كانت الإشتباكات تتواصل منذ أكثر من يوم ورائحة الغاز تطغى على الأجواء فنتنفس بالكاد، ولم نكن ندري بعد أبعاد الملحمة وأننا نشارك في أحداث سيكون لها تأثير في نظرتنا وتقييمنا للأشياء ما حيينا، وأننا بصدد أن نشهد الفرقان أو بمعنى آخر: القدرة على التمييز بين الحق والباطل بأعيننا وإيجاد نهج إن إبتعدنا عنه علمنا أننا ضللنا الطريق.
توجهنا هذا اليوم في مسيرة من شارع التحرير إلى باب اللوق نهتف مطالبين المجلس العسكري بتسليم السلطة، وكان الليل قد قارب أن يسدل أستاره عندما باغتتنا قوات بهجوم من إتجاه شارع الفلكي وباب اللوق فركضنا في إتجاه ميدان التحرير وسقط البعض من الإندفاع وآخرون من وابل الطلقات....أسعفني القدر وجود منزل قريب لصديق، فصعدت بمعجزة إلى شرفته لأراقب ما يحدث. وكانت الجثامين تتراكم عند ناصية الشارع والميدان تحت حراسة بعض الجنود. عندما تمتمت في ذهول "دول ماتوا" رد صديق آخر قائلاً "لأ إستحالة... دول إتقبض عليهم بس" ولكن الأربعة عشر جثة أو يزيد لم تتحرك لبرهة من الوقت ليأكدوا بدورهم أن أرواحهم قد صعدت إلى بارئها.
وسرعان ما تمت مداهمة مستشفى مسجد عباد الرحمن الميداني وأُضرمت النيران في بعض الخيم المنصوبة داخل الميدان وظننا لوهلة أن الأمر إنتهى ولكن مثل مرات كثيرة خلال الثورة فقد أوقدت تلك النيران وما صاحبها من عنف غير مبرر شعلة لملحمة إستمرت أكثر من خمسة أيام دون توقف.
أتسائل حتى يومنا هذا إن كانت هذه القوات تحارب الجيش الإسرائيلي أكانت سمحت لنفسها بإلقاء جثث العدو داخل القمامة؟ أو كانت إستساغت مهاجمة المصابين والأطباء المعالجين لهم؟ فما بالك بمتظاهرين مصريين مسالمين؟
الآن وقد إنقضى عامان وقام المجلس العسكري بتسليم السلطة إلى الإخوان ثم رحل الإخوان ولكن بقيت آثار خيانتهم عندما قدموا صناديق الإنتخابات على صناديق الشهداء فلم يشفع لهم ذلك تقديمهم قرابين بشرية بعد أن فقدوا كل شيء.
يُذكر أنه لم يتم تقديم أحداً للمحاكمة حتى يومنا هذا بل تم ترقية بعض المسئولين عن جرائم قتل متظاهرين عُزَّل ، بما يتنافى مع أية إتفاقيات لحقوق الإنسان وقعت عليها مصر.
يُذكر أيضاً أن معظم الشهداء لم يتجاوزوا وقتها الأربعين ربيعاً قُصفت أحلامهم وكأن الرسالة الموجهة مفادها "هناك مثلكم كثيرون ولن ينتقص موتكم أو إنقضاء أحلامكم الصغيرة منّا شيئاً".
محمد محمود فرقان الثورة... عندما تحالفت مطامع الكبار بإختلاف توجهاتهم ضد نقاء الشباب ورغبتهم في بناء وطن حر لا يأكل أبناءه، فسقطت ورقة التوت عن الجميع.
بعكس ما يعتقد البعض لم يكن سقوط الإخوان يوم إعلان مرسي الدستوري ولكن كانت بداية النهاية لهم عندما صور لهم شيطانهم أنهم من خلال إدانتهم لملحمة الأسود وتآمرهم ضد الثورة سيكونوا قادرين على الإستمرار في الحكم! ألم أقل لكم أن محمد محمود كانت وما زالت كالفرقان؟!