ظلت علاقة الإخوان مع الأزهر طيبة منذ نشأتها وحتى وقت قريب، ففى شهر مايو 2011 زار وفد من الجماعة على رأسه مرشدها الحالى الدكتور محمد بديع ومرشدها السابق مهدى عاكف مشيخة الأزهر ودار حوار مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وصفته قيادات الجماعة بأنه مثمر، لا سيما وقد جاء اللقاء بعد ثورة يناير التى أطاحت بنظام مبارك وأجهزته الأمنية التى كانت تمنع الالتقاء بين التيارات الإسلامية وتحول دون تكاتفها وخرج علينا بعد اللقاء مرشد الجماعة بديع ليؤكد أن الإخوان والأزهر يد واحد، وبعد ذلك لعب الأزهر وعلماؤه دورًا شديد الأهمية فى احتواء الفتن الطائفية والخلافات السياسية التى برزت بعد الثورة عن طريق اجتماعات (بيت العائلة) والإصرار على تعميق الذوبان بين المصريين مسلمين ومسيحيين، لكن الأزمة الحقيقية التى وُضع الأزهر خلالها على المحك، كانت عقب تولى الإخوان السلطة برئاسة الرئيس المعزول محمد مرسى. فقد عملوا منذ اليوم الأول لتولى المعزول على خلق صراع بين تيارات إسلامية متطرفة والأزهر منبر الوسطية، خصوصًا مع تكالب بعض هذه التيارات للهيمنة على مفاصل الدولة وأخونة جميع المؤسسات والنيل من الأزهر الشريف نفسه، وكانت الحجة الأولى للإخوان هى اتهام الطيب بأنه من أنصار النظام السابق، وأن تعيينه شيخًا للأزهر جاء بمباركة الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، ووصلت المواجهات بين الطرفين إلى ذروتها مع حوادث تسمم طلاب المدينة الجامعية بالأزهر، حتى إن البعض تجرأ على مؤسسة الأزهر العريقة وشيخها الجليل شيخ الأزهر، وكان ذلك على خلفية المناقشات حول المادة الثانية من الدستور.
المادة الثانية للدستور شيخ الأزهر وقتها أكد أن نصها الذى وردت به فى دستور 71 عنوان للتوافق بين جميع القوى السياسية، وطالب بالإبقاء عليها، فى حين طلب الشيخ ياسر برهامى أن يكون هناك تفسير موثق من شيخ الأزهر بخط يده للمادة الثانية، فأرسلت هيئه كبار العلماء تفسير الإمام الأكبر وهو «على أن تنص وتشمل مبادئ الشريعة الإسلامية على أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية الفقهية»، وكان برهامى قد طلب وضع كلمة (مصادرها)، وخرج ليتفاخر بأن تلك المرة هى الأولى التى توضع فيها لفظة «مصادرها»، فى الدستور، مقرونة بالقرآن والسنة والإجماع، ثم انتقل الصراع إلى المادة الرابعة التى خرج بعدها برهامى ليوضح الصراع الداخلى بين الإسلاميين والأزهر، ويفضح دون قصد مآرب بعض التيارات المتطرفة، إذ أكد أن منصب شيخ الأزهر الذى يسعى إليه الإسلاميون سوف يحصلون عليه عقب الدستور الجديد.
وفى مسيرة صراع جماعة الإخوان مع الأزهر، كانت معركة الاستفتاء على الدستور الذى استخدمت فيه الجماعة عددًا من التيارات الإسلامية لربط عملية الاستفتاء بالشريعة وحث الناخبين على التصويت ب«نعم» للدستور وإطلاق الفتاوى بأن التصويت ب«لا» حرام شرعًا، بينما شدد شيخ الأزهر على أن عملية الاستفتاء لا علاقة لها بأحكام الشريعة والحلال والحرام، وناشد وقتها الأئمة والدعاة حُرمة المنابر والمساجد، وتجنيبها المعارك السياسة.
الصكوك الإسلامية هناك أيضا الخلاف حول مشروع الصكوك الإسلامية، كان الأكثر شراسة بين الجماعة والأزهر، فبينما رفض الأخير المشروع لأنه يتيح للحكومة والهيئات العامة إصدار صكوك لبيع الأصول الملوكة للدولة، كان الإخوان قد زجوا بقيادات سلفية فى المعركة، وتجرأ بعضهم على فضيلة شيخ الأزهر، ولم يخل الأمر من توجيه ما يشبه الإهانات للشيخ الجليل أحمد الطيب فى هذه المسألة، وأيضًا فى المواد المتعلقة بالمرأة فى الدستور، إذ وقفت مؤسسة الأزهر بجانب المرأة بعد صعود تيار الإسلام السياسى للحكم وشرعت فى إعداد وثيقة للمرأة بمشاركة المجلس القومى للمرأة ضد انتشار دعاوى التشدد وتجريد المرأة من مكانتها ومكاسبها، لكن الأزهر وقف لهذه الدعاوى المتخلفة بالمرصاد، وعمل على خروج وثيقة لحماية حقوق المرأة، وتأكيد دورها المؤثر فى حياة المصريين.
كل الأحداث السابقة تعكس طمع الإخوان فى مؤسسة الأزهر وطموحهم فى السيطرة عليه عبر إدخال أعضاء منهم ومن السلفيين فى عضوية هيئة كبار العلماء، للتحكم فى إصدار التشريعات والقوانين، ولتشكيل هوية الدولة ومرجعيتها من أجل مشروع التمكين وتحقيق «أستاذية العالم» وفق تصورات حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
عضو هيئة كبار العلماء ورئيس جامعة الأزهر الأسبق الدكتور أحمد عمر هاشم يؤكد أن «هذه المحاولات مستمرة منذ وقت طويل منذ نشأة الجماعة لأن الإخوان يعرفون جيدًا دور الأزهر ومكانته، وهذه المحاولات جميعها انتهت بفشلهم حتى فى الوقت الذى كانوا يسيطرون فيه على حكم مصر والسبب فى ذلك هو غطرسة الجماعة ورغبتها فى السيطرة على الحكم والاستيلاء على الدولة دون عناء فى تحقيق مكاسب حقيقية للناس، فتركوا أزمات المواطن البسيط، وانشغلوا بنشر فكر الجماعة والاستيلاء على مصر، وكان الأزهر هو شاغلهم الشاغل، ولو كانوا قد فكروا قليلًا وتنازلوا عن مكاسبهم السياسية لنجحوا فى نشر فكرهم»، مضيفًا «لا يخفى على أحد أن هناك علماء أزهريين يتعاطفون مع فكر الإخوان من داخل هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، لكن ذلك يتفاوت بدرجات ولا يصل إلى درجة الخلاف بين علماء الأزهر، باستثناء عدد من العلماء المنضمين إلى الجماعة من أمثال الدكتور عبد الرحمن البر».
وأكد أحمد عمر هاشم أن الأزهر مؤسسة متماسكة لا تتوقف عند كبار العلماء وشيوخ الأزهر والإفتاء، لكن هناك قطاعًا كبيرًا من أساتذة الأزهر يرفضون تسييس الأزهر وإقحامه فى شؤون سياسية لا قبل له بها، لأنه فى المقام الأول مؤسسة علمية وسطية تجمع المسلمين فى كل أنحاء العالم وليس من السهل السيطرة عليه. مسؤول المساجد بالأوقاف الشيخ محمد كيلانى قال إن «الإخوان ظلوا لفترات طويلة يحاولون الوصول إلى الأزهر والسيطرة عليه من خلال المساجد وكانت نقابة الدعاة التى تبناها الإخوان حريصة على أخونة المنبر والأوقاف، كما قاموا بضم عدد كبير من الدعاة لهم عن طريق التعيينات الجديدة وبتصعيد أنصارهم فى مناطق ومديريات الأوقاف، وفى الوظائف الهامة فى الوزارة، واعتمدوا فى ذلك على الوساطة والمحسوبية ولم يراعوا مكانة المنبر، وكان كل ذلك بهدف السيطرة على المنابر لنشر فكر الإخوان»، ويضيف «الواقع يثبت خلاف توقعات الإخوان لأن الأوقاف هى الوحيدة المسؤولة عن المساجد، وعلى الرغم من كل محاولاتهم فإنهم فشلوا لأن دعاة الأوقاف يرفضون فكر الإخوان ويتمسكون بالمنهج الوسطى المعتدل».
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الدكتور بكر زكى عوض أشار إلى أن ممارسات الإخوان للسيطرة على الأزهر منذ نشأة الجماعة لم تكن نزيهة، فقد انتهزوا حاجة الناس إلى نشر فكرهم وسيطروا على طلاب الأزهر من خلال أفكار لا علاقة لها بصحيح الدين، وأضاف «من جانبنا كمسؤولين فى الجامعة نحاول توعية الطلاب ونعقد جلسات حوار شهرية معهم للقضاء على هذه الأفكار»، مضيفًا «أغلب أساتذة الأزهر متفقون على رفض تسييس المؤسسة ونشر وسطية الإسلام والابتعاد عن التشدد الذى كان سببًا فى العنف الذى تشهده البلاد حتى وقتنا الحالى».