أتمني أن يتم تحديد رئاسة الجمهورية بمدتين لا ثالث لهما مجلس الشعب رأيت فيما يري النائم الحالم، أنه قد صارت بيدي الأمور في مصر المحروسة، فماذا تراني فاعلا لإصلاح الأحوال ؟! رأيتني أحلم بتشكيل هيئة تأسيسية من فقهاء القانون والدستور، وخبراء السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم والثقافة، لتضع المبادئ العامة ثم تصوغ دستورا للبلاد يتفاعل تفاعلا حقيقيا مع الواقع وعناصره ويستشرف المستقبل وما يستلزمه، ويضع الأسس لجمهورية تتوازن فيها السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويكفل حرية الرأي والفكر والتعبير، وحرية الصحافة وإصدار الصحف، وحرية تكوين الأحزاب بلا وصاية تحت أي شكل، ويوفر الرقابة القضائية للانتخابات الرئاسية والتشريعية، ويرسي مبدأ سيادة القانون وخضوع الدولة له، والمساواة الحقيقية بين المواطنين، وحقوق المواطنة وما يكفلها، واستقلال القضاء استقلالاً حقيقيا لا يعطي هوامش أي هوامش لتدخل السلطة التنفيذية أو المساس بأي صورة باستقلال القاضي، وتحديد رئاسة الجمهورية بمدتين لا ثالث لهما إلا بعد انقطاع يشغله رئيس آخر في ولاية أخري، وحماية هذه الحدود من التعديل بنص في الدستور يحظر إن حدث تعديل سريانه علي من يكون بالمنصب عند إجرائه، ويقرر عدم جواز الترشح لمن كان قريبا للرئيس حتي الدرجة الثانية إلا بعد ولاية لرئيس آخر، ورأيت فيما يري النائم الحالم أن هذا الدستور قد كفل حقيقةً لاشعاراً! سيادة الشعب وأنه بالفعل مصدر السلطات لا يُفتأت منها عليه، ويكفل المقومات الاجتماعية والخلقية والاقتصادية، ويوازن موازنة دقيقة بين الحريات والحقوق والواجبات العامة، فيجعل الكل أمام القانون سواء، ويكفل الحرية الشخصية ويصونها من أي مساس، ويحظر الاعتقال دون أمر قضائي يعاد عرضه تلقائياً علي القضاء كل ستة أشهر علي الأكثر، ويقيد مدته بحد أقصي لا تتعداه وإلا وجب الإفراج، ويقرر جداراً حقيقياً لحماية حرمة الحياة الخاصة، ويقوم نظامه البرلماني علي مجلسين لهما سلطة تشريعية أولي وثانية كمجلسي النواب والشيوخ، وأسس ونظام للمحكمة الدستورية العليا يحقق لها الاستقلال الكامل ويحميها من الاختراق! ورأيت فيما يري النائم الحالم، أن الهيئة التأسيسية قد عرضت المبادئ العامة علي الشعب في استفتاء عام بتفصيل يسمح بتفريد الاختيارات، ثم عرضت بذات النظام صياغة المبادئ علي الشعب بما يتيح له التعبير عن إرادته تعبيرا حراً خاليا من أي التباس! ورأيت فيما يري النائم الحالم أنه قد قامت في مصر أحزاب حقيقية متفاعلة مع الشعب تعبر عن تياراته وتوجهاته تعبيراً يصادف الواقع، وتقوم فيها أبنية بكوادر حقيقية يجري فيها تداول السلطة باختيارات حرة، وأن هذه الأحزاب قد طفقت تتنافس بالديمقراطية علي ولاية الحكم في ظل الدستور الذي ارتضاه الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات، ورأيت فيما يري النائم أن الانتخابات صارت تجري بشفافية تحت إشراف القضاء بلا تدخلات ولا تزوير، ويأتي تشكيل مجلسي البرلمان وفق إرادة الناخبين، معبرا تعبيراً حقيقياً عن الشعب، ينتخب كل مجلس من بين أعضائه الرئيس والوكيلين ورؤساء ومقرري اللجان، وأن تداول المواقع بالمجلسين صار هو السنة الجارية وفق اختيارات الأعضاء، وأنه لم يعد ممكنا وفق هذه الآلية الديمقراطية أن يعمر أحد في موقعه، وكذلك الوزراء، صار كل منهم تعبيراً عن مكانة تفرض نفسها في الحزب الذي فاز بأغلبية حقيقية فشكل الوزارة باختيارات تعبر عن كوادره التي يعرف كل منها قيمته ووزنه وإمكاناته، ويملأ مكانه كوزير سياسي فعلا يصدر فيما يراه عن رؤية نابعة منه غير مملاة عليه! ورأيت فيما يري النائم الحالم أن الصحافة قد تحررت من كل القيود، وصارت بالفعل مملوكة للشعب من خلال شركات مساهمة تحدد فيها حصص المساهمات علي نحو لا يسمح بالاستحواذ ويكفل للقاعدة العريضة حرية الاختيار للأصلح للإدارة ورئاسة التحرير، وأن هذه الصحف قد جعلت تتقدم إلي الصحافة وتؤدي رسالتها بحرية تامة وفي استقلال حقيقي لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي العام والإسهام علي نحو صحي في تكوينه وتوجيهه في إطار الأسس والمقومات التي ارتضاها الشعب في الدستور الجديد. ورأيت فيما يري النائم الحالم تواصلا حيا بين الأجيال، تمتزج فيه خبرة الشيوخ مع حماس وقوة الشباب، في تداول للمواقع لا تتصاغر فيه الاختيارات أو تنحي القامات المخلصة القادرة علي العطاء بعلمها وخبراتها وصدق توجهها للوطن ومصالحه لا للسلطان وما يريده، ورأيت فيما يري النائم أن صلاح وعدالة الإدارة، قد انتشل الفقراء من الفقر المدقع، ودفع بهم للإسهام الكريم في صناعة الحياة، وانتهي تحالف المال مع السلطة، وصار المال في خدمة المجتمع، ورأيت فيما يري النائم الحالم أن قيمة الفرد قد صارت فيه، لا بحسبه ولا بنسبه ولا بماله، وإنما بقدراته وعطائه وبذله في خدمة المجتمع، وأن التعليم قد صلح حاله وطفق يفرز ويقدم للوطن متعلمين حقيقيين يمتزج علمهم بعملهم في شتي المواقع، فدارت بهم عجلة الحياة، وتراجعت الأمية، وأشرقت الصحة علي الوجوه التي كانت ضامرة للفقراء والمعوزين، ورأيت فيما يري النائم الحالم أننا قد أزلنا العشوائيات في إطار خطط تسكين تدريجي، وأننا قد أعدنا هيبة القانون وجففنا منابع وأوكار الفساد، فاستقام أداء الإدارة، وأصبح كل مواطن شاعراً بالمساواة والأمان. ورأيت فيما يري النائم الحالم، أن مبادئ الدستور قد كفلت حقوق المواطنة للجميع، وأنه بكفالتها قد زالت الحساسيات والاحتقانات مع اتساع الوعي باتساع التعليم وانتشار الثقافة وسيادة الاعتقاد بأن الدين لله والوطن للجميع، وتحققت الفرص المتكافئة في التعليم والعمل، وفي رعاية صحية مكفولة للفقراء والأغنياء، وأن العملية التعليمية بأضلاعها الثلاثة قد طفقت تقوم برسالتها في بناء الأجيال، وأن حرية الفكر والتعبير قد دفعت بالحكماء والمثقفين إلي الإسهام بدور فاعل في بناء المجتمع وتوجيه الرأي العام، وأن الرياضة قد صارت أسلوب حياة وصلحت أحوالها واستخلصت نفسها من بئر التعصب وسطوة الممارسات الضريرة، وطفقت تفرز صحة في الأبدان والعقول، وتفيض بروحها الرياضية علي العلاقات والتعاملات بين الناس، وأن السياسة الاجتماعية قد طفقت تدفع ٍالسياسة الضريبية إلي اتجاه تصاعدي يكفل تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوالي تقديم الرعاية للطفولة والشيخوخة إعدادا للمستقبل ووفاء بحق من أدوا أدوارهم وآن لهم أن يخلدوا إلي راحة كريمة، وأن ذلك كله قد أخذ يثمر في تحقيق تكافل اجتماعي حقيقي يصير به الكل في واحد والواحد للكل! رأيت فيما يري النائم أحلاما كثيرة تتحقق بها وفيها عناصر المدينة الفاضلة لمصر المحروسة، وأصابني الذعر حين استيقظت وأدركت أن ما رأيته كان أضغاث أحلام، ثم ردني إلي بعض الطمأنينة أننا سوف نكون بخير حين نقدر علي الحلم، وأن الخطر كل الخطر يكمن في فقدان هذه القدرة التي هي بداية الطريق لتحويل الأماني إلي واقع تعود به الحياة إلي بر مصر!