الشاعر المبدع فاروق جويدة يطلق صرخة تحذير علي صفحات «الأهرام» «الجمعة 14 مايو 2010» وهو يري دول الخليج تسرع الخطي علي طريق ينتهي بها إلي فقد هويتها العربية، ويري أن «اللغة العربية» في هذه البلاد بدأت تفسح الطريق للغات أجنبية «الإنجليزية» تحتل ساحة التعليم والعمل بل والخطاب في كل المعاملات اليومية بين مختلف فئات الشعب، وتعرض الأستاذ فاروق لمظاهر أخري تهدد هذه الهوية العربية لدول الخليج. ما يعنيني هنا هو عنصر «اللغة» فهو العنصر الحاكم في نظري والذي يبدأ تآكل الهوية بالعبث به سواء في ساحة التعليم أو في المعاملات اليومية. وهنا أتوقف لأدعو الأستاذ فاروق وجميع المثقفين العرب في مصر ومختلف البلاد العربية للتنبه إلي الخطر الداهم الذي يهدد الهوية العربية ليس لدول الخليج وحدها بل لدول عربية كثيرة، وأخشي أن تكون مصر من بين هذه الدول التي تواجه تزايد هذا الخطر بعدم المبالاة والتهوين من مظاهر صارخة تؤكد أن اللغة العربية «بشقيها الفصحي واللهجة العامية المصرية» تتراجع بسرعة مذهلة في جميع المجالات أمام زحف مكتسح للغة الإنجليزية أو للغة هجين توشك أن تصبح «لغة الشارع» ولن يمضي وقت طويل حتي تكون اللغة العربية في مصر قد أصبحت مجرد «لغة قاموسية» لا يتعامل معها إلا الباحثون الذين يريدون تفسير نصوص كتب باللغة العربية؟! وقبل أن أعدد بعض المظاهر لهذا التراجع الخطير للغة العربية أؤكد أن المسئول عن هذه «الجريمة» وأكرر وصفها ب«الجريمة» هي حكومة مستر نظيف والحكومات التي سبقتها في الحقب الثلاث السابقة. ارتكبت الحكومات المصرية في هذه الحقب جريمتين.. الأولي: إهانة أحد أهم الرموز الوطنية وهي «اللغة»، والثانية: هي عدم تنفيذ قانون صدر أيام كانت في مصر حكومات تحرص علي كرامة الرموز الوطنية يلزم جميع المؤسسات والمحال التجارية وغيرها بضرورة كتابة لافتاتها ب«اللغة العربية»، وإذا كانت هناك ضرورة لكتابة اسم المؤسسة أو المحل بلغة أجنبية فيجب أن يكتب الاسم باللغة الأجنبية بحجم أصغر من الحجم الذي يكتب به الاسم باللغة العربية. وقد حاول أحد الوزراء الغيورين علي الرموز الوطنية «الدكتور أحمد جويلي» أثناء توليه وزارة التموين والتجارة الداخلية تطبيق هذا القانون.. وأصدر بالفعل قراراً بمنح المحال والمؤسسات مهلة بضعة أشهر لتوفيق أوضاعها وتصحيح موقفها القانوني بكتابة اللافتات بالطريقة التي حددها القانون إعلاء لشأن لغتنا القومية واحتراما لرمز مهم من الرموز الوطنية وامتثالا لنص قانوني ملزم، وكانت المفاجأة أن فقد الرجل منصبه الوزاري وانتصرت القوي الساعية إلي تشويه هوية مصر العربية؟! وكان من نتيجة هذا الانتصار أن زادت شراسة الهجمة علي اللغة العربية. ويكفي أن نستعرض لافتات المحال والمؤسسات في القاهرة وعواصم المحافظات لنري كيف اكتسحت اللغة الإنجليزية لغتنا القومية.. ولا يكاد المواطن يعرف إن كان يسير فعلا في بلد عربي أم في بلد أجنبي؟! أصبحت التعاملات التجارية والخدمية وجميع التعاملات اليومية خاصة في المحال والمؤسسات الكبيرة والمتوسطة تتم كلها باللغة الإنجليزية. نتيجة لهذه الأوضاع أصبحت إجادة اللغة الإنجليزية شرطا لاستخدام العاملين في الكثير من هذه المؤسسات حتي وإن كان استخدام اللغة الإنجليزية لا تستوجبه ضرورة أو طبيعة العمل. الكارثة أن هذه الهجمة علي اللغة العربية امتدت إلي مؤسسات تملكها الدولة!! ويكفي أن نري مثلا صارخا يستفز مشاعرنا الوطنية كلما شاهدنا أحد أتوبيسات نقل المواطنين بين المحافظات، فقد بلغ استفزاز المشاعر الوطنية حدا بشعاً بكتابة اسم الشركة باللغة الإنجليزية بخط يملأ جوانب الأتوبيس، وفي ركن صغير لا يكاد يري كتب اسم الشركة باللغة العربية؟! وهذه الشركات مخصصة لنقل ركاب الأقاليم، أي أنها ليست أتوبيسات مخصصة للسياح الأجانب، مما يمكن أن يعتبر حجة يبرر بها المسئولون هذا التجاهل والعدوان علي اللغة القومية؟! أما الكارثة الأبشع فهي تسرب هذه الظاهرة إلي الإعلام الرسمي؟! فقد استخدمت اللغة الإنجليزية في تسمية قنوات تليفزيونية مختلفة.. وامتدت الظاهرة لبعض البرامج.. ثم امتدت بطبيعة الحال إلي بعض مقدمي البرامج الذين يقحمون كلمات وعبارات أجنبية في حواراتهم في مواضع لا تحتاج لذلك. لقد آن الأوان لينظم المثقفون العرب عامة والمصريون خاصة حملة لإنقاذ اللغة العربية.. والخطوة الأولي يجب أن تكون بمواجهة الحكومة لتتخذ القرار الصحيح الذي يبرئها من ارتكاب جريمتين كل منهما أخطر من الأخري.. وهما جريمة إهانة أحد أهم الرموز الوطنية، وجريمة عدم تنفيذ قانون واجب التنفيذ.. فهل تتحرك الحكومة؟! وهل يتحرك المثقفون؟! أم أننا سنكتب في وقت غير بعيد عنوانا مماثلا للعنوان الصرخة الذي كتبه الشاعر فاروق جويدة مع التعديل المناسب ليصبح العنوان «هل تبقي مصر عربية»؟!