أحمد عويس يكتب: صناعة التاريخ فى تسع سنوات

الساحر الذى أرضى «الأولتراس» وأغضب زملاءه

«إذا كان الاعتزال قرارك فالحب ليس باختيارك».. كانت تلك هى الرسالة التى حملتها الجماهير الحمراء فى مدرجات استاد المقاولون فى وداع نجمها الكبير محمد أبو تريكة الذى أعلن بوضوح أن لقاء أول من أمس فى نهائى دورى الأبطال هو اللقاء الأخير للساحر مع فريقه الذى قاده إلى أكثر من نصف تاريخه القارى فى أقل من 10 سنوات.


اختار أبو تريكة العاشر من نوفمبر ليعلن فيه خروجه ملكًا متوّجًا على عرش القلعة الحمراء لمدة طويلة حتى يظهر لنا ساحر جديد يستطيع مزاحمة أبو تريكة على قلوب الأهلاوية، ويبقى هذا الشهر شاهدا على تاريخ القديس مع الأهلى ففيه ولد وفيه أحرز أغلى أهدافه وفيه أعلن انسحابه من المستطيل الأخضر ليبقى هذا الشهر كما يقال عنه «سويت نوفمبر».



قصة الساحر مع الأهلى تستحق الدراسة فهذا اللاعب الكبير الذى ظل حتى السادسة والعشرين من عمره يلعب فى فريق ينافس فى مسابقات الدرجة الثانية أكثر من لعبة فى الدورى الممتاز، حيث لعب أبو تريكة مع الترسانة لمدة طويلة قاربت عشر سنوات، ولكن دون تحقيق بطولة. ورغم أن الشواكيش كان فريقا ضعيف المستوى وينافس دائما على الهبوط، فإن أبو تريكة أحرز معه فى بطولات الدورى 27 هدفا فى أربعة مواسم فقط، وكانت البداية فى مرمى الاتحاد السكندرى فى موسم 2000/2001.


فى يناير 2004 قرر النادى الأهلى بناء فريق جديد للقلعة الحمراء بعد أن أصبح الفريق فى مهب الريح، واحتل المركز الثامن فى الدورى الممتاز فاستغنوا عن المدير الفنى البرتغالى تونى أوليفيرا وأعادوا برتغالى آخر هو مانويل جوزيه لقيادة الفريق، وكانت أول صفقة أبرمها الأهلى لإعادة بناء الفريق ضم نجم نادى الترسانة محمد أبو تريكة ورغم أن الصفقة وقتها لم تكن بالقوة التى تعول عليها الجماهير الحمراء الأمانى الكبيرة التى تعيد للأحمر كبرياءه المفقود، فإن هذه الحقبة التى بدأت فى يناير 2004 وانتهت فى العاشر من نوفبر 2013 تستحق أن تذكر فى تاريخ النادى الأهلى والكرة المصرية بحقبة محمد أبو تريكة.


ففى نصف موسم بدأ الساحر الأحمر رسم البسمة فى قلوب الأهلاوية فأعاد الجماهير الحمراء إلى المدرجات وحقق الأهلى فى هذا الموسم 13 فوزا متتاليا فى الدورى حتى خسر من الزمالك بهدفى بشير التابعى وعبد الحليم على، ولكن كان الساحر على موعد مع الإبداع فى هذا اللقاء فأحرز هدفه الأول فى الزمالك، والذى كان فاتحة خير على أبو تريكة فأصبح الهداف التاريخى لمباريات القمة بين الأهلى والزمالك فأحرز 7 أهداف فى بطولة الدورى الممتاز و4 أهداف فى بطولة دورى الأبطال الإفريقى وهدفين فى بطولة كأس مصر.


المثير أن أبو تريكة لم يخسر أى لقاء قمة بعد ذلك على مدار 9 سنوات كان هو بطل القمة المصرية بين الأهلى والزمالك، ولم يخسر كذلك بطولة الدورى المصرى، فعلى مدار 8 مواسم بعد دورى 2003/2004 الذى حققه الزمالك قاد أبو تريكة الأهلى إلى تحقيق بطولة الدورى 7 مرات متتالية وحقق الأهلى مع أبو تريكة بطولتين فى كأس مصر وحقق الأهلى مع أبو تريكة 4 بطولات سوبر مصرى، أما على المستوى الإفريقى فقد صنع الساحر الأحمر أكثر من نصف تاريخ القلعة الحمراء الإفريقى فعلى مدار 9 سنوات فقط قاد أبو تريكة الأهلى لتحقيق لقب دورى أبطال إفريقيا خمس بطولات فى أعوام 2005 و2006 و2008 و2011 وأخيرا 2013، وكذلك حقق مع الأهلى 3 بطولات سوبر إفريقى أعوام 2006 و2007 و2008، وغاب عن البطولة الأخيرة فى 2013 بسبب احترافه فى فريق بنى ياس الإماراتى، ولكن لم يغب فى أثناء احترافه عن تحقيق البطولات فحقق مع فريقه الإماراتى بطولة أبطال الخليج للمرة الأولى فى تاريخه وأحرز أبو تريكة مع الأهلى فى البطولات الإفريقية 32 هدفا؛ ليقترب من رقم الأسطورة الأهلاوى محمود الخطيب الذى ظل متصدرا قائمة هدافى إفريقيا على مستوى بطولات الأندية الإفريقية برصيد 37 هدفا، ولكن كان الإنجاز الأبرز فى تاريخ القلعة الحمراء فى ظل حقبة محمد أبو تريكة هو تحقيق الأهلى المركز الثالث فى بطولة كأس العالم للأندية فى البطولة التى أقيمت عام 2006 باليابان، حيث حقق الفوز أولا على أوكلاند سيتى النيوزلاندى بهدفى أبو تريكة وفلافيو، وخسر من إنتر ناسيونال البرازيلى بهدفين مقابل هدف، وحقق الأهلى إنجازه الكبير على حساب كلوب أمريكا المكسيكى بهدفى الساحر محمد أبو تريكة.



أما على مستوى المنتخب المصرى فحدِّث ولا حرج، حقق أبو تريكة مع الفراعنة لقبين لأمم إفريقيا وكانوا بأقدام الساحر الذى أحرز ضربة الجزاء التى أهدت مصر البطولة فى عام 2006 على حساب المنتخب الإيفوارى، وأحرز هدف الفوز الوحيد على المنتخب الكاميرونى فى المباراة النهائية عام 2008، ولولا الإصابة لكان أبو تريكة على رأس قائمة المنتخب المصرى الذى حقق لقب كأس الأمم الإفريقية عام 2010، ولكن كان الحدث الأكبر الذى غاب أبو تريكة عن تحقيقه مع المنتخب المصرى هو الوصول إلى نهائيات كأس العالم مع المنتخب المصرى. وقاد أبو تريكة المنتخب المصرى فى بطولة كأس العالم للقارات وحقق الفوز التاريخى على المنتخب الإيطالى بطل العالم، ولولا الهزيمة الثقيلة أمام المنتخب الأمريكى لحقق الفراعنة إنجازا كبيرا بالوصول إلى المربع الذهبى فى البطولة. أما على مستوى الإنجازات الفردية فحقق أبو تريكة الكثير مع القلعة الحمراء فدخل أبو تريكة نادى المئة الذين أحرزوا أكثر من مئة هدف فى الدورى المصرى، وتصدر أبو تريكة مع الكبير مختار التتش قائمة هدافى لقاءات القمة برصيد 13 هدفا وحصل أبو تريكة على لقب الأكثر شعبية فى العالم عامى 2006 و2007 فى استفتاء أقامه الاتحاد الدولى للتاريخ والإحصاء وحصل أبو تريكة على لقب أفضل لاعب فى إفريقيا فى استفتاء هيئة الإذاعة البريطانية، وحصل على المركز الثانى كأفضل لاعب فى إفريقيا عام 2006 فى استفتاء الاتحاد الإفريقى.


صديق الشهداء الذى أغضب زملاءه، لكنه فى نفس الوقت أرضى جماهيره، فعلى مدار أكثر من عام ونصف العام، منذ الأول من فبراير عام 2012، وهو اليوم الذى شهد مجزرة بورسعيد، والعلاقة بين أبو تريكة وجماهير الأهلى من جهة، وبين الساحر وزملائه من ناحية على النقيض تمامًا، فبينما كانت العلاقة بين الساحر والأولتراس تصل إلى مرحلة الحب الجنونى، وصلت العلاقة بين أبو تريكة وزملائه إلى المقاطعة فى بعض الأحيان.