أصبح الكل يبحث عن الحصانة فى المجتمع.. كأن الحصانة ستحميه من حق الشعب فى المعرفة والمحاسبة. فلا أحد يريد المحاسبة.
فرأينا كل الهيئات تسعى إلى لجنة الخمسين بحثا عن الحصانة، وتأكيد ذلك فى الدستور الجديد.
فبات أن هناك مسعى إلى حصانة للفئات لا إلى دستور للشعب يمكنه من الانتقال الديمقراطى.. ويحمى الشعب من الديكتاتورية والاستبداد والمصالح الخاصة، ويؤسس لمجتمع مدنى حقيقى.
لكن يبدو أن ما يحدث الآن على الساحة السياسية غير ذلك تماما.
ولعل ما حدث فى معركة إلغاء «الشورى» فى لجنة الخمسين يؤكد ذلك «ولعل هناك من لديه نِفس من الساعين إلى الإبقاء على المجلس الفاسد يحاول أن يعيد الكرّة مرة أخرى بطرحه من جديد على اللجنة العامة للجنة الخمسين».. فوضح أن هناك عددا كبيرا يسعى إلى المصالح الشخصية.. وأن هناك أحزابا وشخصيات تعلم أنه ليست لها جماهيرية.. فتركز على «حصانة التعيين».. خصوصا أنها تحاول أن تقدم نفسها على أنها «مفجرة الثورة».
والحقيقة أنها لم يكن لها أى دور.. بل كانت فى حظيرة النظام الاستبدادى، سواء كان ذلك فى عصر مبارك أو عصر الإخوان.
بل إن من بين رؤساء الأحزاب الممثلة فى لجنة الخمسين والساعين إلى الحصانة من لم يضبطوا فى أى موقف ديمقراطى، بما فى ذلك داخل أحزابهم.. وهناك تمرد عليهم.. ولكنهم يستطيعون مواجهته بالمال والتأثير على آخرين حتى يصمتوا على سياسات وديكتاتورية رئيس الحزب الذى وضعه فى مأزق دائم!!
ولعل المصيبة الكبرى فى البحث عن الحصانة.. ما خرج عن الحكومة فى الأيام الماضية عن السعى لإصدار قانون لحصانة الوزراء تحت مسمى بدعة هى «حسن النية» فى القرارات التى يصدرها الوزراء.. وذلك لحمايتهم من المساءلة إذا وقعوا فى أخطاء.
فالسادة وزراء الحكومة ينظرون إلى ما جرى مع سابقيهم فى عهد مبارك والإخوان.. ومن كشف فسادهم وإحالتهم إلى المحاكمة.
ولم يدر فى خلد هؤلاء أن هؤلاء الوزراء فسدوا فى نظام شجعهم على الفساد، وأدخل المجتمع كله فى حالة فساد.. وجعل الشعب يشارك فى هذا الفساد.. ولم تعد أى مصلحة تُقضى إلا بالفساد.
وصار الإخوان على النهج نفسه، والمحافظة عليه ما دام يديره الأهل والعشيرة.
فلا يعقل أن نأتى الآن بحكومة تمثل ثوريين وإصلاحيين لنتحدث عن الحصانة.
ولتذكر هذه الحكومة أن أحد الأسباب الرئيسية لسقوط محمد مرسى هى الحصانة التى ابتدعها لنفسه فى الإعلان الدستورى الاستبدادى الذى أصدره فى 21 نوفمبر، فكشف عن فاشية جماعته التى كانت تجهز قراراته.. فوقف الشعب الذى ضاق صدره بالاستبداد ضد محمد مرسى وجماعته، ولم تنقطع احتجاجاته على سياسات مرسى.. حتى تضامنت كل مؤسسات الدولة مع الشعب فى المطالبة بالتخلص من مرسى.
ولتذكر الحكومة أن إنكار الشفافية التى مارسها نظام مبارك.. وصار على نهجه الإخوان نفسه، كان أحد الأسباب الرئيسية فى الثورة عليهما.
ولتذكر الحكومة ووزراؤها أن الشفافية هى الحصانة الوحيدة التى تحميهما من المسؤولية والحساب أمام الشعب.
فلا بد للناس من أن يعرفوا ما يدور فى أروقة الحكومة.. وكل الاتفاقيات.. وذلك بشفافية.
وكفى إنكارا للشفافية.
وكفى الاتفاقات المجحفة التى تجرى من وراء الشعب ولمصالح حفنة من الأفراد.
ولعل الحكومة تتذكر ماذا كان يفعل نظام مبارك من أجل حفنة من رجال أعمال جمال مبارك.
ولعل الحكومة تتذكر الاتفاقات التى أبرمها نظام الإخوان بقيادة الشاطر وحسن مالك وربما لا تعرف شيئا عن تلك الاتفاقات التى باتت أقرب إلى غسيل أموال لصالح رجال أعمالهم «بالمناسبة أين حسن مالك وجمعيته التى انضم إليها كثير من المنافقين من رجال الأعمال؟!».
فيا أيها الذين فى الحكومة.. الشفافية هى الحصانة لكم.