الصلوات الخمس هى بمثابة المقاطع الزمنية التى يحيا خلالها المسلمون فى بقاع المعمورة، يعلو صوت المؤذن معلنًا وجوب الصلاة منذ الفجر حتى العشاء، لكن هل نحن حقًا نعيش هذا التواصل الروحانى مع الخالق الأعظم، أم أننا نستمع للأذان وقد نذهب لأداء الفريضة إلا أن قلوبنا وعقولنا فى مكان آخر؟ فى فيلم «السطوح»، الذى يتنافس على اللؤلؤة السوداء فى المسابقة الرسمية لمهرجان أبو ظبى ويتحرك من خلال خمسة أسطح نطل من خلالها على مدينة الجزائر فى توافق زمنى مع صوت الأذان، حيث تتعدد المشارب والأهداف والنواهى والأحلام والجرائم، تلك النظرة التى قدمها المخرج مرزاق علواش تبدو فيها اختيارات متعسفة لحالات درامية صارخة، بينما على الجانب الآخر هناك غياب كامل للدولة، وظلم يصل إلى حدود إراقة الدماء، ولدينا أكثر من جريمة قتل، ونتابع اثنتين، واحدة لرجل مطلوب منه أن يشى باسم أخيه، ويتعرض لكل صنوف التعذيب وتنتهى الأحداث بقتله، والثانية رجل قاسى صاحب البناية يريد طرد عائلة فقيرة يعتدى على امرأة وابنها ويصبح مصيره المستحق هو القتل وسط إحساس بالسعادة زرعها المخرج لدى جمهوره تجعلهم يشعرون بالارتياح لهذا المصير، ونشاهد الزوجة والأم فى النهاية يحملون جسم الجريمة بناءً على نصيحة من جار قديم كان يعمل شرطيًّا متقاعدًا، كما أن لدينا أيضا جريمة انتحار لامرأة يعذبها رجل لا ندرى إن كان زوجها أم أخاها، لكنها فى نهاية الأمر تنتحر من فوق السطح.
المخرج ينتقل فى الخمسة عشر دقيقة الأخيرة من الفيلم بهذه الدراما الزاعقة، حيث تتعدد النهايات المأساوية ويحرص فى الموسيقى على أن يمزج بين الموسيقى الشرقية والفولكلور الجزائرى، على سطح مجاور نرى أيضا من يطلقون عليه «شيخ سادى»، فهو يعالج النساء اللائى لديهن مشكلات جنسية مع أزواجهن بالضرب والصفع المبرح بعد أن يجردهن من ملابسهن.
المخرج علواش كتب كعادته سيناريو الفيلم، وهو لا يقدم لنا سوى لمحة مباشرة من كل حكاية أشبه بفيلم هيتشكوك الشهير «النافذة الخلفية» 1955، التى كنا نتابع فيها من خلال عيون البطل الممنوع من الحركة بعد وضع قدمه فى الجبس، ما يجرى فى الشقق التى يطل عليها من العمارة. فى «النافذة الخلفية» كانت عين الممثل هى التى نتلصص من خلالها كمشاهدين لنتابع تلك الرؤية البصرية والفكرية التى تفرضها علينا رؤية الممثل الذى أدى دوره جيمس ستيوارت، ليصبح هو طرفًا فاعلًا فى كشف غموض جريمة القتل، هذه المرة مع علواش نحن نرى بعين موضوعية، وهى زاوية رؤية المخرج، ولهذا فإنه عندما ينتقل من حكاية إلى أخرى على تلك الأسطح نصبح بصدد لحظة تتجسد فيها وفى تحديد ملامحها وزمنها العناصر الفنية من المونتاج والموسيقى والرؤية التشكيلية ليلعب المونتاج لسيلفى غامير والتصوير لفريدريك دربا دور البطولة، كان المخرج ينهى بعض القصص ويتابع بعضها، كما أنه اختار أن يُطل على الجزائر بعين أخرى لمخرجة تريد أن تصنع فيلمًا موازيًّا، وهو يبدو وكأنه يسخر من هؤلاء الذين يفضلون أن تُقدم السينما رؤية تقليدية أقرب إلى «كارت بوستال» للبلد فالتقط هذا الخيط الدرامى ليوجه انتقادًا لاذعًا لهؤلاء الذين يريدون أن يشاهدوا جانبًا جماليًّا فقط من الصورة، لا يعترف علواش فى فيلمه بالحكاية، لكنه أراد أن ينهى أغلب قصصه بمواقف درامية مفتعلة، رغم أن المنطق الفنى لهذا البناء لا يحتاج سوى أن تظل الخطوط العريضة كما هى، وأن يترك لخيال المتلقى أن يُكمل الباقى، كان الأوفق فى بناء هذا النوع من الأفلام أن تظل كل حكاية تملك خصوصيتها وتفردها.
بالطبع هذا البناء المتقاطع كثيرًا ما شاهدناه فى أعمال درامية، بل هناك فيلم مصرى اسمه «السطوح»، ومن الممكن أن تجده أيضا فى «عمارة يعقوبيان» وغيرها فهى حالة شائعة ويبقى الفارق بين فنان وآخر فى أسلوب المعالجة.
علواش هو أنشط مخرجى الجزائر فى العشرين عامًا الأخيرة بأفلامه مثل «سلام يابن العم» و«مدينة باب الواد» و«حراقة» و«التائب» و«نورمال»، وهو متهم فى الجزائر بأنه «فرانكوفونى» اللغة والمشاعر والنزعة، وبأنه يبيع معاناة بلاده لحساب إرضاء عين الأجنبى، وكثيرًا ما يتعرض مخرجونا العرب لهذا النوع من الاتهامات المسبقة عندما يقدمون آلام بلادهم فى أفلام بتمويل أجنبى، لكن هذه قصة أخرى.