب العمل الاستقصائي من حماية المصادر والبيانات من الاختراق في عصر المعلوماتية، الحفاظ على استقلالية المهنة في ظل هيمنة رأس المال وحماية قارعي الناقوس whistle-blowers.
واستهلت أعمال المؤتمر بجلسة خاصة للصحافي التركي المثير للجدل يافوس بايدر تحدث فيها عن واقع الإعلام في بلاده في ظل هيمنة حزب العدالة والتنمية الحاكم على المشهد الصحافي. وأكد أن ثمة "تحالف غير مقدس" بين السلطة والمال في بلاده ركع الصحافة على ركبتيها، لتغدو عاجزة عن مراقبة أدوات الحكم وكشف ملفات الفساد".
كما جرت مناقشة "واقع الإعلام العربي في طور التغيير" ضمن جلسة توافق فيها صحافيون وخبراء عرب على أنالإعلام العربي ما يزال بعيدا عن لعب دوره المرسوم في مراقبة أداء السلطات، كما انتقدوا حال الاستقطاب والتحشيد التي تمارسها وسائط إعلام بعضها يشكّل "واجهات لتحالف السلطة والمال".
وفي اليوم الثاني ناقش مشرعون، صحافيون وخبراء تشريع واقع قوانين حق الحصول على المعلومات في الدول العربية التي أقرت هكذا تشريعات وهي: الأردن، اليمن وتونس.وخلصوا إلى أن مثل تلك القوانين تعاني من غياب الأدوات الكفيلة بتفعيل دورها في خدمة الصحفيين بالحصول على المعلومات المهمة لتحقيقاتهم خصوصا في ظل "ثقافة محافظة تميل نحو السرية".
الصحافي الأميركي ورئيس شبكة الاخبار الاستقصائية Investigative news network) ) برانت هيوستن كان قدم عرضا مفصلا لأهمية المنظمات الصحافية غير الربحية في دعم العمل الاستقصائي العابر للحدود لكشف الفساد والجريمة المنظمة ، للإفلات من قبضة السلطات وسياسات تكميم الأفواه لا سيما في دول العالم الثالث.
وفي مسك ختام هذه التظاهرة الإعلامية، أثار الصحافي الفرنسي المعروف "إدوي بلينيل" حماسة الحضور حين أكد لهم إمكانية تأسيس مشاريع صحفية مربحة ومتحررة من ثنائية رأس المال والسلطة في آن معا. ذلك ما تلخصه تجربة صحيفة "ميديابارت" الالكترونية التي أسسها بلينيل بعيد استقالته من رئاسة تحرير جريدة لوموند. تمثل ميديا بارت تجربة ناجحة لأول صحيفة تعتمد كليا على اشتراكات القراء في جني الأرباح بدل الإعلانات التجارية.
أتيح للزملاء أيضافرصة الاستفادة من خبرة مذيع بي بي سي المخضرم ومقدم برنامجها الحواري الأشهر "كلام قاس" تيم سيباستيان في كيفية انتزاع المعلومات من السياسيين وصناع القرار خلال المقابلات الصحفية.
فيما قدمت الخبيرة ومنسقة مشروع قارعي الناقوس العالمية whistle blower international network (WIN) آنا مايرز نصائح هامة للصحفين في كيفية التعامل مع قارعي الناقوس ممن يقررون قول الحقيقة وكشف الفساد في المؤسسات التي يعملون فيها.
"قارع الجرس قد يتعرض للإحباط بسبب تقليل الصحافيين من أهمية المعلومات التي بحوزته"، نبهت مايرز الحضور.
نيلز هانسن، محرر أشهر برنامج استقصائي على التلفزيون السويدي، شارك زملاءه العرب خبرته في قيادة فريق من الصحافيين الاستقصائيين لإنتاج تحقيقات أسبوعية على الشاشة.
وطرح هانسن على المشاركين في الحلقة النقاشية فكرة "محامي الشيطان"، وهو عضو في الفريق الاستقصائي مهمته الشك في منهجية التحقيق والبحث عن السلبيات ومواضع الخلل في العمل، من أجل رفع سويته. "لأن من أكبر المخاطر التي تواجه العمل الاستقصائي هو أن يؤمن الصحافيون تماما بفكرة التحقيق فلا يعودوا قادرين على رؤية نقاط الضعف فيها" شرح هانسن.
وعلى امتداد أيام المؤتمر كان الحضور على موعد دائم مع عروض لتجارب استقصاء نفذها صحفييون بدعم من أريج على امتداد العام الماضي، عارضين لمنهجيتهم في العمل، الصعوبات التي واجهتهم وكيف تغلبوا عليها والردود الأفعال التي أحدثتها أعمالهم . وكشفت تحقيقات الأريجيين تجاوزات في القطاع الصحي من سمسرة طبية إلى غياب الشروط اللازمة لإجراء العمليات الجراحية وصولا الى التلاعب بتقارير المختبرات ومراكز أشعة. كما عرض آخرون لتجاربهم في تحقيقات سبرت أغوار الجماعات العقائدية والسياسية المغلقة، إضافة إلى كشف تجاوزات أعضاء في السلطة التشريعية أثروا من مناصبهم ما أضعف دورهم في المراقبة والمحاسبة.
كما أتيح للمشاركين الاستفادة أيضا من ورش عمل مكثفة في مجال استخدام الحاسوب في العمل الصحفي.
توظيف وسائل الاتصال الاجتماعي في تتبع الأفراد والنفاد الى شبكات علاقاتهم في العمل الاستقصائي وحماية البيانات الالكترونية من الاختراق.وفي ورشة تدريبية صباحية خلال أعمال اليوم الاخير للمؤتمر، استعرض خبير أمن المعلومات رعد نشيوات أساليب التصفح الآمن لمواقع الإنترنت للإفلات من التجسس والرقابة من قبل الحكومات وأجهزة الاستخبارات الساعية إلى عرقلة عمل الصحافيين. وشرح نشيوات للمشاركين طرق الدخول إلى المواقع التي تحجبها السلطات.
وينتظر مساء اليوم ان تعلن النتائج النهائية لجائزة أريج عن أفضل تحقيقات استقصائية عن الفئات المرئية، المكتوبة والمتعددة الوسائط للعام 2013 ضمن حفل عشاء سيحضره رئيس الوزراء الأسبق والقاضي الدولي عون الخصاونة.
يذكر أن أريج هي شبكة رائدة في حقل صحافة الاستقصاء. منذ نشأتها عام 2006 دربت الشبكة قرابة 1000 صحفي ميداني وأهلت 30 مشرفا ومدربا، و100 من أساتذة الإعلام في جامعات عربية. كما أشرفت على إنجاز أكثر من 200 تحقيق استقصائي في مختلف وسائل الإعلام. وساهمت في تأسيس وحدات استقصاء في عدة وسائط إعلام في الأردن، فلسطين، مصر، لبنان واليمن. وشجّعت معهد الصحافة وعلوم الأخبار/ جامعة منوبا على اعتماد أول مساق ماجستير في صحافة الاستقصاء في العالم العربي.